العثمانيون وفتوى تحريم الآلة الكاتبة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، امتدح نفسه بالتعليم بالقلم، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأكرم، الذي رغب أمته في العلم بالقلم، وعلى آله وصحابته ومن اختارهم الله من بين الأمم.
قرأت اليوم عجباً، خلاصة ما قرأت؛ اختراع الآلة الطابعة في القرن الخامس عشر الميلادي. المخترع الألماني كوتنبرج قام بطباعة أول كتاب وهو الإنجيل عام 1455م. وبعد مرور 35 عاماً من اختراعها وانتشارها في أوروبا - التي كانت غارقة في التخلف وقتها - أصدر سلطان المسلمين فرماناً (قراراً) رسمياً بمنع استخدام المسلمين للآلة الطابعة. كانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت في أوج قوتها وعزتها. السبب في هذا القرار هو أن علماء الدولة العثمانية يحرِّمون الآلة الطابعة خوفاً على طلاب العلم من ترك النسخ بأيديهم والذي يستفيدون منه في الاستذكار والقراءة، وخوفاً على القرآن الكريم من التحريف. تأخرت الطباعة عن العالم الإسلامي لمدة قرنين من الزمان.
أردت التأكد من صحة ما قرأت، فبحثت عبر الآلة الطابعة الحديثة (لوحة المفاتيح على جهاز الحاسوب)، فوجدت ما يؤكد ما قرأت. ولكن وللأسف فإن الجهة التي أكدت وجود مثل هذه الفتوى، اعتذرت لهذه الفتوى. ولا أدري لم الاعتذار لفتوى ربما تكون قد أدت لمنع المسلمين من استخدام أهم وسائل المعرفة في العصر الحديث مع السماح بها لليهود والنصارى في بلاد المسلمين؟! أليس منع استخدام الآلة الطابعة سبب لمنع انتشار المعرفة والعلم؟
وحجة أن الآلة الطابعة تمنع من استذكار العلم بسبب منعها لنسخ الكتب، ليس فيها دليل على تحريم الآلة بأي حال من الأحوال. غاية هذه الحجة العقلية المحضة والتي لا تصح أنها تعني حال صحتها أفضلية ترك الآلة الطابعة. وأما حجة تحريف المصحف، فلعلها صدرت عن جهل بطبيعة الآلة الطابعة، ولا يحل لرجل أن يفتي في دنيار لا يعرف سوقه. وإذا كان الله عز وجل قد ذكر القلم في موضع المدح والثناء ونسبه إليه على سبيل ذكر النعم والمحامد، فإن الآلة الطابعة تقوم مقام القلم بأفضل مما يقوم به القلم. قال الله عز وجل: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}.
ذُكر في المصدر الذي اعتذر لهذه الفتوى قولهم: "وفي خصوص الفتوى فقد وجدنا في مصادر لا نقطع بموثوقيتها؛ أن السلطان العثماني بايزيد الثاني لما أدخلت الجالية اليهودية أول مطبعة إلى تركيا سنة 1493م أصدر فرماناً يقضي بتحريم الطباعة على رعاياه المسلمين" [1].
المعلومات التالية ترجِّح صحة المعلومات السابقة، وقد استقيتها بتصرف من؛ موقع موهوبون [2].
أول المطابع إنشاءاً في بلاد المسلمين كان في لبنان على أيدي النصارى. ثم تلتها سوريا على أيدي النصارى أيضاً. ثم تلتها تركيا على أيدي المسلمين. وهذه الأخيرة كانت أول الأمر تطبع الكتب غير الدينية فقط. ثم تلتها مصر.
أول مطبعة أنشئت في الدول العربية كانت في لبنان. أقامت روما هذه المطبعة قرب طرابلس وتم في هذه المطبعة طباعة كتاب المزامير باللغة السريانية. ثم اندثرت تلك المطبعة.
المطبعة الثانية والثالثة في الدول العربية كانتا في سوريا وهما مطبعتا قزحيا وحلب. ففي عام 1706م عرفت سورية الطباعة والتي أحضرها بطريك الروم آثناسيوس الثالث.
أوَّل المطابع العربية إنشاءاً خارج الدول العربية كان في عام 1716م. وكان ذلك في عهد السلطان سليم الثالث، إلا أنها كانت تطبع الكتب غير الدينية فقط، ثم شجَّع السلطان سليم الثالث طباعة كتب الدين والفقه وأمر بفتح مطبعتين أخريين. وهي أول مطبعة أنشئت على أيدي المسلمين.
المطبعة الرابعة في الدول العربية كانت في بيروت، وأنشئت هذه المطبعة عام 1787م. وهي مطبعة القديس جاور جيوس للروم الأرثوذكس.
دخلت الطباعة مصر عام 1798م مع حملة نابليون على مصر (الحملة الفرنسية) وخرجت مع خروج المستعمر.
عام 1800م أنشئت خامس مطبعة في العالم العربي في الإسكندرية طبعت فيها جريدة " التنبيه".
سادس مطبعة في الدول العربية تأسست عام 1816م في لبنان وهي مطبعة للنصارى أيضاً. هذه المطبعة جُلبت من لندن على يد المطران بطرس جروة بطريك السريان الكاثوليك.
بقيت مصر بعد خروج الحملة الفرنسية دون مطبعة حتى عام 1819م عندما أمر والي مصر محمد علي بإنشاء مطبعة في مصر واسمها المطبعة الأميرية. ولعلها موجودة إلى الآن.
وفي عام 1830م طبع أول كتاب في العراق.
وفي الحجاز أنشئت سنة 1919م مطبعة باسم الملك عبد العزيز ثم سميت مطبعة أم القرى، وكانت تطبع الصحيفة الرسمية.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لينكوبنج، السويد
الأثنين 4 رمضان 1433ه، 23 يوليو 2012

المصادر

pdf
رجوع إلى قسم ثقافة ومعارف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق