أثر غربة السنة ونشأة الحركة

أثر زمن نشأة السعودية الثالثة وأنصار السنة في مصر والسودان، وأثر بلد وزمن نشأة حركة الإخوان المسلمين، وزلات خدام السنة زمن غربتها.

المحتويات

١. لمحة تاريخية
٢. أثر علماء مصر في السودان والسعودية
٣. الحركيون واختلاف الأمصار
٤. زلات خدام السنة وقت غربتها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

لمحة تاريخية

وحد الملك عبدالعزيز رحمه الله المناطق التي سيطر عليها عام ١٩٣٢م، وكان قد استولى على الرياض عام ١٩٠٢م، ثم استولى على الحجاز عام ١٩٢٦م.
أسس الشيخ محمد ثناء الله الأمرِتْسَري رحمه الله جمعيّة أهل الحديث في شبه القارة الهنديّة في عام ١٩٠٦م (١٣٢٤هـ).
أسس الفقي رحمه الله جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة ١٩٢٦م.
أسس حسن البنا رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين سنة ١٩٢٨م.
ولذا يخطيء من يظن أن أول من أنشأ تنظيماً دعوياً في العصر الحديث هم الإخوان المسلمون [١].
ولد الشيخ الفقي رحمه الله تعالى عام ١٨٩٢م.
ولد حسن البنا رحمه الله تعالى عام ١٩٠٦م.
فكان عمر الفقي ٣٤ سنة عندما أسس أنصار السنة، وكان عمر حسن البنا ٢٢ سنة عندما أسس الإخوان المسلمين.
وقيل في ميلاد شيخنا الهدية رحمه الله أنه كان عام ١٩١٢م، وأرجح أنه كان عام ١٩٠٩م، بفارق ثلاث سنوات من ميلاد حسن البنا، وقيل أنه كان قبل كل ما يظن الناس.
دخلت الدعوة السلفية السودان عن طريق الشيخ عبدالرحمن بوحجر الجزائري عام ١٩١٧م في مدينة النهود ثم انتقل إلى مصر بعد أن طرده الإنجليز من السودان بسبب فتواه بحرمة القتال في صفوف الجيش الإنجليزي ضد سلطنة دارفور المسلمة، ثم انتقل من مصر إلى السعودية.
اختارت جماعة أنصار السنة بالسودان اسمها سنة ١٩٣٩م تأسياً بجماعة مصر، وبعد تأسيسها ووضع نظام أساسي لها؛ وضعت على دار أمينها العام عمر يوسف أغا لوحة مكتوب عليها المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية.
وقد ضمت الجماعة السلفية في السودان حينها عدداً قليلاً كانوا يعرفون بأسماء مختلفة؛ كجماعة حسون في العاصمة والوسط، وجماعة التوحيد في بورتسودان.
وفي سنة ١٩٤٧م استأجرت الجماعة داراً بحي أبو روف قريباً من نهر النيل.

أثر علماء مصر في السودان والسعودية 

كان من كبار علماء أنصار السنة في مصر؛ الشيخ المحقق الفقي، والشيخ المحدث أحمد شاكر، والشيخ الفقيه عبدالرزاق عفيفي الذي تولى عضوية لجنة الإفتاء في السعودية فيما بعد، وكانوا أعضاء في هيئة كبار علماء أنصار السنة.
وفضل دعوة التوحيد والسنة - والفضل لله وحده - يعود في العصر الحديث لإمام الدعوة ومجدد الدين محمد بن عبدالوهاب وإمام نجد والحجاز محمد بن سعود، رحمهما الله.
غير أن دعوة التوحيد والسنة وصلت السودان عن طريق عالم جزائري أولاً، ثم استفادوا من علماء مصر ثانياً ثم استفادوا بعد ذلك من علماء السعودية والشام (الألباني) وعلماء الهند (صديق حسن خان) واليمن (الشوكاني والصنعاني).
قال الشيخ الهدية رحمه الله: (علاقتنا بعلماء السعودية قديمة، ولم نعرف أو نسمع بالشيخ محمد بن إبراهم آل الشيخ رحمه الله إلى أن دعاني الشيخ عبدالله الملحوق وعرض علي خطاباً كتبه سوداني لمفتي عام السعودية قال فيه: (الهدية والشيخ ناجي هم حراس الدعوة السلفية في السودان)).
وقد كان عامة السلفيين في السودان فضلاً عن خاصتهم يقرؤون مقالات وكتب علماء مصر؛ مجلة التوحيد لأنصار السنة، مجلة المنار لرشيد رضا، وكتب درويش والوكيل وشاكر والفقي، وكتب علماء اليمن، وكتب علماء الهند، وكتب محمد بن عبدالوهاب وجميل زينو والألباني، ثم من بعدهم.
وقد استفادت السعودية الثالثة من علم وخبرة علماء أنصار السنة بمصر الإدارية في المجالات الشرعية كالجامعات الإسلامية ونحوها من المؤسسات الحديثة، وأذكر منهم؛
١. الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام سابق للحرم المكي، ومؤسس دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
٢. الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية سابقاً.
٣. الشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقاً.
٤. الشيخ عبدالرحمن بوحجر الجزائري مدرس سابق بالمسجد الحرام، وهو من أدخل السلفية في السودان.
وربما يكون اسم هيئة كبار العلماء بالسعودية مستنسخ من اسم هيئة كبار العلماء في جمعية أنصار السنة في مصر.
وذلك لقلة العلماء والخبرة الإدارية في بدايات التأسيس الثالث، والفقر من أسباب قلة العلم والعلماء، وقد سمعت الشيخ الهدية رحمه الله يحكي ما شاهده من فقر في الحجاز، وربما كان ذلك في عشرينيات القرن الماضي.
ثم استفادت الأجيال التي تلت الرعيل الأول بكثير في السودان من تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، وذلك لفارق العمر وخلافة العلم.
وممن استفاد من علماء مصر الشيخ عبدالحميد بن باديس رحمه الله، وله فضل - والفضل لله وحده - في الدعوة السلفية في الجزائر، ويعده الجزائريون من رموزهم الوطنية، ومن شيوخه الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله.

الحركيون واختلاف الأمصار 

كان أدرى الناس بحركة الإخوان المسلمين في بداياتها أهل بلد نشأتها.
وهذا أمر طبيعي، وقد ذكر الشيخ التويجري رحمه الله في كتابه في جماعة التبليغ ما يفهم منه أنه استفاد معرفة حالهم من أهل الحديث في الهند.
ولاستفادة مشايخ جماعة أنصار السنة في السودان من علماء مصر أولاً، فقد كانت معرفتهم بالحركيين قديمة.
وقد دخلت جماعة الإخوان المسلمين السودان منذ بدايات نشأتها، وكان عملها معلناً لأن السودان يسمح فيه بالنشاط الحزبي.
وأذكر أنني كنت أسمع في بداية الثمانينات الشيخ الهدية رحمه الله يقول عن خلاف أنصار السنة مع الإخوان: "لسنا شيئاً واحداً، خلافنا معهم أصولي"، وكنت أسمع وقتها الشيخ أبوزيد رحمه الله يقول عن الإخوان المسلمين: "الفرق بيننا وبينهم فرق الليل والنهار، والبعد بيننا وبينهم بعد المشرقين".
ولم يكن الشيخ أبوزيد غالياً في الحكم على الحركيين، فكلامه هذا وأمثاله مجرد حدة في العبارة.
ولعله أخذ حدة التعبير عن شيخه الفقي رحمهما الله، فيُقال أن الفقي كان يقول للإخوان؛ لكم دينكم ولي دين، ومؤكد أنه لم يكن يقصد دين الإسلام، وإنما يقصد النهج.
وقد تتلمذ الشيخ أبوزيد على الفقي رحمهما الله تعالى لمدة ١٧ سنة (من ١٩٤٢م إلى ١٩٥٩م).
وسمعت الشيخ الألباني رحمه الله في إحدى أشرطة الهدى والنور يقول ما معناه: (زرت مصر فقابلت الفقي، فسألته عن الإخوان، فقال لي: الخوان؟ فاستعظمتها، وقلت له إن كنت تقصد إخوان مصر فأنت أدرى بهم، وأما إخوان سوريا فهم أهل سنة).
وقد أدرك الشيخ الألباني ما حدث من تغير في إخوان سوريا فيما بعد.
ولسرية جماعة الإخوان وعدم السماح بالنشاط الحزبي في السعودية؛ كانت معرفة أهلها بالحركيين محدودة.
وكان الشيخ ربيع من أوائل من تحدث من أهل السعودية في نهج حركة الإخوان وتنظيمها السري وطرقها الخفية، لأنه كان في تنظيمهم لإحدى عشرة سنة.
في الطبعة الأولى التي كانت بتقريظ الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف من كتاب "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل"؛ قال الشيخ ربيع عن سيد قطب: (رجع إلى عين منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله).
وقد حُذفت هذه العبارة وحُذف تقريظ اليوسف في طبعات لاحقة.
تعجبتُ وقتها في مدح سلفي سيد قطب بهذه الطريقة، وكنت قد قرأت الكتاب فيما أظن عام ١٤٠٨هــ الموافق ١٩٨٨م، ولم أسمع قبل ذلك بالشيخ ربيع.
ويدل ما سبق على تأخر إدراك الشيخ ربيع بعض أمر الحركيين، وكان في تنظيمهم في وقت كانت دعوة مشايخنا في السودان متمايزة عنهم مدركة حالهم [٢].

زلات خدام السنة وقت غربتها 

العلماء يعذرون أهل الفضل من خدام السنة وقت غربتها أكثر من غيرهم إضافة لاعتبار عصرهم ومصرهم ومن تتلمذوا عليهم [٣].
بسبب تتلمذ الشيخ الفقي على الشيخ رشيد رضا رحمهما الله، فقد تأثر به في إنكار السحر والعين وتلبس الجني بالإنسي.
ولم يبدع العلماء الفقي رغم أن بعضهم كرروا نصحه، حتى وصفه أحمد شاكر بالمتعالم في رد عليه، ولكنهما سرعان ما تصالحا، وظلا يعملان معاً في الجماعة.
ولم يبدع العلماء كذلك الشيخ رشيد رضا رحمه الله بسبب هذه الزلات وغيرها.
قال الشيخ الألباني عن الشيخ رشيد رضا رحمهما الله: (هذا الرجل الذى فى اعتقادى له المنة على كثير من أهل السنة فى هذا الزمان بسبب إشاعته لها ودعوته إليها فى مجلته المعروفة بالمنار حتى وصل أثرها إلى بلاد كثيرة من بلاد الأعاجم المسلمين، لذلك أرى هذا فيه غلو من الكلام لاينبغى أن يصدر من مثل أخينا مقبل) [٤].
ومن اعتبار الفضل وخدمة السنة زمن غربتها إعذار إمام الدعوة ومجدد الدين محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في إطلاقه القول بأن من نواقض الإسلام مظاهرة المشركين على المسلمين [٥].
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين، فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟ قال قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب، فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه، فذكر حديث حاطب رضي الله عنه) [٦].
وقد نص العلماء على أن زلة العالم مما يهدم الدين، فجمعوا بين اعتبار فضل أهل الفضل والتحذير من زلاتهم.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأربعاء ٢٩ جمادى الأولى ١٤٤٥هـ، ١٠ يناير ٢٠٢٤م.

المراجع