الأديان وأسلحة الدمار الشامل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وعلى آله وصحبه أجمعين. ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.
إنَّ انتشار أسلحة الدمار الشامل قد شغل بال الكثيرين. ومن بين هؤلاء الناشطون في مجال حقوق الإنسان من مختلف الأديان والأعراق. وقد اجتهد الكثيرون من الحادبين على مصلحة البشرية في القضاء عليها، أو التخفيف من انتشارها حال عدم إمكان القضاء عليها تخفيفاً للشر.
لا يوجد دين من الأديان في حقيقة الأمر يبيح القتل الجماعي والدمار والخراب والإفساد في الأرض من حيث الأصل العام. وذلك لأن كل الأديان الموجودة لا تزال فيها تعاليم صحيحة. ومن تلكم التعاليم النهي عن القتل، والفساد والدمار، والأمر باحترام الحياة، والأمر بالرأفة والرحمة، والنهي عن أسباب الخلاف، والتي قد تؤدي إلى الحروب والدماء، كالنهي عن أخذ الأشياء من خير استحقاق أو دون تراضٍ ونحو ذلك. وهذه التعاليم هي من بقايا تعاليم الرسل. لأن كل أمة من الأمم سبق فيها رسول {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}. وقد أشار إلى هذه الحقيقة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في قوله عن الفلاسفة اليونان: (والقوم لولا الأنبياء لكانوا أعقل الناس، لكن الأنبياء جاؤوا بالحق وبقاياه في الأمم وإن كفروا ببعضه).
على سبيل المثال، فإنَّ من تعاليم بوذا أنه كان يقول للناس: "كونوا رؤفاء. واحترموا الحياة، حتى في أبسط أشكالها. أعطوا وخذوا بحرية. ولا تأخذوا شيئاً بغير استحقاق. لا تكذبوا البتة، حتى في المواقف التي يبدوا فيها الكذب مسموحاً. تجنبوا المخدرات والكحول. احترموا المرأة. ولا تقترفوا عملاً جسدياً غير شرعي أو يخالف الطبيعة". ومن تعاليم البوذيين والتي يسمونها الوصايا العشر: "لا تقتل. لا تسرق. كن عفيفاً. لا تكذب. لا تسكر. لا تأكل بعد الظهر. لا تغن ولا ترقص. تجنب ملابس الزينة. لا تستعمل فراشاً كبيراً. لا تقبل معادن كريمة".
وأحكام الإسلام فيها من النهي عن القتل والفساد في الأرض الشئ الكثير. وهي نصوص معلومة مشهورة. وتعاليم بوذا ترجِّح أنه إما كان رسولاً أو من أتباع أحد الرسل. أليس قول بوذا: " أعطوا وخذوا بحرية. ولا تأخذوا شيئاً بغير استحقاق"، مثل قول محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس))؟ وأليس هو في معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}؟ ومن أراد المزيد من المقارنات بين الأديان فليقارن بين الوصايا العشر عند البوذيين والوصايا العشر عند اليهود والنصارى والوصايا العشر التي في سورة الأنعام، الآيات 150 – 153.
ومن رحمة الله عز وجل بالناس بقاء تلك التعاليم التي جاء بها رسله الكرام، والتي فيها حياة البشر، وبقاء النوع الإنساني، وإعمار الأرض، وتحقيق مصالح الناس، ودفع كثير من المضار عنهم. {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}. حتى إذا انمحت آثار الرسل، ورفع القرآن، وهدمت الكعبة، وبقي شرار الخلق عند الله، أذن الله عز وجل بفساد العالم وخرابه وقيام الساعة. ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق عند الله وحتى لا يقال في الأرض الله.
ومن الحكم في بقاء تلك التعاليم أنَّ فيها الدلالة على صدق آخر رسل الله عز وجل محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه. فقد سمعت د. زاكير نايك حفظه الله في إحدى محاضراته يقول: في كتب الهندوس ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في أكثر من مائة موضع. ألا تدل التعاليم المتماثلة على أنها جاءت من مصدر واحد؟ قال النجاشي رحمه الله: (إنَّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة).
على سبيل المثال فإن بوذا - الذي ولد في منتصف القرن السادس قبل الميلاد في قرية كايبافاستوا على الحدود الفاصلة بين الهند والنيبال، والذي هجرته عائلته المالكة لاختلافه معهم في الدين – كان "يحرم مظاهر وطقوس عبادة الآلهة في التقاليد البرهمانية". ألا يدل هذا على أنه كان يدعو إلى توحيد الله عز وجل؟ "فعاداه الكهنة البراهمانيُّون، لأن عقيدتهم تنفي دورهم في التوسط لإيصال الأتمان (الأنا) إلى البراهمان (الطاقة الكونية)". ألا يدل هذا على أنه كان ينهاهم عن اتخاذ الوسطاء بينهم وبين الله عز وجل بغض النظر عن تفسيراتهم لهذا النص؟
ومما يرجح ما سبق أنه لم يكن يدعوهم إلى تأليهه وعبادته من دون الله عز وجل. وهم يعلمون أنه ولد ومات كما يولد البشر ويموتون. وقد قال لهم وهو في فراش الموت: "أنظروا إلى جسد بوذا. كل ما هو مركَّب مصيره الخراب ... تابعوا مسيرتكم باعتدال". وكان مما قال في مرض موته: "ليس في العوالم المرئية وغير المرئية إلا قدرة واحدة، لا بداية لها ولا نهاية، لا شريعة لها إلا شريعتها". ألا يدلُّ هذا الكلام على أن القدرة الوحيدة في عالم الغيب والشهادة هي قدرة الله عز وجل؟ وأن الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شئ، وأنه الآخر الذي ليس بعده شئ؟ وأن الشريعة التي يجب اتباعها هي شريعة الله عز وجل؟
وأما تلكم الاعتقادات الباطلة التي تدعو إلى القتل الجماعي والتدمير، والتي يعتقدها المتطرفون من أهل الأديان، فهي إما تأويلات باطلة لنصوص الكتب التي تسمى بالمقدسة، أو من النصوص الدخيلة. ومما لا شك فيه أن ديننا الحنيف والذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين يمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ولا شك أنه يسعى للحد من انتشارها حال عدم إمكان القضاء عليها من باب قاعدة أخف الضررين. وكذلك كل التعاليم الصحيحة في جميع الأديان تحرم انتشار تلكم الأسلحة الفتاكة. وكذلك المواثيق البشرية النابعة من اعتقادات الناس وأديانهم. ولكن ومع كل هذا، فقد باءت كل الجهود بالفشل. فما هو السبب؟
السبب الوحيد هو أنَّ تلكم الدول الكبرى، والتي تحرم انتشار تلكم الأسلحة، تملكها بنفسها. بل وتستمر في تصنيعها، وفي البحوث التي تهدف إلى انتاج أنواع أخرى جديدة. ولا يمكن أن تنهى الناس عن خلق وتأتي بمثله. فهذا عار في عرف البشر. فليس من الحكمة ولا من العقل الذي وهبه الله عز وجل الناس فصنعوا به تلكم الأسلحة أن تقول هذه الدول للناس: أنتم أغبياء وحكامكم دكتاتوريون. والعالم لن يأمن إذا امتلكتم أسلحة الدمار الشامل. فقد علم العالم أن أوَّل من استخدم تلكم الأسلحة هي هذه الدول التي تحرم انتشارها. كما حدث في هيروشيما وناجزاكي. ولا تزال هذه الدول تسخدم الأسلحة المحرمة دولياً في حروبها الحديثة. وستظل البشرية تتعرض للأخطار والمضار إلى أن يأذن الله عز وجل بظهور الإسلام كما ظهر على الأديان من قبل لتعم الرحمة الأرض { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
الأحد 6 صفر 1430هـ، ا فبراير 2009م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق