حكم الانتفاع بالبرامج المهكرة

لا يجوز استخدام البرامج المهكرة المعصوم أصلها إلا بإذن صاحبها أو دلالة العرف على إذنه، كالتي ترك دعمها الفني، ولا يحل المال المكتسب ببيعها وإيجارها إلا بعفو صاحبها، ولا يحرم المال المكتسب ببيع منتج بها مع الإثم، وعليه ضمان قيمتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
اتفق العلماء المعاصرون على اعتبار حقوق الاختراع والملكية الفكرية بجميع أنواعها وأنها مال مقوم.
فالأصل عدم جواز استخدام البرامج المهكرة لما في ذلك من التعدي على مال معصوم.
والمقصود بالمال العصوم هنا الذي لا يساهم به مالكه في قتال المسلمين والإضرار بهم.
ويستثنى ما دل العرف على إذن صاحب أصل البرنامج المهكر باستخدامه، كاستخدام البرامج التي ترك دعمها الفني وتطويرها.
فالبرامج التي تركت الشركات دعمها الفني لم تعد في استخدام المهكر منها شبهة منع معتبرة، وذلك لأن المقصود عدم الإضرار بصاحب حق الملكية الفكرية وملكية الاختراع.
وعندما تترك الشركات الدعم الفني كتحديثات الأمان فإنها تتوقف عن بيع تلك النسخ، وقد سأل أحد الإخوة إحدى الشركات فأفادته بأنها غير معنية باستخدامه النسخ التي أوقفت دعمها.
والتكسب بالبرامج المهكرة إما أن يكون ببيعها أو إيجارها أو ببيع منتج آخر أنتجه بها المكتسب.
فالمال المكتسب ببيع أو إيجار البرامج المهكرة لا يحل إلا بتعويض صاحب الحق أو عفوه.
وذلك لأنه يشترط لصحة المنهي عنه لعلة طارئة تتعلق بحق المخلوق التحلل منه بعفوه أو تعويضه [١].
ولا يحرم المال المكتسب ببيع منتج بالبرامج المهكرة مع الإثم، وعليه ضمان قيمتها.
وذلك لأن الكسب في هذه الحال من إنتاج المكتسب، ولأن التحريم لوصف طاريء.
والراجح في النهي اقتضاء الإثم دون البطلان إذا كان لعلة طارئة لعمومها (لوصف طاريء) [١].
والنهي يقتضي البطلان إذا كان لخصوصه، وهو ما كان لذاته أو لعلة أصلية (وصف أصلي)، سواء كانت العلة الأصلية قاصرة أو متعدية [١].
ومن العلماء من أفتى بجواز الاستخدام الشخصي للبرامج المهكرة، ولعل من أفتى بذلك نظر إلى أن الشركات الكبرى لا تتضرر من الاستخدام الخاص مهما كان عدد المستخدمين.
فالبرامج المهكرة تختلف عن عين المسروق من جهة أنها نسخة من أصل، فملكية أصحاب أصولها ليست للعين وإنما لوصف فيها، والاستخدام المحدود المشروط لا يترتب عليه ضرر ولا فوات نفع للشركات لا سيما الكبرى.
ولذا فلابد من شروط للعمل بهذه الفتوى، وهي تعود إلى تقدير الشخص المستخدم للبرامج المهكرة من أربع جهات؛ الأولى؛ اطمئنان نفسه لفتاوى من أجاز، والثانية؛ تقدير عدم قدرته على الشراء، والثالثة؛ تقدير عدم تضرر صاحب الملكية الفكرية من استخدامه، والرابعة؛ اعتبار شروط الاضطرار والاحتياج [٢].
ومن شروط الاحتياج والاضطرار التعيُّن، ويعني عدم وجود بديل شرعي لتحقيق المصلحة الضرورية أو الحاجية أو رفع الضرر أو رفع المشقة أو دفعهما.
فيجب النظر في البدائل المجانية كالبرامج مفتوحة المصدر، والبرامج التي تطرحها الشركات مجاناً بتعطيل بعض ميزاتها أو لفترة تجريبية أو التي تطرحها لبعض المستخدمين كالطلاب.
واطمئنان النفس هنا لا يستلزم اليقين [٣]، لأن الأصل في الأحكام الاجتهادية أنها مبنية على غالب الظن.
والشبهات الواجب تركها هي ما كان أقرب إلى الحرام أو تساوى فيه الاحتمالان.
وأما ما كان أقرب إلى الحلال فقسمان؛
الأول؛ ما اطمأنت إليه النفس مما كان احتمال حله عظيماً، ويعد تركه تديناً من التنطع والتشدد المنهي عنه.
والثاني؛ ما في النفس منه شيء غير قليل ولكنه لا يرقى إلى درجة الشبهات، وتركه يعد من الورع المستحب.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأربعاء ٢١ ربيع الثاني ١٤٤٦هـ، ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٤م.

مصادر ومراجع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق