حكم الجلاتين ومضافات الأطعمة

المحتويات

  1. مضافات الأطعمة (e-codes)
  2. الاستحالة
  3. الجيلاتين
  4. المُجبِّنة
  5. الخل إذا لم يتخلل بنفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

مضافات الأطعمة (e-codes)

هي مواد تضاف للأطعمة لأغراض عدة منها الحفظ وتحسين الصفات والتلوين، بعضها طبيعية ويصنع بعضها من أصل نباتي وبعضها من أصل حيواني، وقد يكون هذا الأصل الحيواني من الخنزيز أو من البقر، وقيل بأن الأصل الحيواني تحول كيميائياً فتغير اسمه ووصفه.
لمزيد من المعلومات عن المواد المضافة، يمكن الرجوع إلى هذا الرابط؛ جريدة الرياض » الثلاثاء 28 جمادى الاولى 1434 هـ - 9 ابريل 2013م - العدد 16360» المواد المضافة للأغذية.

الاستحالة

الاستحالة عند الفقهاء هي؛ انقلاب حقيقة العين النجسة إلى حقيقة أخرى بتغيُّر صفاتها واسمها، كانقلاب الخمر خلاً والخنزير ملحاً.
وأمَّا الاستحالة عند علماء الكيمياء فهي؛ تحوُّل خصائص المادة الفيزيائية والكيمائية عن طريق التفاعل الكيميائي إلى خصائص أخرى، كتحويل الزيوت والشحوم إلى صابون.
يرى الأحناف وجمهور المالكية أنَّ كل نجس استحال إلى طاهر فهو طاهر، ويحل استخدامه، ويحل كذلك أكله إذا كان مما يؤكل من الطيبات، لما ورد من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل الخل، وقال عنه: (نعم الإدام الخل)، وأصل الخل خمر.
وكل ما جاز أكله وشربه فهو طاهر، ولكن ليس كل طاهر يجوز أكله وشربه، فالنبات السام طاهر ولكن لا يحل أكله.
وسلطات التغذية والصحة في الغرب تدعي أن مضافات الأطعمة صحية، ولكن توجد دراسات علمية كثيرة تؤكد أن الأطعمة المعالجة بنحو نزع الدسم والكيمياء غير صحية.
والقول بطهارة جميع النجاسات بالاستحالة وحل ما يحل أكله منها كالملح المستحيل عن لحم الخنزير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، وقد جزما بذلك، وسيأتي قول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذا هو الصواب المقطوع به).
يرى علماء آخرون كبعض الشافعية التفريق بين ماهو نجس لعينه وما كان نجساً لمعنىً فيه، وكذلك بعض الحنابلة يفرِّقون بين المتنجس والنجس، حيث يرون طهارة المتنجس بالاستحالة وعدم طهارة النجس بالاستحالة.
والمتنجس عند الحنابلة هو ما كان أصله طاهراً، كالخمر أصله من العنب ونحوه، فإذا استحال الخمر إلى خل طهُر وجاز أكله، والنجس عندهم كلحم الخنزير، فيرون أنه إذا تحول إلى ملح لا يطهر ولا يحل أكله.
ولا خلاف بين العلماء في جواز أكل الخل الذي تخلل بنفسه لورود الأحاديث الصحيحة بهذا عن النبي صلى الله عليه  وسلم.
والصحيح قول الأحناف وجمهور المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى من عدم التفريق بين المتنجس والنجس، وذلك لأن كل نجس متنجس، فكل ما يؤكل من نبات وحيوان يعود أصله إلى التراب، فالخنزير يأكل النجاسات، وهذه النجاسات أصلها من حيوان أو نبات، وكلها تعود للتراب.
ومن الأدلة على ذلك أنَّ المستحيل لا تتناوله أدلة التحريم بل يدخل في عموم أدلة التحليل من حيث الاسم، فالملح حلال ولحم الخنزير حرام، وبعد استحالة لحم الخنزير إلى ملح، فإن اسمه ملحاً وليس لحم خنزير.
وتناول أدلة الحِل للمُستحيل من جهة الاسم هو ما عناه ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله الذي سيأتي نصه لاحقاً؛ لفظاً، عندما ذكر أن أدلة التحريم لا تتناول المستحيل إلى طاهر حيث قال: (لا لفظاً ولا معنىً ولا نصاً ولا قياساً).
هذا من ناحية اللفظ والاسم، وأما المعنى؛ فلأن العبرة بالمآل والحال وليس بالأصل، وأما القياس؛ فعلى الأحاديث التي ورد فيها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل الخل وقال فيه؛ (نعم الإدام الخل)، لأن الخل أصله خمر، وأما النص؛ فعموم النصوص الواردة في إباحة الطيبات وإباحة كل ما في الأرض للانتفاع به.
أما اتِّفاق العلماء على جواز ما تخلل بنفسه، فللأحاديث الصحيحة الواردة في حل أكله.
فقد روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الأدم أو الإدام الخل)، وعن جابر رضي الله عنه؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل به، ويقول: نعم الأدم الخل) [1].
وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وقطع بحل استخدام كل ما استحال إلى طاهر وجواز أكل ما يحل أكله منه حيث قال: (العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة - مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحاً طيباً كغيرها من الملح ...  
إلى قوله: ومذهب أهل الظاهر وغيرهم؛ أنها تطهر. وهذا هو الصواب المقطوع به. فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنىً. فليست محرمة، ولا في معنى المحرم، فلا وجه لتحريمها، بل تتناولها نصوص الحل. فإنها من الطيبات) [2].
وقال: (فإن انقلاب النجاسة ملحاً ورماداً ونحو ذلك، هو كانقلابها ماءً، فلا فرق بين أن تستحيل رماداً أو ملحاً أو تراباً أو ماءً أو هواءً ونحو ذلك. والله تعالى قد أباح لنا الطيبات) [3].
وكذلك جزم ابن القيم رحمه الله تعالى بطهارة كل نجس استحال إلى طاهر وجواز أكل ما يحل أكله منه، ورد على من فرق بين النجس والمتنجس من الحنابلة وغيرهم حيث قال: (وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس، فإنها نجسة لوصف الخبث، فإذا زال الموجِب زال الموجَب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها، بل وأصل الثواب والعقاب.
وعلى هذا، فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم.
وقد أجمع المسلمون على أنَّ الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت بالطاهرات، حل لبنها ولحمها. وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر، حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب.
وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً، صار نجساً، كالماء والطعام إذا استحال بولاً وعذرة، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً، ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيباً؟ والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب.
ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء في نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف، دائر معه وجوداً وعدماً، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر، لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظاً ولا معنىً ولا نصاً ولا قياساً.
والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها، قالوا: الخمر نجست بالاستحالة، فطهرت بالاستحالة، فيقال لهم: وهكذا الدم والبول والعذرة، إنما نجست بالاستحالة، فتطهر بالاستحالة) [4].

الجيلاتين

تُصنع مادة الجيلاتين من مادة الكولاجين، وتُستخرج مادة الكولاجين عادة من عظام الأبقار وجلود الخنازير.
والكولاجين عبارة عن بروتين له سلسلة معينة من الأحماض الأمينية.
وأما الجيلاتين فهو عبارة عن الكولاجين المهدرج الذي يتبع سلسلة من الغليان والمعالجات الكيميائية، بعد المعالجة يتغير حجم سلسلة الأحماض الأمينية ولا تعود إلى أصلها.
فمن الواضح أن الخصائص الفيزيائية والكيميائية في الجلاتين تحولت عن أصلها، يؤكد ذلك فتوى الشيخ محمد الجبالي –أحد قدامى الدعاة السلفيين في أمريكا- بحِل الجلاتين، والشيخ الجبالي هو أُستاذ في الكيمياء الحيوية.
وأرجو من أهل التخصص البحث في مدى تحول الجيلاتين عن الأصل لأنه مما عمت به البلوى في كثير من المنتجات خاصة الأدوية والحلويات.
والجلاتين إذا فحص يمكن معرفة أصله، وهذا قد يُشْكِل، لأن معرفة الأصل تدل على عدم الاستحالة الكاملة، وحسب اطلاعي فإنَّ الفحص يتم بوسائل دقيقة، مما يدل على أنه إذا بقيت نسبة من الأصل فهي ضئيلة جداً.
ولا شك أن النسب الضئيلة جداً لا أثر لها، فكل شيء طيب مأكول لابد فيه من هذه النسبة الضئيلة التي تُشبه العدم، مثل ملح البحار ومياه الشرب، وكل الفواكه فيها نسبة قليلة جداً من الكحول خاصة العنب والتفاح، والقواعد الفقهيَّة تدلُّ على عدم اعتبار مثل هذه النسبة الضئيلة جداً.
وقد ورد في إحدى فتاوى اللجنة الدائمة تحديد مقدار النسبة التي بها يُعرف ما لا يحرم من الأدوية التي بها نسبة من الكحول بقولهم: (لكن إن وضعت فيه ولم تصل بالدواء إلى درجة أن يسكر كثيره، جاز التداوي به) [5].
وتقدير النسبة بما لا يُسْكر كثيره من أحسن تقديراتهم، ولعل تحديد نسبة ما لا يُسكر كثيره من الكحول في الأدوية تكون بمقدار ما في مشروب الفاكهة الطبيعي من كحول، وهي بمقدار 0.1% تقريباً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (أكل الشوى والشريح جائز سواء غسل اللحم أو لم يغسل; بل غسل لحم الذبيحة بدعة، فما زال الصحابة - رضي الله عنهم - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يأخذون اللحم فيطبخونه ويأكلونه بغير غسله، وكانوا يرون الدم في القدر خطوطاً).
وقال أيضاً: (وقد ثبت أنَّهم كانوا يضعون اللحم بالقدر فيبقى الدم في الماء خطوطاً، وهذا لا أعلم بين العلماء خلافاً في العفو عنه، وأنه لا ينجس باتفاقهم) [6].
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله في الأمور التي يكون بها التطهير: (والسابع؛ انقلاب العين. فإن كان في الخمر، فلا خلاف في الطهارة. وإن كان في غيره، كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحاً؛ يؤكل، والسرقين والعذرة تحترق فتصير رماداً؛ تطهر، عند محمد. خلافاً لأبي يوسف. وضم إلى محمد أبا حنيفة في المحيط. وكثير من المشايخ اختاروا قول محمد. وفي الخلاصة؛ وعليه الفتوى. وفي فتح القدير؛ أنه المختار. لأنَّ الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة.
وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فكيف بالكل؟
فإنَّ الملح غير العظم واللحم. فإذا صار ملحاً ترتب حكم الملح.
ونظيره في الشرع؛ النطفة نجسة، وتصير علقة وهي نجسة، وتصير مضغة فتطهر. والعصير طاهر، فيصير خمراً فينجس، ويصير خلاً فيطهر. فعرفنا أنَّ استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها. وعلى قول محمد، فرعوا الحكم بطهارة صابون صنع من زيت نجس ا هـ) [7].
تأملتُ في حِكمة وجود نسبة قليل جداً من الكحول تقدر بنسبة 0.1% في الفواكه وفي مشروب عصير الفواكه الطبيعي، فرأيت أن فيها فوائد؛ {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}.
وتأملت في حِكمة وجود نسب قليلة جداً مثلها من النجاسات والمحرمات في مياه الشرب وغيرها من الطبيعة، فرأيتُ أن من فوائدها تقوية مناعة الجسم، وتذكرتُ الأمصال واللقاحات التي درسناها في المدارس ونحن صغار، فأحدها عبارة عن الميكروب نفسه ميت أو مضعف جداً.

المُجبِّنة

تُسمى المادة التي تسخدم في صناعة الجبن عند الفقهاء بالإنفحة، والإنفحة (المُجبِّنة) شيء أصفر في وعاء جلدي يخرج من بطن الجدي ويستخدم في صناعة الجبن.
ذهب بعض العُلماء إلى أن إنْفِحَّةَ الميتة ولبنها طاهر، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم لَما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وذهب بعضهم إلى أن الجزارين في بلاد فارس كانوا أهل كتاب، وهذا يحتاج إلى إثبات إذ هو مستبعد عادة.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى طهارة إنفحَّة الميتة فقال: (والأظْهَرُ أنَّ جُبْنَهُمْ حَلالٌ وأنَّ إنْفَحَةَ المَيْتَةِ ولَبَنَها طاهِرٌ وذَلِكَ لِأنَّ الصَّحابَةَ لَمّا فَتَحُوا بِلادَ العِراقِ أكَلُوا جُبْنَ المَجُوسِ وكانَ هَذا ظاهِرًا شائِعًا بَيْنَهُمْ.
وما يُنْقَلُ عَنْ بَعْضِهِمْ مِن كَراهَةِ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإنَّهُ مِن نَقْلِ بَعْضِ الحِجازِيِّينَ وفِيهِ نَظَرٌ. وأهْلُ العِراقِ كانُوا أعْلَمَ بِهَذا فَإنَّ المَجُوسَ كانُوا بِبِلادِهِمْ ولَمْ يَكُونُوا بِأرْضِ الحِجازِ.
ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّ سَلْمانَ الفارِسِيَّ كانَ هُوَ نائِبَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ عَلى المَدائِنِ وكانَ يَدْعُو الفُرْسَ إلى الإسْلامِ وقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِن السَّمْنِ والجُبْنِ والفِراءِ؟ فَقالَ: (الحَلالُ ما أحَلَّ اللَّهُ فِي كِتابِهِ والحَرامُ ما حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتابِهِ وما سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمّا عفى عَنْهُ)، وقَدْ رَواهُ أبُو داوُد مَرْفُوعًا إلى النَّبِيِّ ﷺ.
ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ السُّؤالُ عَنْ جُبْنِ المُسْلِمِينَ وأهْلِ الكِتابِ فَإنَّ هَذا أمْرٌ بَيِّنٌ وإنَّما كانَ السُّؤالُ عَنْ جُبْنِ المَجُوسِ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ سَلْمانَ كانَ يُفْتِي بِحِلِّها وإذا كانَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ انْقَطَعَ النِّزاعُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ.
وأيْضًا فاللَّبَنُ والإنْفَحَةُ لَمْ يَمُوتا، وإنَّما نَجَّسَهُما مَن نَجَّسَهُما لِكَوْنِهِما فِي وِعاءٍ نَجِسٍ فَيَكُونُ مائِعًا فِي وِعاءٍ نَجِسٍ.
فالتَّنْجِيسُ مَبْنِيٌّ عَلى مُقَدِّمَتَيْنِ عَلى أنَّ المائِعَ لاقى وِعاءً نَجِسًا وعَلى أنَّهُ إذا كانَ كَذَلِكَ صارَ نَجِسًا. فَيُقالُ أوَّلًا: لا نُسَلِّمُ أنَّ المائِعَ يَنْجُسُ بِمُلاقاةِ النَّجاسَةِ) [8].

الخل إذا لم يتخلل بنفسه

سبق أنَّ العلماء متفقون على جواز أكل الخل الذي تخلل بنفسه لورود الأحاديث بهذا، واختلفوا فيما إذا خُلِّل بفعل إنسان.
وسبب اختلاف العلماء هو اختلافهم في معنى الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلاً، قال: لا) [9].
يرى الأحناف جواز الخل سواء تخلل بنفسه أو خُلِّل، ويحملون الحديث السابق على التغليظ والتشديد في أول الأمر قبل الإباحة، ويرى بعض العلماء وهو اختيار العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى جواز ما خلله اليهود والنصارى، وتجد قوله في الرابط السابق، ويرى ابن تيمية رحمه الله تعالى عدم جواز الخل إذا خلله مسلم.
بعد التأمل في كلام العلماء بدا لي أن الراجح جواز ما تخلل بنفسه وما خلله غير المسلم، وأن ما خلله مسلم لا يحل، ولكن عدم حل ما خلله مسلم ليس بسبب النجاسة ولا بسبب كونه من الخبائث، وإنما سداً للذريعة ومنعاً للتعاون على الإثم والعدوان.
فإنَّ اتفاق العلماء على أنَّ ما تخلل بنفسه طاهر يؤكل، يدل على أنَّ الخل بنفسه طاهر طيب سواء تخلل بنفسه أو لم يتخلل بنفسه.
ولا يصح التفريق بين المتماثلين في الشريعة، فالنجاسات والطيبات معقولة المعنى، فلا  يصح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما لم يتخلل بنفسه أنه لا يطهر، وهذا الكلام منه جريان على مذهب الشافعية الذين يفرقون بين أنواع الاستحالات، فلا يعقل أن يكون ما تخلل بنفسه طاهراً وما تخلل بفعل فاعل نجساً.
وقد ذكر الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى وهو من الأحناف أنَّ النهي عن التخليل على سبيل التغليظ والتشديد، وقوله هذا هو بمعنى سد الذرائع إلا أنه يرى أنه في حكم المنسوخ، ولعل الصحيح أنه لا دليل على النسخ، والجمع بين الأدلة أولى من ادعاء النسخ والترجيح، وقد دل الدليل على تحريم التخليل، ويبدو أن سبب تحريمه هو سد الذريعة، حتى لا يتذرع أحد من بائعي الخمور بأنه يريد أن يصنع منها خلاً.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
يوم الخميس 7 رمضان 1433هـ، 27 يوليو 2012م
لينكوبنج، السويد

المصادر

[1] صحيح مسلم » (2052)..
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج21/ص70)، تحقيق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م.
[3] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج21/ص502)، الطبعة السابقة.
[4]  إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج3/ص183-184)، قدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره؛ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، شارك في التخريج؛ أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، الناشر؛ دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1423هـ.
[5] فتاوى اللجنة الدائمة (ج25/ص22)، جمع وترتيب؛ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الناشر؛ رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الإدارة العامة للطبع، الرياض.
[6] مجموع فتاوى ابن تيمية(ج21/ص522)، الطبعة السابقة.
[7] البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج1/ص239)، الناشر؛ دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.
[8] مجموع الفتاوى (ج٢١/ص‏١٠٣)، الطبعة السابقة.
[9] صحيح مسلم » (1983).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق