تحديد القرون المُفضلة

استنباطاً من ألفاظ النصوص وجمعاً بينها وبناءً على أقوال العلماء فيها ينتهي عهد السلف بحوالي سنة ٢٤٧ هجرية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين.
بتحديد القرون المفضلة يفرق بين السلف والخلف.
وقد اختلف العلماء في تحديدها، وهذا المبحث جمع بين الأقوال.
ولا يمكن تحديدها بأفضل من دلالة السنة وألفاظها بطرقها المختلفة، وفي هذا المبحث جمع بين النصوص واستنباط من ألفاظها.
فبناءً على ذلك وبتفسير ما في طريقٍ للحديث من شكٍ، وعملاً بما في بعض الطرق من معنىً زائد يعد حجّة لمن حفظ على من لم يحفظ؛ خلصت إلى أنّ القرون المفضّلة ثلاثة قرون، وأنّ القرن مئة سنةٍ مع طرح ما قبل البعثة منها، وأنّ في هذه القرون الثلاثة الأجيال المتعاصرة الأربعة الأولى.
فقد يرجع شك عمران بن حصين رضي الله عنهما إلى أنه سمع مرة الأجيال المتعاصرة الأربعة ومرة القرون الثلاثة.
يبدأ القرن الأوّل بالبعثة، ولكنّ عدّه يبدأ بميلاد النبيّ ﷺ سنة ٥٣ قبل الهجرة، ولأنّ القرن مئة عام، فإنّ القرن الأوّل ينتهي سنة ٤٧هـ، وينتهي القرن الثاني سنة ١٤٧هـ، وينتهي القرن الثالث سنة ٢٤٧هـ.
وفي هذه الخلاصة اتفاق مع القول بأن مقدار القرن ثمانين سنة، وذلك لأن مجموع الثلاثة يكون بذلك ٢٤٠ سنة.
وفيها مع ذلك عمل بما دلت عليه السنة من أن مقدار زمن القرن مئة سنة.
فعن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أنّ النبي ﷺ قال له: (يَعِيشُ هذا الغُلامُ قَرْنًا)، قال: (فَعاشَ مِائةَ سَنَةٍ)، الألباني، السلسلة الصحيحة ٢٦٦٠، إسناده صحيح رجاله رجال التهذيب.
ومع أن عدَّ زمان القرن الأول يبدأ بميلاد النبي ﷺ إلا أن خير الناس في ذلك القرن هم الصحابة رضي الله عنهم بالإجماع، فتبدأ خيرية العصر الأول بعد البعثة في قرن النبي ﷺ، يدل على ذلك رواية البخاري؛ (خير أمتي قرني).
استنباطاً من لفظ (قرني)؛ فإنّ نسبة النبيّ ﷺ القرن الأوّل إلى نفسه وليس إلى بعثته ولا هجرته فيه دلالة على أنّ عدّه يبدأ بميلاده، لأنّ قرن الرجل يُعرف بأقرانه في العمر.
وقوله: (يلونهم) هو باعتبار من يلونهم من الأقران في العُمُر.
وبالاستخراج على كلام ابن تيمية رحمه الله الذي في الأخير؛ فإن القرن الأول هو قرن جمهور الصحابة رضي الله عنهم وخيارهم، والقرن الثاني هو قرن بعض الصحابة وجمهور التابعين وتابعي التابعين، والقرن الثالث هو قرن بعض التابعين وجمهور تابعي التابعين وكثير من أتباع تابعي التابعين.
فقد يرجع شك عمران بن حصين رضي الله عنهما إلى أنه سمع مرة الأجيال المتعاصرة الأربعة ومرة القرون الثلاثة.
وقد ورد شك عمران في عدد القرون المُفضلة هل هي ثلاثة قرون أم أربعة قرون في حديث متفق عليه، فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً).
وقد ورد ذكر فضل الثلاثة أجيال المتعاصرة الأولى في حديث متفق عليه.
وورد ذكر فضل الأجيال المتعاصرة الأربعة الأولى في إحدى الروايات لمسلم.
ففيه أنّ رسول الله ﷺ قال: (يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي ﷺ؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي ﷺ؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي ﷺ؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي ﷺ؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به)، رواه مسلم في صحيحه.
وقرن الصحابة رضي الله عنهم يعرف بجماهيرهم وليس بوفاة آخرهم، لا سيما خيارهم من السابقين الأولين ومن أسلم قبل الفتح ومن شهد بدراً، وقيل في السابقين الأولين أنهم من أسلم قبل إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما.
وعام ٤٧هـ مقارب لنهاية الخلافة الراشدة، فقد قتل علي رضي الله عنه في رمضان عام ٤٠هـ، وبحساب مائة سنة منذ الميلاد ينتهي القرن الأول عام ٤٧هـ، ويرى ابن تيمية رحمه الله تعالى أن القرن الأول ينتهي بانتهاء الخلافة الراشدة.
وقد توفي إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عام ٢٤١هـ، وهو من عصر أتباع تابعي التابعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة حتى أنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية) [١].
ورد ذكر القرون المفضلة بأنها ثلاثة جزماً في حديث متفق عليه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي  ﷺ قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).
ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
والله تعالى أعلم، والحمد لله ربِّ العالمين.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الثلاثاء ١٩ رجب ١٤٤٠هـ، ٢٦ مارس ٢٠١٩م.

المصادر

[١] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج١٠/ص٣٥٧)، مجمع الملك فهد، ١٤١٦هـ/١٩٩٥م.
pdf
رجوع إلى قسم قواعد وأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق