ضابط أركان وواجبات الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
ملخص؛ استخراج ضابط للاستدلال على أركان الصلاة وواجباتها يضبطها بالنصوص ويضعف حجج المقلدين.

اتباع العالم وتقليده 

الصلاة هي الركن الثاني، وهي أول ركن عملي، وتقيد دعاة السنة في أركانها وواجباتها وسننها بالمذهب الحنبلي في كل العالم يضعف الدعوة إلى جعل التمذهب مجرد وسيلة لدراسة الفقه وترك التقيد بالمذاهب في جميع مسائل الفقه.
فالنصوص تدل على أن الأصل الواجب على العامة هو اتباع العلماء.
واتباع العالم هو قبول قوله بعد معرفة دليله، فالعالم هو دليل العامي إلى الدليل.
والتقليد هو قبول قول العالم من غير معرفة دليله.
والاجتهاد هو استفراغ الوُسع لاستنباط حُكم شرعي واستخراج أصول فهمه وقواعده وعلله من الأدلة التفصيلية.
 ويمكن تقسيم التقليد إلى قسمين؛
الأول؛ تقليد العلماء دون التزام واحد معين أو جماعة بأعيانهم في مسائل غير معيَّنة.
والثاني؛ تقليد لمعيَّن أو لمعيَّنين في كل مسائل الفقه والدين أو في مسائل بعينها.
فأما القسم الأول من التقليد فهو جائز بإجماع المسلمين إذا تعذر أو تعسر على المسلم معرفة الصواب بدليله.
وذلك لأنَّ الأصل اتباع النص من الكتاب والسنة، وإنما جاز التقليد للضرورة والحاجة، لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يحيط علماً بكل المسائل لا سيما العوام، ولأن النص فيه المنسوخ والمخصَّص والمقيَّد ونحو ذلك مما قد يحتاج إلى دراسة ونظر وتأمَّل لا سيَّما في المسائل الخفية الدقيقة.
وأمَّا القسم الثاني وهو تقليد معيَّن أو معيَّنين كالتزام مذهب من المذاهب الأربعة أو مذهب جماعة من العلماء، إما في مسائل بعينها، أو في جميع ما في المذهب أو فتاوى المعيَّنين من الرخص والعزائم في كل مسائل الفقه؛ فهو مذموم، سواءٌ قيل بجواز هذا الالتزام أو قيل بوجوبه.
فكيف للعامي أن يلتزم مذهباً معيناً وهو مقلد؟ فالمذهب فيه الراجح والمرجوح والقديم والجديد وغير ذلك من الإشكالات التي يذكرونها في النصوص، ففي أقوال أئمة وعلماء المذاهب العام والخاص والمطلق والمقيد.
بل النصوص أيسر في الفهم من أقوال البشر من مختصرات ومطولات.
إذا قالوا؛ العامي إنما يلتزم المذهب بتقليد علماء المذهب؟ فيقال: عالم المذهب لا يحل له أن يفتي بغير الحجة والدليل على قولكم، فخرج بهذا العامي عن التزام مذهب معين.
والنصوص منقولة بالسند خلافاً لأقوال العلماء والأئمة، وهي أعلى قدراً إضافة إلى كونها أيسر، فكلام البشر قد يلزم منه باطل لم ينتبه قائله إليه، ولأن العالم قد يقول القول لهوىً خفي عارض.

الإشكال وجوابه

لم أجد في خلال بحث متقطع منذ سنوات من صرح بضابط عام يفرق به بين الأركان والواجبات من حيث الاستدلال عليها.
ثم وجدت واحداً من كبار العلماء المعاصرين صرح بضابط للتفريق بين الأركان والواجبات، وهو قوله بأن كل ما ورد بصيغة الوجوب ركن إلا إذا دل الدليل على أنه واجب، ولا أظن أن صاحب هذا الضابط قد التزمه في كل أركان وواجبات الصلاة.
من الإشكالات التي وجدتها وظللت لسنوات أبحث عن مخرج لها؛ أن تكبيرات الانتقال والسمعلة وردت في رواية أبي دواود لحديث المُسيء صلاته، ولم يكن الإشكال في تكبيرات الانتقال كبيراً لوجود من قال بأنه من الأركان، ولكني لم أجد من قال بأن السمعلة من الأركان، وحتى تكبيرات الانتقال هي رواية عن الإمام أحمد لم أتحقق منها، ثم وجدت ولله الحمد ما يمكن به التوفيق بين ضابط الأركان ورواية أبي داود.
ومما مر علي أثناء البحث ولم أنقله طلباً للاختصار كلام لابن قدامة رحمه الله تعالى في رواية أبي دواود، ذكر فيه أن الزيادة التي فيه مقبولة، ولكنه رحمه الله جعل بعض ما فيه أركاناً وبعض ما فيه واجبات، ولم يذكر سبب هذا التفريق.
وقد يكون سبب أن زيادات رواية أبي داود واجبات وليست أركاناً من منفردات مقالي هذا.
والسبب هو أن هذه الزيادات تكرارٌ بمخاطبة الناس بعد أمر المُسيء صلاته لأنها بصيغة الغيبة وليس الأمر، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يُكرر بمخاطبة الناس بعد أمر الأفراد.
وزيادات رواية أبي داود هي تكبيرات الانتقال للأركان والسمعلة، وهي واجبات.
ومما قد يكون من منفردات مقالي الاستدلال الذي لا إشكال فيه على قول الحنابلة بأن ترك واجبات الصلاة عمداً إثم يُبطل الصلاة، وهذا متفرع عن الضابط الذي استخرجته للتفريق بين الواجبات والأركان من حيث الاستدلال.

أحكام أقوال وأفعال الصلاة

أقوال وأفعال الصلاة التي لا تنجبر إذا تركت سهواً أو جهلاً إلا بالإتيان بها مع سجدتي سهو تُسمى الأركان والفرائض عند الجميع، وتُسمى الواجبات أيضاً عند المالكية والشافعية، وفي آخر المقال بيان كيفية الإتيان بالأركان المتروكة سهواً أو جهلاً.
ما تنجبر بسجدتي سهو فقط تُسمى الواجبات عند الحنابلة والأحناف، وذلك لأنَّ الحنابلة يرون أن تركها عمداً إثمٌ يُبطل الصلاة كالأركان، وهو الصحيح كما سيأتي بيانه وذكر دليله إن شاء الله، والأحناف يرون أن تركها عمداً إثمٌ ولكن لا تبطل الصلاة به، ويُسميها المالكية السنن، ويُسميها الشافعية السنن التي تُجبر بسجدتي السهو.
وأما أقوال وأفعال الصلاة التي يُفضل فعلها ولا تُجبر بشيء إذا تُركت نسياناً أو جهلاً أو عمداً؛ فتُسمى السنن على اصطلاح الأحناف والحنابلة، ويُسميها المالكية الفضائل ويُسميها الشافعية السنن التي لا تُجبر بسجدتي السهو.

ضابط الأركان والواجبات والسنن

اختلف الفقهاء في بعض أركان وواجبات وسنن الصلاة، وقد استخرجت ضابطاً لها وفقاً للأصول وأقوال الفقهاء المؤتلفة والمختلفة، وأسأل الله تعالى الهداية والتوفيق للصواب.
لعل الصحيح في ضابط الأركان هو أنها التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته مضافاً إليها ما لم يذكره لمعلوميته مما دل الإجماع أو لازم الإجماع على أنه ركن.
وأما ما يُسميه الحنابلة والأحناف بالواجبات فلعل الصحيح في ضابطها هو كل ما ورد بصيغة تدل على الوجوب كصيغة الأمر ونفي إجزاء الصلاة بدونه، وما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
ضابط السنن  والتي يسميها المالكية الفضائل هو ما سوى الأركان والواجبات.
دليل ضابط الأركان السابق هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بإعادة الصلاة، فدل على أن ترك ما علَّمه إياه جهلاً أو نسياناً لا يسقط بغير الإتيان به، ولتواطؤ الفقهاء على اعتبار أن حديث المُسيء صلاته أصل في أركان الصلاة.
وأما الإجماع ولازمه، فلأن المَعلوم مُشتهِر يقع الإجماع عليه، وقد نص الفقهاء على أن ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته إنما هو لمعلوميته، وكل ما لم يُذكر فيه من آخر الصلاة، وهي؛ التشهد الأخير والجلوس له، والتسليم.
وأما الدليل على أن الواجبات هي ما ورد بصيغة تدل على الوجوب كصيغة الأمر ونفي إجزاء الصلاة بدونه فهذا هو المقرر في علم أصول الفقه، وأما ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال الصلاة، فلقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [١].
أركان الصلاة بناءاً على ضابط أركان الصلاة السابق اثنا عشر ركناً، وتُسمى فرائض أيضاً، وهي على النحو التالي؛
  1. القيام في الفرض أثناء تكبيرة الأحرام وقراءة الفاتحة.
  2. تكبيرة الإحرام.
  3. قراءة الفاتحة في كل ركعة.
  4. الركوع.
  5. القيام بعد الركوع.
  6. السجدة الأولى.
  7. الجلوس بين السجدتين.
  8. السجدة الثانية
  9. التشهد الأخير والجلوس له.
  10. التسليم.
  11. الطمأنينة في جميع الأركان.
  12. الترتيب بين الأركان.
  • والخلاف في النية هل هي شرط أم ركن خلاف لفظي.
وأما واجبات الصلاة وفقاً للضابط المذكور سابقاً، فهي على النحو التالي؛
  1. قراءة سورة بعد الفاتحة في الفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية، والقيام لقراءتها.
  2. الجهر في محل الجهر.
  3. السر في محل السر.
  4. تكبيرات الانتقال.
  5. قول سبحان ربي العظيم وبحمده مرة واحدة في الركوع.
  6. السمعلة عند الرفع من الركوع للإمام والمنفرد.
  7. قول ربنا لك الحمد بعد الرفع من الركوع.
  8. وضع الأعضاء السبعة على الأرض في السجود؛ الجبهة والكفين والركبتين وأطراف القدمين.
  9. قول سبحان ربي الأعلى وبحمده مرة واحدة في السجود.
  10. الذكر عند الجلوس بين السجدتين.
  11. التشهد الأول والجلوس له.
ما ورد بصيغة أمر المسيء صلاته هي الأركان كما في رواية الصحيحين، وزيادات أبي داود واجبات لما سيأتي، وفيها دليل على أن ترك الواجب عمداً يبطل الصلاة كالركن، لقوله؛ (لا تتم صلاةٌ لأحدٍ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ (أنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلّى، ثُمَّ جاءَ، فَسَلَّمَ على النبيِّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرَدَّ النبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليه السَّلامَ، فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلّى، ثُمَّ جاءَ، فَسَلَّمَ على النبيِّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاثًا، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، فَما أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قالَ: إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتّى تَطْمَئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتّى تَعْتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتّى تَطْمَئِنَّ جالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلاتِكَ كُلِّها) [٢].
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه: (أنَّ رجلًا دخلَ المسجدَ... فقالَ النَّبيُّ ﷺ إنَّهُ لا تتِمُّ صلاةٌ لأحَدٍ منَ النّاسِ حتّى يتوضَّأَ فيَضعَ الوضوءَ يعني مواضعَهُ ثمَّ يُكَبِّرُ ويحمَدُ اللَّهَ جلَّ وعزَّ ويُثني علَيهِ ويَقرأُ بما تيسَّرَ منَ القرآنِ ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَركعُ حتّى تطمَئنَّ مَفاصلُهُ ثمَّ يقولُ سمِعَ اللَّهُ لمن حمدَهُ حتّى يَستويَ قائمًا ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَسجُدُ حتّى تَطمِئنَّ مَفاصِلُهُ ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ويرفعُ رأسَهُ حتّى يَستويَ قاعدًا ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَسجدُ حتّى تَطمئنَّ مفاصلُهُ ثمَّ يرفعُ رأسَهُ فيُكَبِّرُ فإذا فعلَ ذلِكَ فقد تمَّت صلاتُهُ) [٣].
زيادات رواية أبي داود هي تكبيرات الانتقال للأركان والسمعلة، وهي واجبات لأن هذه الرواية تكرارٌ بمخاطبة الناس بعد أمر المُسيء صلاته لأنها بصيغة الغيبة وليس الأمر، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يُكرر بمخاطبة الناس بعد أمر الأفراد.
ومما ورد في التكرار حديث بريرة،؛ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (جاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالَتْ: كاتَبْتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ في كُلِّ عامٍ، أُوقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، فقالَتْ: إنْ أحَبُّوا أنْ أعُدَّها لهمْ ويَكونَ ولاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها، فقالَتْ لهمْ: فأبَوْا عليها، فَجاءَتْ مِن عِندِهِمْ ورَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالِسٌ، فقالَتْ: إنِّي قدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عليهم، فأبَوْا إلّا أنْ يَكونَ الوَلاءُ لهمْ، فَسَمِعَ النبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَتْ عائِشَةُ النبيَّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: خُذِيها واشْتَرِطِي لهمُ الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عائِشَةُ ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنى عليه، ثُمَّ قالَ: ما بالُ رِجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ في كِتابِ اللَّهِ، فَهو باطِلٌ وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ قَضاءُ اللَّهِ أحَقُّ وشَرْطُ اللَّهِ أوْثَقُ، وإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ) [٤].
كل أركان الصلاة وردت في أمر المسيء صلاته عدا؛ التشهد الأخير والجلوس له والتسليم، فقوله (ثم) بعد كل ركن يدل على الترتيب بينها، فلا يصح قول الحافظ النووي رحمه الله بأن الترتيب لم يُذكر فيه، وكذا لا يصح القول بأن القيام لم يذكر فيه، فقد ورد ذكره بقوله: (إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ).
وأما الفاتحة فقد وردت الإشارة إليها في أمر المُسيء صلاته بقوله: (ما تيسر معك من القرآن) وتتعين الفاتحة لمن يحفظها للحديث المتفق عليه؛ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
ذكر الحافظ النووي رحمه الله تعالى في الجلوس للتشهد الأخير أنه مجمع على أنه ركن، وأنه لم يُذكر في حديث المسيء صلاته لمعلوميته.
وأما التشهد الأخير فيلزم أنه ركن من الإجماع على أن الجلوس له ركن، إذ ليس في الصلاة سكوت، لحديث؛ (إنَّما هي التَّسْبيحُ والتَّكْبيرُ والتَّحْميدُ وقِراءةُ القُرآنِ) [٥].
ولأثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ (كُنّا لا ندري ما نقولُ قبل أن يُفرضَ عليْنا التشهدُ) [٦].
وإنما خُص كلام ابن مسعود رضي الله عنه بالتشهد الأخير رغم عمومه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بالتشهد الأول لما نسيه واكتفى بسجدتين للسهو بعد السلام.
وأما التسليم فلم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته لمعلوميته، وقد دل حديث (تحليلها التسليم) على أنه ركن.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ وتحريمُها التَّكبيرُ وتحليلُها التَّسليمُ) [٧].
وقد ضبط الدردير الأركان عند المالكية بقوله: (الصلاة مركبة من أقوال وأفعال فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة تكبيرة الإحرام والفاتحة والسلام وجميع أفعالها فرائض إلا ثلاثة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام والجلوس للتشهد والتيامن بالسلام) [٨].
الدليل على أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الفجر والأوليين من الثلاثية والرباعية من الواجبات مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مِفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ، وتحريمُها التَّكبيرُ، وتحليلُها التَّسليمُ، ولا صلاةَ لمن لَم يَقرأ بالحمدُ وسورةٍ، في فريضةٍ أو غيرِها)، [٩].
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه السابق دليل على أن تعمد ترك الواجب يُبطل الصلاة.
ولا شك أن الحديث يُقدم على فهم الصحابي الذي  استدل به بعض العلماء على أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية ليست واجبة، وهو؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (فِي كُلِّ صَلاةٍ قِراءَةٌ، فَما أسْمعنا النبيُّ ﷺ، أسْمَعْناكُمْ، وما أخْفى مِنّا، أخْفَيْناهُ مِنكُمْ، ومَن قَرَأَ بأُمِّ الكِتابِ فقَدْ أجْزَأَتْ عنْه، ومَن زادَ فَهو أفْضَلُ) [١٠].
والدليل على وجوب وضع الأعضاء السبعة على الأرض عند السجود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ على سَبْعَةِ أعْظُمٍ الجَبْهَةِ، وأَشارَ بيَدِهِ على أنْفِهِ، والْيَدَيْنِ، والرِّجْلَيْنِ، وأَطْرافِ القَدَمَيْنِ، ولا نَكْفِتَ الثِّيابَ، ولا الشَّعْرَ) [١١].

كيفية أداء الركن المنسي

الركن أو الفرض لا يسقط عمداً ولا سهواً، وتبطل الصلاة إذا تركه الإنسان عمداً، عدا تكبيرة الإحرام فتبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً، لأن الصلاة لا تنعقد بدون تكبيرة الإحرام، وأما إذا ترك الركن سهواً، فإن كان تكبيرة الإحرام بطلت صلاته كما تقدم، وإن كان غيرها من الأركان، فلا تصح صلاته إلا بالإتيان به ثم يسجد سجدتين للسهو
لأن الترتيب بين الأركان من الأركان المجمع عليها، فإن كل ما وقع بعد نسيان الركن قبل الوصول إلى محله من الركعة التي تليها يعد لغواً، ولهذا فإن كيفية الإتيان بالركن المنسي تتوقف على الوصول إلى محل الركن المنسي في الركعة التي تليها.
فإن ذكر الركن المنسي بعد وصوله إلى محله من الركعة التالية، قامت الركعة التالية مقام التي قبلها، وعليه الإتيان بركعة واحدة مع سجدتي السهو، لأنه إذا وصل إلى محل الركن المنسي من الركعة التي تليها فإنه لن يستفد شيئاً من الرجوع، فيحل الركن التالي محل المنسي.
وأما إذا ذكر الركن المنسي قبل أن يصل إلى محله من الركعة التي تليها، فإنه يعود للإتيان به ثم يُعيد كل ما أتى به من أركان بعده لوقوعها في غير محلها.
ولهذا السبب أيضاً يختلف الحُكم إذا ذكر الركن بعد الفراغ من الصلاة بفاصل قصير بينما لو كان المنسي من الركعة الأخيرة وبينما لو كان من قبلها من الركعات.
فإذا كان الركن المنسي من ركعة غير الأخيرة فعليه أن يأتي بركعة واحدة ثم يسجد سجدتي السهو، وإن كان الركن المنسي من الركعة الأخيرة فعليه أن يأتي به وما بعده فقط ثم يسجد سجدتي السهو بعد السلام.
فإن لم يذكر الركن المنسي إلا بعد الفراغ من الصلاة مع طول الفصل بطلت الصلاة وعليه إعادتها، ويُرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، ويأخذ الشك في الركن حُكم نسيانه.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى فيمن ترك ركناً سهواً من الركعة الأخيرة: (والقول الثاني: أنه لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة، وإنما يأتي بما تَرَكَ وبما بعده، لأن ما قبل المتروك وَقَعَ في محلِّه صحيحاً، فلا يُلزم الإِنسان مرَّة أخرى، أما ما بعد المتروك، فإنما قلنا بوجوب الإِتيان به من أجل الترتيب، وعلى هذا ففي المثال الذي ذكرنا نقول لهذا الرَّجُل: ارجعْ واجلسْ بين السجدتين، واسجدْ السَّجدة الثانية، ثم اقرأ التشهُّدَ، ثم سَلِّمْ، ثم اسجدْ للسَّهو وسلِّمْ، وهذا القول هو الصَّحيح. ووجه صِحَّته؛ أنَّ ما قبل المتروك وقع مُجزأً في محلِّه فلا وَجْهَ لبطلانه، وأما ما بعد المتروك فإنما قلنا بوجوب إعادته مِن أجل مراعاة الترتيب) [١٢].
هذا، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبد الله
لوند، السويد
االجمعة ٢٠ محرم ١٤٤١هـ، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩م

المصادر

[١] أخرجه البخاري (٦٠٠٨)، ومسلم (٦٧٤).
[٢] أخرجه البخاري (٧٩٣)، ومسلم (٣٩٧).
[٣] صححه الألباني رحمه الله في؛ صحيح أبي داود (٨٥٧).
[٤] صحيح البخاري (٢٧٢٩).
[٥] أخرجه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠)، والنسائي (١٢١٨) مطولاً، وأحمد (٢٣٧٦٨) واللفظ له.
[٦] قال ابن حجر: "إسناده صحيح" في؛ فتح الباري (ج2/ص364)، وصححه الألباني في؛ إرواء الغليل (٣١٩).
[٧] صححه الألباني في؛ صحيح ابن ماجه (٢٢٥)، وأخرجه الترمذي (٢٣٨) وغيره.
[٨] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج1/ص231)، دار الفكر.
[٩] أخرجه الترمذي (٢٣٨) واللفظ له، وابن ماجه (٢٧٦) مختصراً، وصححه الألباني في؛ صحيح الترمذي (٢٣٨).
[١٠] أخرجه البخاري (٧٧٢)، ومسلم (٣٩٦) واللفظ له.
[١١] صحيح مسلم (٤٩٠).
[١٢] الشرح الممتع » المجلد الثالث » باب سجود السهو، الموقع الرسمي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق