يأجوج ومأجوج هم أكثر الأمم لا الناس عدداً، ولا دليل على أنّ سدّ ذي القرنين حجبهم عن أكثر من إضعاف قدرتهم على الإفساد، والثابت في السدّ أنّه يتآكل ثم ينهدم بسبب لا نعلمه.
المحتويات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
هذا المبحث لرد طعن الملاحدة في الإسلام بفهم أن أكثر من ٩٩٪ من البشر مختفون.
وقد استفدت فيه من بعض كلام الشيخ السعدي رحمه الله.
وفي إطلاق القول بأنه تراجع نظر، فكلامه في التفسير لا يناقض كل ما قرره في رسالته في يأجوج ومأجوج، وقد طبعت مع رسالة أخرى بعنوان؛ فتنة الدجال ويأجوج ومأجوج.
ومثله يُعذر، ولا يُوافق من شنّع عليه، لكونه عالم سني متمسك بالنصوص مع نيته الحسنة، نحسبه.
فهو ممن اعتنى بالرد على الملاحدة.
خلافاً لمن يتكلم بغير علم أو يتأول عادةً متبعاً هواه، فهذا قد يُضل عن الصواب عقوبةً حتى ولو كانت نيته الدفاع عن الدين.
ولم يوافق المحققون من العلماء ابن كثير رحمه الله في طريقة تضعيفه حديث حفر يأجوج ومأجوج سد ذي القرنين.
فنكارة متنه بمخالفة ظاهر القرآن غير بينة، لاحتمال أن نفي استطاعة يأجوج ومأجوج نقب السد خبر عن أمرٍ مضى.
ولا يصح بعد تقرير قوة سنده القول بأن في رفعه خطأ وأنه مما نقل عن كعب الأحبار (يعني أنه من الإسرائيليات).
والصحيح فيه أنه ضعيف سنداً، وفيه نكارة بمخالفة صحيح السنة التي فيها أن السد فُتح بقدر قليل، وذلك لأن فيه أن الله يعيده أشد ما كان.
خلاصة قول السعدي رحمه الله في يأجوج ومأجوج (ما لم يتراجع عن بعضه) هو أنّ السدّ اندكّ ولو لم نره، وأنّهم خرجوا وتزاوجوا مع الأمم الكافرة، وأنّهم يشملون الروس والأمريكان والأوروبيّين إضافة للمغول والصينيّين، وأنّ إفساد يأجوج ومأجوج آخر الزمان قد يكون بما عند هذه الأمم من تقنيات عرف بعضها في زماننا.
ولا شك أنّ في هذا القول نظر، لأنّ من يقرأ النصوص يفهم منها أنّ إفسادهم الكبير يكون بالتزامن مع انهدام السدّ، بل يفهم أنّ السدّ يحول بينهم وبين إفسادهم الكبير هذا.
والنسب بالآباء فقط خلافاً للرحم فهو من جهة الآباء والأمّهات، فمجرّد التزاوج لا يجعل هذه الأمم منتسبةً ليأجوج ومأجوج.
التالية أخطاء شائعة في يأجوج ومأجوج؛
١. الظن بأن النصوص الثابتة تدل على أنهم محجوبون عن باقي البشر وعن كل إفساد.
٢. الظن أن النصوص الثابتة تدل على أن نسبتهم هي الأعلى من مجموع البشر.
٣. الظن أن ما ورد في حفرهم السد ثابت يقيناً، والراجح أنه ضعيف سنداً منكر متناً.
ورد في السنة تسميته سداً وردماً.
والآيات والأحاديث الثابتة تدل على أنه حجب قدرة يأجوج ومأجوج على إفسادين؛ الإفساد في أمّة تليهم، وإفسادهم الكبير الذي يكون في آخر الزمان.
وليس فيها ما يدل على أنه حجبهم عن مطلق الإفساد فضلاً عن حجبهم عن بقية البشر.
يؤكده أن خروجهم آخر الزمان يكون من خلال مكان السد وغيره.
لقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾.
فالحدب هو الجانب المرتفع، و ﴿كُلِّ حَدَبٍ﴾ إشارة إلى الكثرة.
و ﴿يَنْسِلُونَ﴾ تعني يخرجون مسرعين.
و ﴿فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ تعني فتح سدهم.
يتأكد هذا المعنى بالأحاديث وآيات سورة الكهف؛ ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾.
ويتأكد أن خروجهم من خلال مكان السد وعدة أماكن مرتفعة بآيات سورة الكهف.
فهي تدل على أن سد ذي القرنين بين جبلين على جانبيهما سدان (سلسلتان جبليتان)؛ ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾.
﴿سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾، يعني جانبي الجبلين.
﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾.
﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾.
ومعنى يظهروه؛ يرتقوه.
وقد يكون هذا بسبب أن جوانبه مستوية.
وهذا لا يعني أنّهم لا يستطيعون صعود الجبال التي تحيط بالسد والخروج من خلالها بطريقة لا تؤثر في الحرب.
فقد يكون صعودها وعراً على الناس فضلاً عن الخيول.
فيبدو أن مكان السد (بين الصدفين) هو منفذ خروجهم بأعداد كبيرة في الخطط الحربية.
وربّما كانت الجبال التي حول الصدفين تعينهم في حماية جنودهم الخارجين من بينهما، وذلك بالرمي من أعلى.
والرمي من أعلى أبلغ، كالرمي بالطائرات.
ولذا نهى النبي ﷺ الرماة عن مغادرة جبل أحُد، وقال: (ألا إنّ القوة الرمي).
النصوص تدل على أن يأجوج ومأجوج هم أكثر الأمم عدداً مقارنة بكل أمة منفردة.
وليس فيها ما يدل على أن نسبتهم هي الأعلى من مجموع الناس.
وسبب التباس الأمر على بعض إضافةً إلى الإسرائيليات هو ظنهم أن للنسبة المكررة في الحديث (٩٩٩ من ١٠٠٠) معنىً واحداً في المرتين، وهذا خطأ بين.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف أراه قال: تسعمئة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، ﴿وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ﴾ فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي ﷺ: من يأجوج ومأجوج تسعمئة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض)، أخرجه البخاري (٤٧٤١)، ومسلم (٢٢٢) باختلاف يسير.
ولولا اختلاف معنى ذات النسب العددية في المرتين للزم أن الجنة لهذه الأمة فقط دون الأمم السابقة بمن فيهم الرسل، وهذا باطل مخالف للنصوص والإجماع.
وللزم كذلك أن النار خاصة بيأجوج ومأجوج، وهو كذلك لازم باطل.
فقد قال النبي ﷺ في المرة الثانية: (من يأجوج ومأجوج تسعمئة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد).
فللنسبة المكررة (٩٩٩ من ١٠٠٠) أو قل (٩٩.٩٪) معنيان مختلفان في كل مرة.
فهي في المرة الأولى نسبة أهل النار من مجموع بني آدم، فتشمل هذه المرة جميع أهل النار من يأجوج ومأجوج وهذه الأمّة وسائر الأمم.
وهي في المرة الثانية نسبة أهل النار من يأجوج ومأجوج فقط مقارنة بمجموع أهل النار منهم ومن هذه الأمة فقط.
والنسبة غير المنصوص عليها في المرة الأولى لأهل الجنة (١ من ١٠٠٠) أو قل (٠.١٪) تشمل في هذه المرة المؤمنين من قوم يأجوج ومأجوج.
وذات النسب العددية لا تشمل في المرة الثانية أهل الجنة ولا الأمم الأخرى غير يأجوج ومأجوج وهذه الأمّة.
والنص على النسبة المقابلة (٠.١٪) في المرة الثانية لتأكيد أن معنى النسب العددية في هذه المرة مختلف عن معناها في المرة الأولى، فالنبي ﷺ أوتي جوامع الكلم.
ولتأكيد أن النسب هذه المرة لا تشمل كل الأمم قال بعدها: (ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض).
ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبى هريرة رضي الله عنه الذي فيه أن نسبة أهل النار من مجموع البشر ٩٩٪ (٩٩ من ١٠٠).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل مئة تسعة وتسعين، فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مئة تسعة وتسعون، فماذا يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود)، صحيح البخاري (٦٥٢٩).
فالنسبة هنا قد تكون تقريبيّة.
يؤكده أنه قد ورد في رواية أن النسب في المرة الثانية؛ ألف من يأجوج ومأجوج وواحد من هذه الأمة.
وقلة عدد الناس في هذه الأمة مقارنة بالأمم السابقة يؤكد ما توصلت إليه دراسات حديثة من طول عمر بني آدم [١].
فإن قال قائل؛ من أين فهمت أنّ يأجوج ومأجوج داخلين في نسبة أهل الجنة (١ من ١٠٠٠) أو قل (٠.٠١٪)؟ فالتالية أسباب؛
١. النصوص صريحة في أنّ نسبة الواحد من الألف هذه لا يمكن أن تكون خاصّة بهذه الأمة، وإلا خرج من أهل الجنّة الأمم السابقة بمن فيهم الأنبياء والمرسلين.
٢. ما من أمّة إلا خلا فيها نذير، فلابدّ أن يكون هذا النذير من أهل الجنّة.
٣. إذا كان يأجوج ومأجوج هم الصينيّون والمغول، ففيهم مسلمون.
٤. استخرج معاصرون بشارات بالنبي ﷺ من كتاب بوذا، مما يشير إلى أنّه رسول أو أحد أتباع الرسل، وغالب الصينيّين بوذيّين.
يُفهم من الآيات والأحاديث الثابتة أن السد يتآكل ثم ينهدم آخر الزمان بسبب لا نعلمه.
قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾.
وقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾.
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (استيقظ النبي ﷺ من النوم محمراً وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه. وعقد سفيان تسعين أو مائة، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)، أخرجه البخاري (٧٠٥٩)، ومسلم (٢٨٨٠).
وأما الحديث الذي فيه أن يأجوج ومأجوج يحفرون السد فضعيف سنداً منكر متناً.
وهو؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (إن يأجوج، ومأجوج يحفرون كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غداً، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس، حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غداً، إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه، وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي اجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفاً في أقفائهم، فيقتلهم بها)، أخرجه ابن ماجه (٤٠٨٠) واللفظ له، والترمذي (٣١٥٣)، وأحمد (١٠٦٣٢) باختلاف يسير.
مدار الحديث على قتادة عن أبي رافع، وقتادة مدلس لا يصح حديثه بدون تصريح بالسماع.
قال المعلمي رحمه الله: (فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع، فلم يصح الخبر عن أبي رافع) إلى قوله: (فلم يصح عن النبي ﷺ، ولا ندري ممن سمعه قتادة) [٢].
وقد بين المعلمي أن ما ورد من تصريح قتادة بالسماع جهل من بعض طابعي سنن ابن ماجة وخطأ من ابن المذهب راوي المسند عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد.
وأما نكارة المتن فلما ورد فيه من أن السد يعود أشد ما كان، لمخالفته ما صح من أنه فتح بقدر قليل.
لا إشكال في عددهم الكبير آخر الزمان الذي معه تجف بحيرة طبرية من شربهم.
فأعداد البشر تتضاعف بمرور الزمن.
وليس ثمة ما يمنع من أن تكون الساعة بعد آلاف السنين.
وقد سمعت في وثائقية إنجليزية أن الصحراء تعود رياضاً كل عشرة آلاف سنة، وأن آخر مرة كانت كذلك قبل حوالي خمس إلى ست آلاف سنة.
فإن لم يتغير نمط دورات المناخ القصيرة نسبياً بما لا نعلم، فقد تعود الصحراء رياضاً بعد حوالي أربع آلاف سنة.
وقد قال النبي ﷺ: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، صحيح مسلم (١٥٧).
وبذوبان الجليد في القطبين تتسع المساحات الصالحة لسكنى الناس لتشمل قارة أنتاركتيكا وغيرها.
قال رسول الله ﷺ: (ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء)، صحيح مسلم (٢٩٣٧).
وهذا يذكرني بما ثبت من أن طول آدم عليه السلام ستون ذراعاً [٣].
فهو مما يشكك به الملاحدة في الإسلام، وهو في الواقع من دلائل النبوّة لاتساقه مع قلة هذه الأمة نسبة لباقي الأمم، ولدلالة هذا على طول عمر البشرية الذي يتسق مع نسبة تناقص أطوال البشر [٣].
النصوص صريحة الدلالة على أن يأجوج ومأجوج من بني آدم.
ومن كثرة عددهم وصفاتهم الواردة في السنة يمكن تحديدهم من بين الأمم المعروفة اليوم.
فيأجوج هم الصينيون، وقد يلحق بهم الكوريون واليابانيون والتايلنديون والفليبينيّون.
ومأجوج هم المغول (أهل منغوليا).
ومن له اطّلاع على كلام المختصين في اللغات يرى العلاقة بين كلمة المغول ومأجوج.
والصين باللغة الصينيّة؛ جونغوا (جونغ غوا)، ومخرج كلمة جونغ قريب من غوغ، ويأجوج ومأجوج بالإنجليزية غوغ ومغوغ (غ = g).
ولا شك أن في الصينيين والمغول مسلمون خيرون.
فإفساد يأجوج ومأجوج الوارد في النصوص قد يكون بسبب شدة بأس في عامتهم يستغله بعض قادتهم في زرع الشر في نفوس جنودهم.
ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
عن ابن حرملة عن خالته قال: (خطب رسول الله ﷺ وهو عاصب رأسه من لدغة عقرب فقال: (إنكم تقولون: لا عدو، وإنكم لن تزالوا تقاتلون عدواً، حتى يأتي يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشعاف، ومن كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة)، الهيثمي، مجمع الزوائد (٨/٩)؛ رجاله رجال الصحيح، البوصيري، إتحاف الخيرة المهرة (٨/١٤٢)؛ رواته ثقات، أخرجه أحمد (٢٢٣٣١).
كأن وجوههم المجان المطرقة؛ واسعة سميكة.
والمجان تروس من الجلد غليظة تستخدم في اتقاء ضربات السيف.
صهب الشعاف؛ صلب الشعور، مستوية.
يقال صخرةٌ صيْهبٌ: صلبةٌ، وأرضٌ صيْهبٌ: مستويةٌ.
وهذا من دلائل النبوة، لاحتمال عدم معرفة العرب في ذلك الزمان بصفات الأمم البعيدة فضلاً عن أعدادهم.
ويترجح أن السد يقع بين جبلين من الجبال التي تفصل قرغيزستان عن أوزبكستان.
وقرغيزستان تابعة اليوم لروسيا وغالب أهلها مسلمون من المغول، فهي تابعة في الأصل لمنغوليا.
قال الشيخ السعدي رحمه الله عن السدين: (وإنما اختلفوا: هل هي سلاسل جبال القفقاس أم دون ذلك في أذربيجان، أم سلاسل جبال ألتاي، أم الجبال المتصلة بالسور الصيني في بلاد منغوليا؟ وهو الظاهر) [٤].
وقد بنى الصينيون السور لاتقاء هجمات قبائل بدوية من سيبيريا وشمال شرق آسيا.
ومبلغ العلم الحديث في تاريخ سور الصين هو أن أول أجزائه بني حوالي ٦٠٠ سنة قبل الميلاد.
ولا يبعد أن يكون هذا تاريخ تجديد بنائه.
فيبدو أن مانع يأجوج ومأجوج من الإفساد الكبير هو سد ذي القرنين مع سلسلة الجبال وسور الصين.
ورحلة ذي القرنين تدل على موضع السد، فقد بلغ أقصى الغرب ثم أقصى الشمال الشرقي ثم سافر فبلغ موضع السد.
وأقصى الشرق اليابس هو من جهة الشمال.
بلغ أقصى الغرب لقول الله تعالى: ﴿مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾.
وأقصى الشمال الشرقي لقوله: ﴿مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾.
قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (۸٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (۸٤) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (۸٥) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (۸٦) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (۸٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (۸۸) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (۸۹) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (۹۰) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (۹١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (۹٢) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (۹٣) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (۹٤) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (۹٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (۹٦) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (۹٧) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (۹۸)﴾ الكهف [١۸: ۸٣-۹۸].
من دلائل النبوة ما سبق من؛ عدد يأجوج ومأجوج، وصفاتهم، وموضع سد ذي القرنين وسط سلاسل جبال تتصل بسور الصين، وعلاقة مخرج كلمتي مغول والصين (بلغة أهلها) بكلمتي يأجوج ومأجوج.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
ليلة الجمعة ٣ ذو الحجة ١٤٤٦هـ، ٢٩ مايو ٢٠٢٥م.
[١] عمر البشرية.
[٢] الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن؛ آثار المعلمي (ج١٢/ص٢٥٨) - عبد الرحمن المعلمي اليماني (ت ١٣٨٦هـ).
[٣] طول البشر تاريخياً.
[٤] تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن (ج١/ص٢٦٢) - عبد الرحمن السعدي (ت ١٣٧٦ هـ).
[٢] الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ضمن؛ آثار المعلمي (ج١٢/ص٢٥٨) - عبد الرحمن المعلمي اليماني (ت ١٣٨٦هـ).
[٣] طول البشر تاريخياً.
[٤] تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن (ج١/ص٢٦٢) - عبد الرحمن السعدي (ت ١٣٧٦ هـ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق