المحتويات
٧. المصادر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
ضابط مستخرج للاستدلال على أركان الصلاة وواجباتها وسننها، يضبطها بالنصوص ويضعف شبه المقلدين.
الصلاة هي الركن الثاني، وهي أول ركن عملي، وتقليد دعاة السنة المذهب الحنبلي في أركانها وواجباتها في كل العالم يضعف الدعوة إلى جعل التمذهب مجرد وسيلة لدراسة الفقه وترك التقيد بالمذاهب في جميع مسائل الفقه.
فالنصوص تدل على أن الأصل الواجب على العامة هو اتباع العلماء.
واتباع العالم هو قبول قوله بعد معرفة دليله، فالعالم هو دليل العامي إلى الدليل.
والتقليد هو قبول قول العالم من غير معرفة دليله.
والاجتهاد هو استفراغ الوُسع لاستنباط حُكم شرعي واستخراج أصول فهمه وقواعده وعلله من الأدلة التفصيلية.
ويمكن تقسيم التقليد إلى قسمين؛
الأول؛ تقليد العلماء دون التزام واحد معين أو جماعة بأعيانهم في مسائل غير معيَّنة.
والثاني؛ تقليد لمعيَّن أو لمعيَّنين في كل مسائل الفقه والدين أو في مسائل بعينها.
فأما القسم الأول من التقليد فهو جائز بإجماع المسلمين إذا تعذر أو تعسر على المسلم معرفة الصواب بدليله.
وذلك لأنَّ الأصل اتباع النص من الكتاب والسنة، وإنما جاز التقليد للضرورة والحاجة، لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يحيط علماً بكل المسائل لا سيما العوام، ولأن النص فيه المنسوخ والمخصَّص والمقيَّد ونحو ذلك مما قد يحتاج إلى دراسة ونظر وتأمَّل لا سيَّما في المسائل الخفية الدقيقة.
وأمَّا القسم الثاني وهو تقليد معيَّن أو معيَّنين كالتزام مذهب من المذاهب الأربعة أو مذهب جماعة من العلماء، إما في مسائل بعينها، أو في جميع ما في المذهب أو فتاوى المعيَّنين من الرخص والعزائم في كل مسائل الفقه؛ فهو مذموم، سواءٌ قيل بجواز هذا الالتزام أو قيل بوجوبه.
فكيف للعامي أن يلتزم مذهباً معيناً وهو مقلد؟ فالمذهب فيه الراجح والمرجوح والقديم والجديد وغير ذلك من الإشكالات التي يذكرونها في النصوص، ففي أقوال أئمة وعلماء المذاهب العام والخاص والمطلق والمقيد.
بل النصوص أيسر في الفهم من أقوال البشر من مختصرات ومطولات، وصعوبة فهم المبتديء المختصرات معلومة.
إذا قالوا؛ العامي إنما يلتزم المذهب بتقليد علماء المذهب؟ فيقال: عالم المذهب لا يحل له أن يفتي بغير الحجة والدليل على قولكم، فخرج بهذا العامي عن التزام مذهب معين.
والنصوص منقولة بالسند خلافاً لأقوال العلماء والأئمة، وهي أعلى قدراً إضافة إلى كونها أيسر، فكلام البشر قد يلزم منه باطل لم ينتبه قائله إليه، ولأن العالم قد يقول القول لهوىً خفي عارض.
لم أجد بالبحث مدة من الزمن ضابطاً لم يشكل علي للاستدلال على أركان الصلاة وواجباتها وسننها.
ضابط يسهل فهمه للتفريق بين الثلاث (ما يجب الإتيان به مع سجدتي سهو، وما يجبر بسجدتي سهو، وما لا يلزم من تركه شيء) بغض النظر عن أسمائها المختلفة عند الفقهاء المبني على اختلافهم فيما يترتب على ترك بعضها عمداً.
قال ابن دقيق العيد المالكي الشافعي رحمه الله في حديث المسيء صلاته: (تكرر من الفقهاء الاستدلال على وجوب ما ذكر في الحديث، وعدم وجوب ما لم يذكر فيه) [١]، وأكده الصنعاني رحمه الله [٢].
وهذا الضابط يفرق بين الأركان وغيرها، لأن المالكية والشافعية يسمون أركان الصلاة واجبات أيضاً، والفقهاء متفقون على تسميتها أركاناً وفرائض.
وثمة من قال بأن الضابط هو؛ بأنّ كل ما ورد بصيغة الوجوب ركن إلا إذا دل الدليل على أنه واجب، ويظهر أنّ هذا الضابط لم يطّرد عند القائل به.
مما وجدت من إشكالات؛ أن تكبيرات الانتقال والسمعلة وردت في رواية أبي دواود لحديث المسيء صلاته، ولم أجد من قال بأن السمعلة من الأركان، والقول بأن تكبيرات الانتقال من الأركان هو رواية عن الإمام أحمد.
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أن الزيادة التي في رواية أبي داود مقبولة، ولكني لم أجده يذكر سبب جعل بعض ما فيه أركاناً وبعض ما فيه واجبات.
فقد يكون سبب أن زيادات رواية أبي داود واجبات وليست أركاناً مما تفرد به هذا المبحث، وترتب عليه اتضاح سلامة ضابط الاستدلال الذي ذكره ابن دقيق العيد وأكده الصنعاني رحمهما الله.
والسبب هو أن هذه الزيادات تكرارٌ بمخاطبة الناس بعد أمر المُسيء صلاته لأنها بصيغة الغيبة، ويدل على ذلك أيضاً أن النبي ﷺ كان أحياناً يُكرر بمخاطبة الناس بعد أمر الأفراد.
وزيادات رواية أبي داود هي تكبيرات الانتقال للأركان والسمعلة، وهي واجبات.
وقد يكون ما في هذا المبحث من تفصيل في مسألة بطلان الصلاة بترك واجب عمداً مما قد لا يجده الباحث في غيره.
أقوال وأفعال الصلاة التي لا تنجبر إذا تركت سهواً أو جهلاً إلا بالإتيان بها مع سجدتي سهو تُسمى الأركان والفرائض عند الجميع، وتُسمى الواجبات أيضاً عند المالكية والشافعية، انظر؛ ٦. كيفية أداء الركن المنسي.
ما تنجبر بسجدتي سهو فقط تُسمى الواجبات عند الحنابلة والأحناف، وذلك لأنَّ الحنابلة يرون أن تركها عمداً إثمٌ يُبطل الصلاة كالأركان، والأحناف يرون أن تركها عمداً إثمٌ ولكن لا تبطل الصلاة به، ويُسميها المالكية السنن، ويُسميها الشافعية السنن التي تُجبر بسجدتي السهو.
وأما أقوال وأفعال الصلاة التي يُفضل فعلها ولا تُجبر بشيء إذا تُركت نسياناً أو جهلاً أو عمداً؛ فتُسمى السنن على اصطلاح الأحناف والحنابلة، ويُسميها المالكية الفضائل ويُسميها الشافعية السنن التي لا تُجبر بسجدتي السهو.
وقد اختلف الفقهاء في بعض أركان وواجبات وسنن الصلاة، وغرض هذا المبحث اختيار ضابطها مستخرجاً من الأصول وأقوال الفقهاء المؤتلفة والمختلفة.
الراجح في ضابط الأركان هو أنها التي علمها النبي ﷺ المسيء صلاته مضافاً إليها ما لم يذكره له لمعلوميته وهو التسليم والجلوس له.
وذلك لتواطؤ الفقهاء على اعتبار أن حديث المُسيء صلاته أصل في أركان الصلاة، وقد نص بعض الفقهاء على أن ما لم يذكره النبي ﷺ للمسيء صلاته إنما هو لمعلوميته.
ولأن النبي ﷺ أمر المُسيء صلاته بإعادة الصلاة، فدل على أن الصلاة لا تصح بدون الإتيان بما علمه حينها، وهذا معنى الركن.
وأما الواجبات - على تسمية الحنابلة والأحناف - فالراجح في ضابطها هو كل ما ورد بصيغة تدل على الوجوب كصيغة الأمر ونفي تمام الصلاة بدونه (فتتم به أو ببدله عند نسيانه، والبدل هو سجود السهو)، وما واظب عليه النبي ﷺ.
الدليل على أن الواجبات هي ما ورد بصيغة تدل على الوجوب ما هو مقرر في علم أصول الفقه، وأما ما واظب عليه النبي ﷺ من أفعال الصلاة، فلقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [٣].
أركان الصلاة
أركان الصلاة بناءاً على ضابط أركان الصلاة السابق اثنا عشر ركناً، وتُسمى فرائض أيضاً.
وهي موافقة لمشهور المذهب المالكي غير أن كيفية السجود موافقة لمشهور المذهب الحنبلي.
وفي ذكر الرفع من الركوع والسجود موافقة لفظية لحديث المسيء صلاته لا تؤثر في المعنى، وذلك لأنه لا يمكن الانتقال بدون رفع منهما.
فعدم ذكرهما هنا لا يعد اختلافاً حقيقياً عن مشهور المذهب المالكي، إذ يكفي ذكر أن الترتيب بين الأركان ركن.
وهي التالية؛
١. القيام في الفرض أثناء تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة.
٢. تكبيرة الإحرام.
٣. قراءة الفاتحة في كل ركعة.
٤. الركوع.
٥. الاعتدال قياماً بعد الركوع.
٦. السجدة الأولى على الأعظم السبعة.
٧. الجلوس بين السجدتين.
٨. السجدة الثانية على الأعظم السبعة.
٩. الجلوس للتسليم.
١٠. التسليم.
١١. الطمأنينة في جميع الأركان.
١٢. الترتيب بين الأركان.
٠. والخلاف في النية هل هي شرط أم ركن خلاف لفظي.
واجبات الصلاة
واجبات الصلاة خمسة عشر واجباً، وهي التالية؛
١. قراءة سورة بعد الفاتحة في الجمعة والفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية.
٢. القيام لقراءة سورة بعد الفاتحة في الجمعة والفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية.
٣. الجهر في محل الجهر.
٤. السر في محل السر.
٥. تكبيرات الانتقال.
٦. أن تكون تكبيرات الانتقال والسمعلة أثناء الانتقال.
٧. قول سبحان ربي العظيم وبحمده مرة واحدة في الركوع.
٨. قول سمع الله لمن حمده عند الرفع من الركوع للإمام والمنفرد.
٩. قول ربنا ولك الحمد بعد الرفع من الركوع للإمام والمنفرد وحال الرفع من الركوع للمأموم.
١٠. قول سبحان ربي الأعلى وبحمده مرة واحدة في السجود.
١١. الذكر عند الجلوس بين السجدتين.
١٢. التشهد الأول.
١٣. الجلوس للتشهد الأول.
١٤. التشهد الأخير.
١٥. الجلوس للتشهد الأخير.
ما ورد بصيغة أمر المسيء صلاته هي الأركان كما في رواية الصحيحين، وزيادات أبي داود واجبات لما سيأتي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ (أنّ النبيَّ ﷺ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلّى، ثُمَّ جاءَ، فَسَلَّمَ على النبيِّ ﷺ فَرَدَّ النبيُّ ﷺ عليه السَّلامَ، فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلّى، ثُمَّ جاءَ، فَسَلَّمَ على النبيِّ ﷺ فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلاثًا، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، فَما أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قالَ: إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتّى تَطْمَئِنَّ راكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتّى تَعْتَدِلَ قائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتّى تَطْمَئِنَّ جالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلاتِكَ كُلِّها) [٤].
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه: (أنَّ رجلًا دخلَ المسجدَ... فقالَ النَّبيُّ ﷺ إنَّهُ لا تتِمُّ صلاةٌ لأحَدٍ منَ النّاسِ حتّى يتوضَّأَ فيَضعَ الوضوءَ يعني مواضعَهُ ثمَّ يُكَبِّرُ ويحمَدُ اللَّهَ جلَّ وعزَّ ويُثني علَيهِ ويَقرأُ بما تيسَّرَ منَ القرآنِ ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَركعُ حتّى تطمَئنَّ مَفاصلُهُ ثمَّ يقولُ سمِعَ اللَّهُ لمن حمدَهُ حتّى يَستويَ قائمًا ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَسجُدُ حتّى تَطمِئنَّ مَفاصِلُهُ ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ويرفعُ رأسَهُ حتّى يَستويَ قاعدًا ثمَّ يقولُ اللَّهُ أَكْبرُ ثمَّ يَسجدُ حتّى تَطمئنَّ مفاصلُهُ ثمَّ يرفعُ رأسَهُ فيُكَبِّرُ فإذا فعلَ ذلِكَ فقد تمَّت صلاتُهُ) [٥].
زيادات رواية أبي داود هي تكبيرات الانتقال للأركان والسمعلة، وهي واجبات لأن هذه الرواية تكرارٌ بمخاطبة الناس بعد أمر المُسيء صلاته لأنها بصيغة الغيبة لا الأمر، ويؤكده أنّ النبي ﷺ كان أحياناً يُكرر بمخاطبة الناس بعد أمر الأفراد.
ومما ورد في التكرار حديث بريرة؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءَتْنِي بَرِيرَةُ فقالَتْ: كاتَبْتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ في كُلِّ عامٍ، أُوقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، فقالَتْ: إنْ أحَبُّوا أنْ أعُدَّها لهمْ ويَكونَ ولاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها، فقالَتْ لهمْ: فأبَوْا عليها، فَجاءَتْ مِن عِندِهِمْ ورَسولُ اللَّهِ ﷺ جالِسٌ، فقالَتْ: إنِّي قدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عليهم، فأبَوْا إلّا أنْ يَكونَ الوَلاءُ لهمْ، فَسَمِعَ النبيُّ ﷺ، فأخْبَرَتْ عائِشَةُ النبيَّ ﷺ، فقالَ: خُذِيها واشْتَرِطِي لهمُ الوَلاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عائِشَةُ ثُمَّ قامَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ في النّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنى عليه، ثُمَّ قالَ: ما بالُ رِجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ ما كانَ مِن شَرْطٍ ليسَ في كِتابِ اللَّهِ، فَهو باطِلٌ وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ قَضاءُ اللَّهِ أحَقُّ وشَرْطُ اللَّهِ أوْثَقُ، وإنَّما الوَلاءُ لِمَن أعْتَقَ) [٦].
كل أركان الصلاة وردت في أمر المسيء صلاته عدا؛ التسليم والجلوس له، فقوله (ثم) بعد كل ركن يدل على الترتيب بينها، فلا يصح قول الإمام النووي رحمه الله بأن الترتيب لم يُذكر فيه، وكذا لا يصح القول بأن القيام لم يذكر فيه، فقد ورد ذكره بقوله: (إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ).
وأما الفاتحة فقد وردت الإشارة إليها في أمر المُسيء صلاته بقوله: (ما تيسر معك من القرآن) وتتعين الفاتحة لمن يحفظها للحديث المتفق عليه؛ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، أخرجه البخاري (٧٥٦) ومسلم (٣٩٤).
وأما التسليم فلم يذكره النبي ﷺ للمسيء صلاته لمعلوميته، وقد دل حديث (تحليلها التسليم) على أنه ركن ونقل الإجماع على ذلك.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (مِفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ وتحريمُها التَّكبيرُ وتحليلُها التَّسليمُ) [٧].
وأما الجلوس للتسليم فيلزم أنه ركن من أن التسليم ركن، لأن موضع التسليم هو الجلوس الأخير.
وقد ضبط الدردير الأركان عند المالكية بقوله: (الصلاة مركبة من أقوال وأفعال فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة تكبيرة الإحرام والفاتحة والسلام وجميع أفعالها فرائض إلا ثلاثة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام والجلوس للتشهد والتيامن بالسلام) [٨].
والدليل على أنّ السجود على الأعضاء السبعة ركن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ على سَبْعَةِ أعْظُمٍ الجَبْهَةِ، وأَشارَ بيَدِهِ على أنْفِهِ، والْيَدَيْنِ، والرِّجْلَيْنِ، وأَطْرافِ القَدَمَيْنِ، ولا نَكْفِتَ الثِّيابَ، ولا الشَّعْرَ) [٩].
وذلك لأن الحديث بيانٌ لكيفية أداء السجود وهو ركن، وقد قال النبي ﷺ: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) [١٠].
وأما وجوب التشهد فلأثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ (كُنّا لا ندري ما نقولُ قبل أن يُفرضَ عليْنا التشهدُ) قال ابن حجر: "إسناده صحيح" وصححه الألباني [١١].
يدل على أنّ الفرض هنا بمعنى الوجوب عموم كلمة التشهد وشمولها للأول، والنبي ﷺ لم يأت بالتشهد الأول لما نسيه واكتفى بسجدتين للسهو بعد السلام.
ويدل عليه أيضاً أنَ قبل التسليم جلوس والصلاة لا سكوت فيها، لحديث؛ (إنَّما هي التَّسْبيحُ والتَّكْبيرُ والتَّحْميدُ وقِراءةُ القُرآنِ) [١٢].
ويدل على وجوب السمعلة والحمدلة مواظبة النبي ﷺ عليهما كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه التالي.
وفيه أن محل السمعلة وتكبيرات الانتقال هو الانتقال، ولأن تكبيرات الانتقال واجبة، فمحلها كذلك واجب، ومما يدل على أن محل السمعلة وتكبيرات الانتقال هو الانتقال أنها وردت بصيغة المضارع الذي من معانيه الدلالة على الحال.
وهذا المعنى أصرح في السمعلة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري تصريح بموضع الحمدلة بعدها بقوله؛ (وهو قائم)، ففيه؛ (ثم يقول "سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم "ربنا لك الحمد").
ويدل عليه أيضاً أن الصلاة لا سكوت فيها، لحديث؛ (إنَّما هي التَّسْبيحُ والتَّكْبيرُ والتَّحْميدُ وقِراءةُ القُرآنِ) [١٢].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يقولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يقولُ وهو قائِمٌ: رَبَّنا لكَ الحَمْدُ قالَ عبدُ اللهِ بنُ صالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: ولَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذلكَ في الصَّلاةِ كُلِّها حتّى يَقْضِيَها، ويُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ) [١٣].
الدليل على وجوب قراءة سورة بعد الفاتحة في الجمعة والفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية مواظبة النبي ﷺ عليها، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: (مِفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ، وتحريمُها التَّكبيرُ، وتحليلُها التَّسليمُ، ولا صلاةَ لمن لَم يَقرأ بالحمدُ وسورةٍ، في فريضةٍ أو غيرِها) [١٤].
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه هذا دليل على أن تعمد ترك الواجب يُبطل الصلاة، وسجدتي السهو لا تجبران العمد.
والحديث مُقدم على فهم الصحابي الذي استدل به بعض العلماء على أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الفجر والأوليين من الرباعية والثلاثية ليست واجبة.
الدليل على أن التسبيح واجب في الركوع والسجود الأمر به في كتاب الله مع وضوح أن أولى موضع لوجوبه هو الصلاة المفروضة، لأنها واجبة، هذا مع كون أن الأصل في الصلاة عدم السكوت في كل موضع فيها.
قال الله تعالى ذكره: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤]، وقال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١].
والدليل على أن الإسرار والجهر في محلهما واجب مواظبة النبي ﷺ على ذلك.
ويدل على مواظبة النبي ﷺ على الإسرار والجهر في محلهما إيجاب الإمام مالك رحمه الله سجود السهو فيهما مع كونه يعمل بإجماع أهل المدينة مع قول أبي هريرة رضي الله عنه: (في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله ﷺ أسمعناكم، وما أخفا عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، إن زدت فهو خير) [١٥].
قال الإمام مالك رحمه الله: (ومن أسرّ فيما يجهر فيه ناسياً سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد السلام، إلا أن يكون جهراً خفيفاً مثل إعلانه بالآية ونحوها فلا شيء عليه) [١٦].
وسبق في وجوب قراءة سورة بعد الفاتحة أنّ ما ورد مرفوعاً مقدم على فهم الصحابي، ومذهب الإمام مالك فيها أنه يسجد لها قبل السلام عند السهو [١٧].
والدليل على وجوب الذكر في الجلوس بين السجدتين مواظبة النبي ﷺ عليه، إذ يبعد أن يجلس دون ذكر وقد قال عن الصلاة: (إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)، وقد ورد عن حذيفة وابن عباس رضي الله عنهما أن كلاً منهما شهد النبي ﷺ يصلي صلاة الليل وأنه كان يذكر الله في جلوسه بين السجدتين.
والأرجح في ترك الواجب عمداً أنه يبطل الصلاة لحديث أبي سعيد رضي الله عنه السابق؛ (ولا صلاةَ لمن لَم يَقرأ بالحمدُ وسورةٍ، في فريضةٍ أو غيرِها) [١٤].
ولرواية أبي داوود لحديث المسيء صلاته، وذلك لقوله؛ (لا تتم صلاةٌ لأحدٍ).
ولأن النصوص تدل على أن سجدتي السهو لا تجبران ترك الواجب عمداً، فإن تركه عمداً يدخل في قول النبي ﷺ: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) [١٠].
فهذه النصوص تدل على أن ترك واجب في الصلاة عمداً يبطلها.
والنهي عن جزء فعلاً كان أو صفة جزء يقتضي بطلان الكل إذا أخل بشرط أو ركن أو ورد نص في إبطاله الكل [١٨].
سواءٌ كان النهي عن فعل أو ترك، والنهي عن الترك أمر بالفعل وهو الواجب.
ومما يدل على أن بطلان الكل بنهي عن جزء فعلاً كان أو صفة بحسب الجزء؛ الإجماع على أن الحج لا يبطل بغير الجماع من محظورات الإحرام.
وقد قال الله تعالى: ﴿فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾.
قال ابن المنذر رحمه الله في محظورات الإحرام: (وأجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء من ذلك في حال الإحرام إلا الجماع) [١٩].
الركن لا يسقط عمداً ولا سهواً، وتبطل الصلاة إذا تركه الإنسان عمداً.
وأما إذا تركه سهواً، فلا تصح صلاته إلا بالإتيان به ثم يسجد سجدتين للسهو.
ولذا ولأن الترتيب بين الأركان ركن؛ فلا تنعقد الصلاة بدون تكبيرة الإحرام، وقد يلزم إعادة ركعة كاملة أو أركان أقل.
فلأن الترتيب بين الأركان من الأركان المجمع عليها، فإن كل ما وقع بعد نسيان الركن قبل الوصول إلى محله من الركعة التي تليها يعد لغواً.
فكيفية الإتيان بالركن المنسي تتوقف على الوصول إلى محل الركن المنسي في الركعة التي تليها.
فإن ذكر الناسي الركن المنسي بعد وصوله إلى محله من الركعة التالية، قامت الركعة التالية مقام التي قبلها، ويحل الركن التالي محل المنسي، وعليه الإتيان بركعة واحدة مع سجدتي السهو.
وأما إذا ذكر الركن المنسي قبل أن يصل إلى محله من الركعة التي تلي تلك الركعة، فإنه يعود للإتيان به ثم يُعيد كل ما أتى به من أركان بعده لوقوعها في غير محلها.
ولهذا السبب أيضاً يختلف الحُكم إذا ذكر الركن بعد الفراغ من الصلاة بفاصل قصير بينما لو كان المنسي من الركعة الأخيرة وبينما لو كان من قبلها من الركعات.
فإذا كان الركن المنسي من ركعة غير الأخيرة فعليه أن يأتي بركعة واحدة ثم يسجد سجدتي السهو، وإن كان الركن المنسي من الركعة الأخيرة فعليه أن يأتي به وما بعده فقط ثم يسجد سجدتي السهو بعد السلام.
فإن لم يذكر الركن المنسي إلا بعد الفراغ من الصلاة مع طول الفصل بطلت الصلاة وعليه إعادتها، ويُرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة.
ويأخذ الشك في الركن حُكم نسيانه.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: (والقول الثاني: أنه لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة، وإنما يأتي بما تَرَكَ وبما بعده، لأن ما قبل المتروك وَقَعَ في محلِّه صحيحاً، فلا يُلزم الإِنسان مرَّة أخرى، أما ما بعد المتروك، فإنما قلنا بوجوب الإِتيان به من أجل الترتيب، وعلى هذا ففي المثال الذي ذكرنا نقول لهذا الرَّجُل: ارجعْ واجلسْ بين السجدتين، واسجدْ السَّجدة الثانية، ثم اقرأ التشهُّدَ، ثم سَلِّمْ، ثم اسجدْ للسَّهو وسلِّمْ، وهذا القول هو الصَّحيح. ووجه صِحَّته؛ أنَّ ما قبل المتروك وقع مُجزأً في محلِّه فلا وَجْهَ لبطلانه، وأما ما بعد المتروك فإنما قلنا بوجوب إعادته مِن أجل مراعاة الترتيب) [٢٠].
والراجح في سجدتي السهو الوجوب سواء كانتا قبل السلام أو بعده، وذلك لأنهما بدل عن واجب.
والاختلاف في وجوبهما مبني على الاختلاف في حكم ما هما بدلاً عنه هل في تركه عمداً إثم أم لا، والراجح أنه واجب يأثم تاركه عمداً وتبطل صلاته.
هذا، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
االجمعة ٢٠ محرم ١٤٤١هـ، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩م
لوند، السويد
االجمعة ٢٠ محرم ١٤٤١هـ، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩م
[١] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (ج١/ص٢٥٧) - ابن دقيق العيد (ت ٧٠٢).
[٢] سبل السلام شرح بلوغ المرام - ت حلاق (ج٢/ص١٦٤) - الصنعاني (ت ١١٨٢).
[٣] أخرجه البخاري (٦٠٠٨)، ومسلم (٦٧٤).
[٤] أخرجه البخاري (٧٩٣)، ومسلم (٣٩٧).
[٥] صححه الألباني رحمه الله في؛ صحيح أبي داود (٨٥٧).
[٦] صحيح البخاري (٢٧٢٩).
[٧] صححه الألباني في؛ صحيح ابن ماجه (٢٢٥)، وأخرجه الترمذي (٢٣٨) وغيره.
[٨] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج١/ص٢٣١)، دار الفكر.
[٩] صحيح مسلم (٤٩٠).
[١٠] أخرجه البخاري (٢٦٩٧) بنحوه، ومسلم (١٧١٨) واللفظ له.
[١١] قال ابن حجر: "إسناده صحيح" في؛ فتح الباري (ج٢/ص ٣٦٤)، وصححه الألباني في؛ إرواء الغليل (٣١٩).
[١٢] أخرجه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠)، والنسائي (١٢١٨) مطولاً، وأحمد (٢٣٧٦٨) واللفظ له.
[١٣] صحيح البخاري (٧٨٩).
[١٤] أخرجه الترمذي (٢٣٨) واللفظ له، وابن ماجه (٢٧٦) مختصراً، وصححه الألباني في؛ صحيح الترمذي (٢٣٨).
[١٥] أخرجه البخاري (٧٧٢)، ومسلم (٣٩٦).
[١٦] التهذيب في اختصار المدونة (ج١/ص٣٠٤) - أبو سعيد ابن البراذعي (ت ٣٧٢).
[١٧] التهذيب في اختصار المدونة (ج١/ص٢٣٦) - أبو سعيد ابن البراذعي (ت ٣٧٢).
[١٨] بطلان المنهي عنه لخصوصه.
[١٩] الإشراف على مذاهب العلماء (ج٣/ص٢٠٠) - ابن المنذر (ت ٣١٩).
[٢٠] الشرح الممتع على زاد المستقنع (ج٣/ص٣٧٤) - ابن عثيمين (ت ١٤٢١).
[٢] سبل السلام شرح بلوغ المرام - ت حلاق (ج٢/ص١٦٤) - الصنعاني (ت ١١٨٢).
[٣] أخرجه البخاري (٦٠٠٨)، ومسلم (٦٧٤).
[٤] أخرجه البخاري (٧٩٣)، ومسلم (٣٩٧).
[٥] صححه الألباني رحمه الله في؛ صحيح أبي داود (٨٥٧).
[٦] صحيح البخاري (٢٧٢٩).
[٧] صححه الألباني في؛ صحيح ابن ماجه (٢٢٥)، وأخرجه الترمذي (٢٣٨) وغيره.
[٨] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج١/ص٢٣١)، دار الفكر.
[٩] صحيح مسلم (٤٩٠).
[١٠] أخرجه البخاري (٢٦٩٧) بنحوه، ومسلم (١٧١٨) واللفظ له.
[١١] قال ابن حجر: "إسناده صحيح" في؛ فتح الباري (ج٢/ص ٣٦٤)، وصححه الألباني في؛ إرواء الغليل (٣١٩).
[١٢] أخرجه مسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠)، والنسائي (١٢١٨) مطولاً، وأحمد (٢٣٧٦٨) واللفظ له.
[١٣] صحيح البخاري (٧٨٩).
[١٤] أخرجه الترمذي (٢٣٨) واللفظ له، وابن ماجه (٢٧٦) مختصراً، وصححه الألباني في؛ صحيح الترمذي (٢٣٨).
[١٥] أخرجه البخاري (٧٧٢)، ومسلم (٣٩٦).
[١٦] التهذيب في اختصار المدونة (ج١/ص٣٠٤) - أبو سعيد ابن البراذعي (ت ٣٧٢).
[١٧] التهذيب في اختصار المدونة (ج١/ص٢٣٦) - أبو سعيد ابن البراذعي (ت ٣٧٢).
[١٨] بطلان المنهي عنه لخصوصه.
[١٩] الإشراف على مذاهب العلماء (ج٣/ص٢٠٠) - ابن المنذر (ت ٣١٩).
[٢٠] الشرح الممتع على زاد المستقنع (ج٣/ص٣٧٤) - ابن عثيمين (ت ١٤٢١).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق