جرائم الحرب في الكتاب المقدس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
جاءني أحد الإخوة بعد خطبة الجمعة يسألني عن معنى قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} قائلاً بأن أحد النصارى العرب سائق تاكسي بمدينة لينكوبنج هنا بالسويد كان يقول له؛ إن الإسلام هو سبب ظواهر الإرهاب في مجتمعات المسلمين لأن فيه مثل هذه الآية وغيرها من آيات السيف.
وأذكر أنني سمعت حواراً وجدته في الإنترنت عقد في أستراليا، حضره بعض المسلمين ومنهم أئمة مساجد وبعض القساوسة والأحبار وعدد من الناس. وكان من المحاورين من على البعد امرأة مصرية الأصل تعيش بأمريكا ارتدت عن الإسلام وتنصرت. وكانت هذه المرأة تقرأ هذه الآيات وتتهم الإسلام بأنه سبب الإرهاب والحروب والدماء. ومما تعجبت له أن واحداً من الإخوة المسلمين، بمن فيهم أئمة المساجد لم يذكر لها نصوص السيف في العهدين القديم والجديد، ولا جرائم الحرب فيما يُسمى بالكتاب المقدس والتي لن يجدوا مثلها في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يجدوا إلا نقيضها في القرآن والسنة.
ما سبق أكَّد لي أن كثيراً من المسلمين لا يعرفون هذه النصوص التي عند النصارى واليهود، وبالتالي يبقى المسلم في موقف الدفاع عن دينه ونفسه مما يجعله وكأنه دائماً في مقام المتهم أمام القاضي الذي يمثل العدالة. ولذا تحدثت في أحد خطب الجمعة الماضية عن جرائم الحرب في الكتاب المقدس، ونبهت المصلين إلى البحث بكتابة كلمات مفتاحية سواء بالإنجليزية أو العربية في محركات البحث الحديثة أو في الكتب المقدسة الإلكترونية، وأخبرتهم أنهم سيجدون مما يسمى اليوم بجرائم الحرب الكثير خاصة في العهد القديم، وسيجدون حتى في العهد الجديد نصوص السيف والقتال والقتل.
ومع أن كثيراً من النصارى يعتقدون أن بعض هذه النصوص (مقاطع العهد القديم) منسوخة، إلا أن بعضهم قد لا يعتقد النسخ. وحتى أولئك الذين يعتقدون أنها منسوخة، فمن السهل عليهم أن يعملوا بمقتضاها لاعتقادهم بأنها كلمات مقدسة صادرة إما من الله عز وجل مباشرة كما لو كانت من قسم التوارة في العهد القديم (سفر التكوين، الخروج، العدد، اللاويين، التثنية) أو كانت من كتابات الرسل والقديسين، لأنهم يعتقدون عصمة القديسين عند كتابة كتب وألواح وأسفار الكتاب المقدس، لاعتقادهم بأن روح القدس يحيطهم عند الكتابة فيعصمهم من الخطأ، فهي كلمات مقدسة عندهم على أي حال من الأحوال.
ولهذا فأسذكر فقط بعض ما في العهدين القديم والجديد من نصوص تدعو إلى الحرب وإلى القتل. وأبدأ بالعهد القديم وهو ما يسمى بالتناخ عند اليهود (التوراة وكتب الرسل والقديسين منذ عهد موسى عليه السلام إلى ما قبل عيسى عليه السلام) والعهد الجديد (كتب الرسل والقديسين بعد عيسى عليه السلام). ليعلم الناس أن الدعوة للحرب والقتال موجودة في القسم المنسوخ وغير المنسوخ. وأن جرائم الحرب في العهد القديم كثيرة جداً. واعتقادهم بأن بعضها منسوخة لا يؤثر بشئ إذ يكفي اعتقادهم فيها أنها مقدسة ومعصومة ولا يتطرق إليها الخطأ.

العهد القديم

في نصوص العهد القديم الكثير من النصوص التي تدعو إلى قتل النساء والأطفال والشيوخ بل حتى الرضع وحتى الثيران والحيوانات والزرع والشجر وجميع أنواع الإفساد، جاء في العهد القديم ما نصه: (١٧ فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. ١٨ وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها، لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر ابقوهن لكم حيات) [١].
وفي العهد القديم أيضاً: (٤ وقال له الرب. اعبر في وسط المدينة في وسط أورشليم، وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة في وسطها. ٥ وقال لأولئك في سمعي اعبروا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. ٦ الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدؤوا من مقدسي. فابتدؤوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت) [٢].
وانظر إلى هذا النص الذي لم يكتف بالأمر بقتل المدنيين بل اضاف قتل الحيوانات كذلك. جاء في العهد القديم ما نصه: (٣ فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً) [٣].
وفي الدعوة إلى الدمار الشامل بإشعال الحرائق والنيران، أنظر إلى هذا النص: (٢٤ واحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد اجعلوها في خزانة بيت الرب) [٤].
وأكتفي بما ذكرته سابقاً مما يسمَّى بجرائم الحرب في الكتاب المقدَّس من العهد القديم. وفي نصوص العهد القديم من هذا الشئ الكثير.

العهد الجديد

أما دعوى النصارى أن هذه النصوص منسوخة، فإن هذه الدعوى لن تفيدهم بشئ لاعتقادهم بأن هذه النصوص مقدَّسة. ولإبطال هذه الدعوى من النصارى الذين يزعمون أن دينهم هو دين المسيح، وأنه يأمر بالمحبة والسلام والتسامح، فسأذكر بعض ما في نصوص العهد الجديد من الدعوة إلى السيف والقتال.
جاء في العهد الجديد مانصه: (٢٧ أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي) [٥] .
وجاء في العهد الجديد ما نصه: (٣ لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً) [٦] .

الإسلام

وأما في الإسلام فقد علم الجميع الآيات والأحاديث الكثيرة في النهي عن الإعتداء في القتال.
أذكر من ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً) [٧] .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا بسمِ اللَّهِ وباللَّهِ وعلى ملِّةِ رسولِ اللهِ لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا صغيرًا ولا امرأةً ولا تغلُّوا وضمُّوا غنائمَكم وأصلحوا وأحسنوا فإنَّ اللَّهَ يحبُّ المحسنينَ) [٨] .
وفيما سبق من النصوص كفاية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
يوم الأحد ٩ رجب ١٤٣٤هـ، ١٩ مايو ٢٠١٣م
لينكوبنج، السويد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق