من السياسة ترك بعض السياسة

⏩الإصلاح في الولايات الإسلامية وغيرها     ⏫محتويات الكتاب     الإصلاح السياسي في مبدأ الدعوة⏪

اشتهرت كلمة "من السياسة ترك السياسة" عن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وهي لا تعني ذم السياسة بإطلاق، إذ لابد أن تكون السياسة الأولى في الجملة غير الثانية، فالأولى في السياسة الشرعية والثانية فيما حقه الترك أو التأخير لكونها سياسة مذمومة أو لعدم توفر شروط أو وجود موانع.
والسالكون لنهج السلف في البلاد التي لا يلتزم حكامها برعاية أصل الدين يصرحون بأن هدفهم استئناف حياة إسلامية تحتكم في كل شؤونها إلى الإسلام، وهذا هدف سياسي واضح.
وفرق من يصبر على نهج إصلاح المجتمع من غيرهم هو في أن استئناف حياة إسلامية أو إصلاح الولاية الإسلامية يكون بما أسماه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بالتصفية والتربية، وهي الكلمة التي درج على ترديدها الكثيرون لما فيها من الاختصار لأهم المهمات والواجبات في هذا العصر وسائر العصور، بل ولاشتمالها على جملة منهج الإصلاح.
وسالكو نهج السلف يصرِّحون بأن السياسة الشرعية من الدين، وأن اعتقاد عزل الدين عن السياسة واتخاذ ذلك ديناً وفكراً كفر أكبر، قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: "فالسياسة الشرعية هي من الدين والذين يحاولون فصل الدين عن السياسة معناه هدم قدر ثلث الإسلام أو أكثر، فنحن لا نحارب السياسة لذاتها، نحارب السياسة بمعنى الكذب والخداع والخيانة، هذه نحاربها، أما فصل الدين عن السياسة فهذا أمر نحن نحاربه ونحذر منه والله المستعان" [1].
ولعل الأفضل أن يُقال؛ من السياسية ترك بعض السياسة، لأنها أوضح في المراد، ولكن عبارة من السياسة ترك السياسة ليس فيها إشكال، فمعناها واضح من سياقها كما سبق.
إذا ظهر أن هذه العبارة لا تعني منع كل عمل سياسي إصلاحي، فالمراد منها أمران، أولهما حق بيِّن بدلالة النصوص وسيرة العلماء من سلف هذه الأمَّة الصالح رحمهم الله تعالى ودلالة العقل والتجربة، والثاني فيه تفصيل.
الأول؛ تحريم تحريم ما يضر وكراهة ما لا ينفع من السياسة، ومن ذلك؛ تقديم السياسة على الأصول، كترك الدعوة إلى التوحيد لأجل كسب الأصوات في الانتخابات، ومن ذلك خوض المُعترك السياسي، ومن ذلك إشغال العوام بفروض الكفاية من السياسة التي هي من اختصاص أهل العلم والحكمة والرأي والشوكة.
ومما يُذم من السياسة؛ تحميس الناس لردِّ عدوان المحتلِّين بالعاطفة المجرَّدة عن الشرع والعقل، ومن ذلك الإنكار على الأُمراء في المنابر العامة في غيبتهم، ومن ذلك الخروج السلمي أو المسلح على السلطان المسلم الحارس لأصل الدين، أو على الذي يترتب على الخروج عليه ضرر أعظم.
للمزيد حول الإنكار على السلاطين في المنابر العامة في غيبتهم؛ قسم إصلاح » التَّشْوَقِيَّة الشرعية بديلاً للديمقراطية الوضعية » نقد الأمراء في المنابر العامة، وحول الموقف من الحُكومات؛ قسم إصلاح » شرعية السلاطين برعاية أصل الدين.
الثاني؛ تولي وظائف سلطانية عليا في أكثر الأنظمة السياسية المُعاصرة كالوزارات وعضوية المجالس النيابية وخاصة تلك التي يُسمح فيها باختيار قوانين مخالفة للشريعة، وفيه تفصيل، وهو موضوع هذا المقال.
فإذا كان تولي الأخيار بآلية لا ضرر فيها كالتعيين، فإن تخفيف الشر مهما كان قليلاً أفضل من عدمه، وحتى ولو لم يحدث تخفيف، فإن التولي بغرض منع تولي من يزيد الفساد أفضل.
ويجوز التولي أيضاً إذا كان ضرر آليته لا يعود على غرض تخفيف الشر ودفع الأضر وتحقيق الأصلح بالنقض.
وأما التولي بآلية محاصصات وترشيحات المنظمات المدنية، فإن فيها مفاسد تعود على مقصد تخفيف الشر ودفع الأضر بالنقض، وذلك إما لرجحان المفاسد مرحلياً، أو لكون المصالح المتحققة غير مستدامة.
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة ٢٧ رجب ١٤٣١هـ، ٩ يوليو ٢٠١٠م
التعديل؛ الأحد ٢٠ رجب ١٤٤١هـ، ١٥ مارس ٢٠٢٠م

المراجع

[1] إرشاد البرية إلى شرعية الانتساب إلى السلفية ص 158.
pdf

⏩الإصلاح في الولايات الإسلامية وغيرها     ⏫محتويات الكتاب     الإصلاح السياسي في مبدأ الدعوة⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق