أثر الربا على الاقتصاد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين على آله وصحبه أجمعين
مقطع فيديو جميل في شرح مبادئ اقتصادية:

Youtube » How The Economic Machine Works by Ray Dalio

خلاصة ما ورد في مقطع الفيديو السابق:
  1. ثمة نوعان من عمليات التبادل التجاري؛ صفقة مكتملة. وائتمان لا يعد صفقة مكتملة إلا بعد سداد الدين المستحق.
  2. الثمن في الحالة الأولى هو النقود، وفي الحالة الثانية هو رصيد الدائن المقيد لحسابه، والذي يعتبر نقوداً في المستقبل بعد السداد، وليس في الحال. والمثمن إما السلع أو الخدمات أو الأصول المالية مثل الأسهم والبورصات.
  3.  كلاً من النقود والأرصدة مهمان لتحفيز الاقتصاد والاستثمار بتشجيع التبادل التجاري.
  4. مجموع الأرصدة في الولايات المتحدة بلغت 50 تريليون دولاراً بينما بلغت النقود 3 تريليون دولاراً فقط.
  5. عندما يستدين شخص من البنك، يعيش في رغد لأنه يستطيع أن يصرف، ولكن عندما يبدأ في سداد الدين ربما يعيش في شظف، لأنه لا يستطيع الصرف بسبب سداد الديون.
  6. صرف المستدين قبل بداية فترة السداد فيه تحفيز للاقتصاد، لأن صرف شخص أو جهة ما يعني كسب أخرى. وهذا الكسب فيه تحفيز للاقتصاد. وعندما يتوقف المدين عن الصرف أو يقلله يحدث انكماش في الاقتصاد لضعف الطلب والشراء.
  7. دورة الدين (الصعود والهبوط في إمكانية الصرف) هي دورة اقتصادية أيضاً بسبب ما تقدم من أن صرف جهة هو كسب لأخرى، وبالتالي تحفيز الاقتصاد أو انكماشه. وثمة دورتان اقتصاديتان مرتبتطان بالديون: قصيرة (ما بين 5 إلى 8 سنوات)، وطويلة (ما بين 75 إلى 100 سنة).
  8. كل الجهات (الأفراد، الشركات، الحكومة المركزية، البنك المركزي) تستخدم النوعين السابقين من التبادل التجاري وهما الصفقة والائتمان.
  9. الجهات السابقة متماثلة في التبادل التجاري، عدا البنك المركزي. البنك المركزي يتحكم في النقود المتداولة والأرصدة المتداولة. التحكم في النقود المتداولة يكون عن طريق التحكم في طباعة النقود، والتحكم في الأرصدة المتداولة عن طريق التحكم في سعر الفائدة على الديون.
  10. في فترة النمو الاقتصادي الناتجة عن دورة الربا يحدث التضخم (إرتفاع الأسعار). والسبب هو زيادة الصرف عن الإنتاج (السلع، الخدمات، الأصول المالية). لأنَّ السعر هو مجموع الصرف (الثمن) سواء كان نقداً أو رصيداً مقسوماً على مجموع المثمن (السلع، الخدمات، الأصول المالية)، وهي مجموع المتوافر من المثمن، والذي لا يزيد إلا عن طريق الإنتاج. فزيادة الصرف مع ثبات الإنتاج يؤدي إلى التضخم وهو زيادة الأسعار. زيادة من عندي للشرح فقط؛ "إذا نظرنا إلى التضخم من زاوية الثمن (النقد، والرصيد) فيمكن تعريف التضخم بنقص سعر العملة مع كثرتها، كما يمكن النظر إليه من زاوية المثمن (السلع، الخدمات، الأصول المالية)، وفي هذه الحالة يمكن تعريف التضخم بزيادة الأسعار. خلاصة أسباب التضخم؛ زيادة طباعة النقود من غير زيادة في الإنتاج (زيادة المثمنات)، وزيادة الأرصدة من غير زيادة في الإنتاج (زيادة المثمنات)".
  11. يضطر البنك المركزي في نهاية منتصف كل دورة لرفع سعر الفائدة للتحكم في الأرصدة المتداولة لحل مشكلة التضخم السابقة الذكر. وعند رفع سعر الفائدة يقل المقبلون على الدين الربوي بسبب غلاء أسعارها. وعندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة تمر البلد بحالة من الركود الاقتصادي بسبب نقص الإقبال على التبادل التجاري عن طريق الأرصدة، وهي حالة ضرورية لحل مشكلة التضخم. ثم بعد أن تستقر الأحوال يخفض البنك المركزي سعر الفائدة لتشجيع الاستدانة ولتحفيز الاقتصاد.
  12. عندما يخفض البنك المركزي الأسعار، فإنه لن يحل مشكلة تراكم الديون التي تمر بها الجهات المختلفة (الأفراد، الشركات، الحكومة)، وإنما فقط يحل مشكلة غلاء الأسعار. وهذا ما يؤدي بدوره إلى دورة الدين طويلة المدى، ففي كل مرة يزداد تراكم الديون. فعندما يقبل الناس على الاستدانة مرة أخرى يزداد تراكم الديون عليهم. والناس دائنين ومدينين (أفراد، حكومة، بنوك، شركات) لا ينظرون عادة إلى المدى البعيد، ويظنون ما يسميه الاقتصاديون فقاعة أنه نمو اقتصادي حقيقي، وغالباً ما تصل الديون إلى مرحلة يستعصي معها العلاج أو يستحيل.
  13. عندما لا تجدي عملية تخفيض سعر الفائدة لتراكم الديون مصافاً إليه الفائدة بما يساوي الدخل أو يقاربه أو يزيد عليه، تلجأ الحكومة المركزية بالتعاون مع البنك المركزي إلى أربعة طرق لتفادي الكساد الاقتصادي والذي قد يؤدي إلى الانهيار إذا لم يتم حله. هذه الطرق الأربعة لها أضرار جانبية قد تكون قاتلة. ثلاثة منها تؤدي إلى الإنكماش وواحدة تؤدي إلى التضخم. الأولى: الطباعة، وهي تؤدي إلى التضخم إذا كانت غير متوازنة مع الطرق الثلاثة التي تؤدي إلى الإنكماش. والثلاثة الأخرى تؤدي إلى الإنكماش إذا لم تكن متوازنة مع الطباعة، وهي: الأولى: تخفيض النفقات الحكومية والفردية، وهذه الطريقة تؤدي إلى الإنكماش بسبب ما تقدم من أن صرف جهة يعني كسب أخرى. الثانية: تخفيض الديون بالإعفاء من جزء من الدين أو السداد طويل الأجل والذي يضر الدائنين ويؤدي إلى خفض الديون وبالتالي خفض الصرف والطلب والذي يؤدي إلى الإنكماش أيضاً. الثالثة: إعادة توزيع الثروات عبر زيادة جمع الضرائب من الفئة الأكثر ثراءاً، وهذا قد يحمل الأثرياء على غش الضرائب وتهديد الاقتصاد بما لديهم من قدرات مالية، وقد يؤدي الكساد إلى حالة ما يسمى بالاضطرابات المدنية وقد يؤدي الأمر إلى الانقلابات العسكرية.
  14. عملية التحكم في الاقتصاد بالطرق السابقة لابد أن تصل إلى نهاية بسبب كثرة الديون وتراكمها مع الزمن، ويزداد الأمر سوءاً مع جهل الكثيرين بحقيقة ما يسمى بالفقاعة وظنهم أن الاقتصاد ينمو نمواً حقيقياً.
بعد سرد ملخص كلامه، يمكن ملاحظة ما يلي:
أن الرجل أقر أن الاقتصاد الخالي من نظام الأرصدة ليس فيه صعود وهبوط، وأن الطريق الوحيد فيه لزيادة الدخل هو الإنتاج، وهذا ما نص عليه في المقطع السابق، وهذا الكلام يجعلنا نخلص إلى أن النظام الربوي نظام لا يشجع على الاستثمار الحقيقي المرتبط بالإنتاج، وإنما هو نظام قائم على استثمار غير حقيقي ناتج عن ضخ أموال لا يملكها أفراد المنظومة الاقتصادية وهو ما يؤدي إلى الفقاعة. وضخ الأموال من غير زيادة في الإنتاج يؤدي إلى التضخم تماماً كما أن طباعة النقود من غير زيادة الإنتاج تؤدي إلى التضخم، ويؤدي ضخ الأموال أيضاً إلى تراكم الديون على المدى البعيد واستعصاء أو استحالة حلها.
يجوز في الإسلام بيع أكثر السلع عدا النقود وبعض الأطعمة بفائدة إلى أجل، مما يعني أن ديننا فيه مراعاة لمبدأ تحفيز الاقتصاد بالائتمان والأرصدة، ولكنه تحفيز مرتبط بإنتاج من تصنيع وزراعة وخدمات ونقل ونحوه من غير استغلال. فإذا باع الإنسان سلعة بفائدة إلى أجل فإنه يكون قد ساهم في الإنتاج بنقل أو تصنيع أو خدمة أو نحوه. وأما بيع الأثرياء النقود فلا إنتاج فيه وضرره حتمي، ففي فترات الهبوط التي لا مفر منها يحدث نوع من الركود الاقتصادي، وحتى في فترة الصعود يؤدي النظام الربوي إلى التضخم وزيادة الأسعار لعدم توازن حجم التبادل التجاري مع الإنتاج.
والربا يجعل الثروة مختصة بفئة معينة فقط (الدائنين والبنوك) لفترات قد يكون مداها الدورة الكبيرة (75 إلى 100 سنة) أو أكثر أو أقل، ثم يمر الدائنون بمشكلة شبيهة لعدم قدرتهم على تحصيل أموالهم من المدينين. وما سبق يجعل توزيع الثروة غير عادل. يقال ما يملكه 83 شخص فقط يساوي كل ما يملكه الناس في العالم! و{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الثلاثاء 19 شعبان1435هـ ، 17 يونيو 2014م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق