تحديد القرون المُفضلة

رجوع إلى قسم قواعد وأصول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين.
بتحديد القرون المفضلة يفرق بين السلف والخلف، وقد اختلف العلماء في تحديدها، ولا يمكن تحديدها بأفضل من دلالة السنة وألفاظ الأحاديث بطرقها المختلفة.
ففي السنة ما يدل على أن القرن مائة سنة، وفي السنة ما يدل على أن القرون المفضلة ثلاثة قرون، وفي إحدى الطرق شك من الصحابي راوي الحديث هل هي ثلاثة قرون أم أربعة، وفي السنة ما يدل على فضل الطبقات الثلاث الأولى، وفي طريق صحيح ما يدل على فضل الطبقات الأربع الأولى؛ وهي؛ طبقة الصحابة رضي الله عنهم ثم طبقة التابعين ثم طبقة تابعي التابعين ثم طبقة أتباع تابعي التابعين.
جمعاً بين النصوص، واستنباطاً من ألفاظها، وبتفسير بعض ما في الطرق من شك، وعملاً بما في بعض الطرق من معنىً زائد يعد حجة لمن حفظ على من لم يحفظ؛ يظهر لي أن القرون المفضلة ثلاثة قرون، كل قرن مائة سنة، وأن هذه القرون الثلاثة فيها الطبقات الأربع الأولى، فقد يرجع شك عمران بن حصين رضي الله عنهما إلى أنه سمع مرة الطبقات الأربع ومرة القرون الثلاثة.
فيبدو من ألفاظ الحديث أن عدَّ القرن الأول يبدأ بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفيل حوالي عام 53 قبل الهجرة، وينتهي بعد مائة سنة، وذلك حوالي عام 47هـ، وأن الثاني ينتهي حوالي عام 147هـ، وينتهي الثالث حوالي عام 247هـ.
استنباطاً من لفظ؛ (قرني) في الحديث، فلعل نسبة النبي صلى الله عليه وسلم القرن الأول إلى نفسه وليس إلى بعثته ولا هجرته فيه دلالة على أن عدَّ القرن الأول يبدأ بميلاده، لأن قرن الرجل يُعرف بأقرانه في العمر، ولعلَّ قوله: (يلونهم) هو باعتبار من يلونهم من الأقران في العُمُر.
ومع أن عدَّ زمان القرن الأول يبدأ بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن خير الناس في ذلك القرن هم الصحابة رضي الله عنهم بالإجماع، فتبدأ خيرية الطبقة الأولى بعد البعثة في قرن النبي صلى الله عليه وسلم، يدل على ذلك رواية البخاري؛ (خير أمتي قرني).
ويبدو لي من استخراج على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى سيرد ذكره في الأخير إن شاء الله تعالى؛ أن القرن الأول هو قرن جماهير الصحابة رضي الله عنهم وخيارهم، وأن القرن الثاني هو قرن بعض الصحابة رضي الله عنهم وجماهير التابعين وتابعي التابعين، وأن القرن الثالث هو قرن كثير من تابعي التابعين وجمهور أتباع تابعي التابعين.
عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يَعِيشُ هذا الغُلامُ قَرْنًا)، قال: (فَعاشَ مِائةَ سَنَةٍ)، الألباني، السلسلة الصحيحة ٢٦٦٠، إسناده صحيح رجاله رجال التهذيب.
ورد ذكر القرون المفضلة بأنها ثلاثة جزماً في حديث متفق عليه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
وورد الشك في عدد القرون المُفضلة هل هي ثلاثة قرون أم أربعة قرون في حديث متفق عليه، فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً)، ولعل الشك يرجع إلى ما سبق ذكره.
وقد ورد ذكر فضل الثلاث طبقات الأولى في حديث متفق عليه، وورد ذكر فضل الطبقات الأربع الأولى في إحدى الروايات لمسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به)، رواه مسلم في صحيحه.
وقرن الصحابة رضي الله عنهم يعرف بجماهيرهم وليس بوفاة آخرهم، لا سيما خيارهم من السابقين الأولين ومن أسلم قبل الفتح ومن شهد بدراً، وقيل في السابقين الأولين أنهم من أسلم قبل إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما.
وعام 47هـ مقارب لنهاية الخلافة الراشدة، فقد قتل علي رضي الله عنه في رمضان عام 40 هـ، وبحساب مائة سنة منذ الميلاد ينتهي القرن الأول عام 47هـ، ويرى ابن تيمية رحمه الله تعالى أن القرن الأول ينتهي بانتهاء الخلافة الراشدة.
وقد توفي إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عام 241هـ، وهو من طبقة أتباع تابعي التابعين، وباعتبار القرن مائة سنة كما ورد في السنة، فإن نهاية القرون المُفضلة تكون حوالي عام 247هـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة حتى أنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية) [1].
والله تعالى أعلم، والحمد لله ربِّ العالمين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء 19 رجب 1440هـ، 26 مارس 2019م.

المصادر

[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج10/ص357)، مجمع الملك فهد، 1416هـ/1995م.
pdf
رجوع إلى قسم قواعد وأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق