حُكم زيارة الآثار

الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
النهي الوارد عن زيارة الآثار مختص بمن حل بهم العذاب.
ولا ينبغي أن يختلف أهل العلم في عدم جواز زيارة من حل بهم العذاب بغرض الفرجة لا سيما إذا صحب ذلك تبجيل وتعظيم أهل الكفر وإن كانوا من الآباء والأجداد.
ولا خلاف بين أهل العلم في جواز المرور على ديار وآثار من حل بهم العذاب إذا كان ذلك عرضاً وليس بغرض الزيارة وبشرط ألا يمر بها إلا باكياً أو متباكياً لقول الله عز وجل: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
واختلفوا في جواز زيارة آثار من حل بهم العذاب لأجل العظة والعبرة.
فمن أجازها استدل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر بمدائن صالح كما في البخاري ومسلم: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي)، وقالوا إن الزيارة للعظة فيها معنى البكاء والتباكي.
واستدلوا كذلك بمثل قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ}، وقالوا في الآية معنى الأمر بالنظر إلى آثارهم مع ما فيها من النص على أخذهم وإهلاكهم، ونحو ذلك من الآيات كمثل قوله تعالى ذكره: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}، فقوله: "فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ" فيه معنى الأمر بالنظر إلى آثارهم مع ما في الآية من النص على إهلاكهم.
ويظهر والله أعلم أن الصحيح عدم جواز زيارة من حل بهم العذاب ولو بقصد العظة والعبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع المشي في ديار قوم صالح وكذا أمر بالإسراع في المشي في وادي محسر بين مزدلفة ومنى وهو الموضع الذي أُهلك فيه أصحاب الفيل، وأما الآيات فهي غير صريحة الدلالة على جواز الزيارة بغرض العظة والعبرة لاحتمال أن تكون فيمن مر عليها عرضاً، ويجب حملها على ذلك بدلالة السنة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
السبت 14 رجب 1431هـ - 26 يونيو 2010م
pdf
الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق