الدفاع الجوي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إنَّ المنطقة الإسلامية اليوم بسبب تراجعها عن الصدارة التي كانت عليها في القرون الخالية، وبسبب تخلفها عن ركب الأمم والدول المتقدمة والمتطورة، لتحتاج إلى تقوية وسائلها الدفاعية بالدرجة الأولى. ومن الخطأ الانشغال بتطوير وسائل الحرب الهجومية عن الوسائل الدفاعيَّة. ومن أهم وسائل الدفاع بل أهمها على الإطلاق في الحروب الحديثة الدفاع الجوي. وذلك منذ أن استخدمت الطائرات والصواريخ في الحروب منذ الحرب العالمية الأولى.
القوة الواردة في قول الله عز وجل {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي بصيغة الحصر التي تفيد الأهمية القصوى فقال: (ألا إن القوة الرمي). والرمي من الجو ومن كل مرتفع هو أبلغ أنواع الرمي، ولذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم الرماة عن مغادرة مواقعهم في أعلى جبل أحد، ولما ترك الرماة في غزوة أُحد أماكنهم، أصيب المسلمون بالهزيمة في تلك المعركة.
من غريب ما سمعته من تحليلات عسكرية من خبراء وضباط عسكريين عرب أثناء حرب الخليج الثانية أن المشاة هم الذين يحسمون المعركة وأنَّ أمريكا ينقصها هذا الجانب وبالتالي فلن تتمكن من حسم المعركة لصالحها، ومن العجيب أن بعضهم شارك في حرب العرب وإسرائيل ولهم خبرة عسكرية طويلة المدى.
لقد بات من الواضح أنَّ السلاح الجوي هو الذي يحسم المعركة، وأن المشاة لم يعد دورهم إلا في نهاية المطاف للسيطرة ثم الحراسة. لا شك أنه لا يمكن حسم المعركة إلا بتدخل المشاة في نهاية المطاف. ولكن هذا لا يحدث إلا بعد انهاك العدو معنوياً وحسياً بتمدير البنى التحتية وإرهاب المواطنين وقطع وسائل الإتصالات والإمدادات. صحيح أنه لابد من إيقاف الضرب الجوي قبل تحرك المشاة للسيطرة. وذلك خشية  أن يقع الضرب على قواتهم والقوات الصديقة. ولكن الذي يحدث في المعارك  الجوية هو إيقاف الضرب الجوي ومحاولة الدخول، فإذا واجهوا مقاومة عنيفة تراجع المشاة لإفساح المجال مرة أخرى للسلاح الجوي. هذا مع محاولة قطع الإمدادات والمؤن، ثم معاودة الكرة إلى أن تنهار القوى المعنوية للمقاتلين وإلى أن تسقط المدن الواحدة تلو الأخرى.
لقد كاد عمر المختار  رحمه الله وجنده أن يقضوا على الاستعمار الإيطالي لولا تدخل الطيران والسلاح الجوي، والذي حسم المعركة لصالح الأعداء، خاصة بعد قصفهم المدن التي تنطلق منها المقاومة واستهدافهم للمدنيين، مما كان له الأثر في نفسية الناس واستعدادهم للتضحية من أجل القضية العادلة. وكثير من المعارك الحديثة تم حسمها بسلاح الجو. ففي حرب الخليج الأولى كان الفارق بين قوات التحالف والقوات العراقية في سلاح الجو وتقنياته العالية لدى قوات التحالف. وما غزو أفغانستان والعراق منا ببعيد. ولو لم يكن لدى الأمريكان تلك القوة الجوية لما تمكنوا من دخول أفغانستان ولا العراق. وإذا قارنا تجربة عمر المختار بالتجربة المهدية بالسودان، والتي هزم فيها الإنجليز، رغم فارق العتاد بين الإنجليز والأنصار، فسوف نجد أنَّ الإنجليز لم يستخدموا الطيران وبالتالي لم يصمدوا أمام الأنصار.
إنَّ السلاح الجوي إضافة إلى تدميره البنى التحتية وقطع وسائل الإتصال والإمداد، يستخدم في إرهاب المواطنين وكسر العزيمة القتالية والحرب المعنوية والنفسية. ولا شك أنَّ الحرب النفسية لها الأثر البالغ في حسم المعارك، فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم قد أصابهم من ذلك ما أصابهم {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}، فإن الحديث عن الشجاعة والإقدام وطلب الشهادة فقط دون النظر إلى الأسباب الماديَّة خطأ واضح وزلل مميت قاتل.
وقد طغى على وسائل الإعلام العربية والإسلامية بما في ذلك منبر الجمعة الحديث عن هذا الجانب مع إهمال واضح للأسباب المادية. حيث كثر الكلام عن طلب الشهادة والعمليات الاستشهادية والمغالاة في مدح القائمين بها ولو كانت من غير جدوى ودون فائدة بل ولو أدت إلى أضرار فادحة، مما جعلنا نعيش حالة من السبات والعيش على الأماني وعدم أخذ الأسباب المادية التي أمر الله عز وجل بها.
ولم تعد وسائل الدفاع الجوي القديمة ذات فعالية كبيرة. وهي المدفعيات بأنواعها المختلفة بما فيها المضادة للطائرات وراجمات الصواريخ. وأصبحت الدفاعات الجوية تركِّز على الرادارات مع منظومة الدفاعات الجوية الحديثة المختلفة. ومن تلكم المنظومات المنظومة الأرضية التي تستخدم صواريخ (أرض جو)، ومدفعية الطائرات السريعة المتحركة والثابتة. ومنها الطائرات الحاملة للصواريخ (جو جو). ومن ذلك الغواصات الحديثة المجهزة بصواريخ (بحر جو). ونحو ذلك من أنظمة الدفاع الجوي في الجيوش الحديثة والتي تتعدد وسائلها، ومنها صواريخ الباتريوت والتي تجبر الطائرات التي تحلق على ارتفاع عال على التحليق المنخفض بحيث يمكن اصطيادها بأصغر الأسلحة وأقلها فعالية بما في ذلك البنادق.
فإذا أخذ المسلمون بكل الأسباب المعنوية والحسية بما في ذلك الرجوع إلى الله عز وجل واتخاذ الأسباب المادية فإن نصر الله عز وجل حليفنا لا محالة لأنه وعد الله عز وجل الذي لا يُخلف. وكيف لعدو يقاتل لأجل النفط وسرقة خيرات الشعوب ونشر العلمانية والنصرانية والكفر أن يصمد أمام من يقاتلون لحماية الدين وأراضي المسلمين وأموالهم وشعارهم إما النصر أو الشهادة. وذلك لأن الله عز وجل قادر على نصر دينه من غير جهد ولا جهاد من المسلمين، ولكن اقتضت حكمته في خلقه أن يبتلي الناس وخاصة عباده المؤمنين بأنواع الابتلاءات، ومن ذلكم العمل على نصرة الدين والجهاد في سبيله {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَ‌ٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}. وأسأل الله عز وجل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، والحمد لله رب العالمين.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لينكشوبنج، السويد
يوم الثلاثاء 28 جمادى الآخرة 1432هـ، 31 مايو 2011م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق