التفاضل بالتقوى ليس من التمييز المذموم في شئ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين
كتب أحد الإخوة مقالاً في أحد المنتديات تحدَّث فيه عن العنصرية ومضارها وسوء عاقبتها ومخالفتها للكتاب والسنة مبيناً ما دل عليه صريح الكتاب والسنة من أنَّ تفاضل الناس إنما يرجع للتقوى والقرب من الله، فإذا بأحدهم يهاجم الشيخ في المنتدى مفسراً العنصرية على الطريقة الغربية قائلاً بأن العنصرية إنما هي التفريق بين الناس بسبب لونهم أو عرقهم أو جنسهم أو دينهم، مدعياً بأنَّ التفاضل بالدين هو من العنصرية المذمومة والتمييز الممقوت!
وإذا سئل هذا المعترض ومن على شاكلته هل يستوي عندك الخائن والأمين؟ أم هل يستوي الصادق والكاذب؟ أم هل يستوي السارق والنزيه؟ أم هل يستوي المجرم والصالح؟ أم هل يستوي الظالم والعادل؟ أم هل يستوي المفسد والمصلح؟ لفرَّق بين هذا الأصناف. فإذا سلَّم أمثال هؤلاء أن الصفات الحميدة والسيئة تُفاضِل بين الناس لزمهم أن يُفاضلوا بين الناس بسائر الخصال الحميدة ومنها التقوى والدين إلا إذا تساوى عندهم الأمران وحينئذ يحق وصفهم بالضلال البعيد والزيغ المبين.
وإذا كان الظلم ممقوتاً لدى البشر جميعاً والعدل محموداً عندهم فإنَّ أعظم ظلم هو الشرك بالله { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }، وإذا كان إيفاء الحقوق محموداً لدى البشر جميعاً فإنَّ أعظم الحقوق هو حق الخالق سبحانه وتعالى، وإذا كان شكر المنعم ومن أزدى معروفاً من الخصال الحميدة فإن المنعم هو الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت الأخلاق الفاضلة الحميدة محمودة لدى البشر جميعاً فإن أعظم خُلُق وأفضله هو عبادة الله وحده لا شريك له، وذلك لأنَّ من حُسن الخُلق شكر المنعم وفي الحديث الصحيح: (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )).
فإذا أزدى إنسان للناس معروفاً فشكره على معروفه أناس وجحد المعروف آخرون وقابلوا الإنعام بالنكران، والمعروف بالشر والعدوان، فهل يستوي عند هؤلاء الشاكر والجاحد؟ فإن الله عز وجل خلقنا ورزقنا وأنعم علينا بنعمه الظاهرة والباطنة، وجعل الغاية من خلقنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئاً. فكيف يستوي عندهم المشرك الجاحد لصفات خالقه ونعمه والموحِّد الشاكر؟ نعوذ بالله من الضلال.
وهذه الأفكار إنما نتجت عن انتشار الأفكار العلمانية الرافضة للشريعة في تسيير أمور الناس الحياتية، وإنَّ أعظم الفساد في الأرض أن يُكفر بالله ويجعل له أنداداً في عبادته أو في حكمه وشرعته { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَ‌ٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }، والفساد الحاصل بنبذ الشريعة هو فساد في أحوال الناس وحياتهم قبل أن يكون تعدٍّ على حق خالقهم سبحانه وتعالى. وما عند غير المسلمين من خير وصلاح في حياتهم الدنيا هو من آثار الرسل وتعاليمهم، وكلما نقصت آثار النبوة كلما كثر في الناس الفساد. وإذا انمحت آثار الرسل من الأرض أذن الله عز وجل بخراب العالم وقيام الساعة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق عند الله.
قال الله عز وجل: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }، وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
يوم الأثنين 30 رجب 1431هـ - 11 يوليو 2010م
pdf

رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق