حكم القسم على احترام الدستور

⏩حكم عضوية البرلمانات     ⏫محتويات الكتاب     فساد حال من اشتغل بالسياسة⏪

أفتى بعض العلماء بجواز القسم على احترام الدستور وإرادة ما لا يخالف الشريعة منه، لجواز التورية والتأويل في الحلف إذا لم يكن فيه عدم وفاء بعهد أو تضييع لحق.
والتصويت لمن يدخل البرلمانات ضرورة، والضرورة هي حالة الافتقار إلى رفع ضرر أو دفعه، والحاجة هي حالة الافتقار إلى تحقيق مصلحةٍ أو دفع مشقة أو رفعها.
فيصح التأويل في الحلف للاضطرار والاحتياج بإرادة الغالب، والغالب في الدساتير عدم مخالفة الشريعة، لأنَّ الإمارة موضوعة لرعاية الدين وسياسة الدنيا، والأصل في وسائل رعاية الدين الإرسال إلا لنص، وفي سياسة الدنيا الإباحة إلا لنص.
وليس في هذا مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ (يَمِينُكَ على ما يُصَدِّقُكَ عليه صاحِبُكَ)، ولا لحديث؛ (الْيَمِينُ على نِيَّةِ المُسْتَحْلِفِ)، المصدر؛ صحيح مسلم  » رقم ١٦٥٣، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى تخصيص الحديث بالحقوق، والعهود والعقود من الحقوق.
ومما يدل على تخصيصه بالحقوق حديث سويد بن حنظلة قال: "خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له، فتحرجَّ القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي فخلى سبيله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، قال: صدقت المسلم أخو المسلم". رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والحديث وإن كان في المظلوم إلا أن فيه دلالة على تخصيص حكم اليمين على نية المستحلف، والقياس على الخاص يخصِّص العام، فيُلحق كل محتاج بالمظلوم بجامع الحاجة.
يُرجِّح هذا القياس أنَّ حكم اليمين على نية المستحلف تخصيص من اشتراط النية في الأعمال خرج على خلاف الأصل، والحكمة من التخصيص واضحة، وهي كما ذكر أهل العلم حفظ الحقوق، وهو وصف منضبط، فهو علة الحُكم أيضاً، والأحكام تدور مع العلل وجوداً وعدماً.
وتدخل العقود والعهود في حفظ الحقوق، لأن الوفاء بها واجب، وللزوم التراضي فيها، فيجب أن تكون شروطها موافقةً لظاهر اللفظ، ولهذا استثنيت ألفاظ العقود من اعتبار النية كما في حديث؛ (ثلاثٌ جدُّهنَّ جدٌّ وَهزلُهنَّ جدٌّ؛ النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجعةُ)، صححه الألباني في صحيح الترمذي 1184، للمزيد حول اعتبار النية في الطلاق وتكفير الهازل؛ مدونتي » أحكام » النية في الطلاق وتكفير الهازل.
وقد استدل الشيخ العثيمين رحمه الله على جواز التأويل في الحلف لغير المظلوم بقول الله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ}، وقال في هذا شيء من تأويل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (والمؤول لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن يكون مظلوماً، أو ظالماً، أو لا ظالماً ولا مظلوماً. فإن كان مظلوماً، فالتأويل جائز له بالاتفاق. وإن كان ظالماً، فالتأويل حرام عليه بالاتفاق.
وإن لم يكن ظالماً ولا مظلوماً، ففيه خلاف، والمشهور من المذهب أن التأويل جائز. والقول الثاني: أن التأويل ليس بجائز، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، لأن عاقبته غير محمودة. إذ إن المؤول إذا ظهر الناس على كذبه صار ذلك قادحاً فيه، بخلاف المظلوم. والأمثلة تبين لنا إن شاء الله حكم هذه المسألة ...
إلى قوله: (وإذا كان الإنسان لا ظالماً ولا مظلوماً، وتأول، قال شيخ الإسلام؛ لا يجوز، لأنه ربما يعثر على كذبه فيما بعد، ويكون ذلك قادحاً في صدقه.
وما دام أنه غير محتاج، فلا يعرض نفسه للقدح والذم. أما إن احتاج، كشخص يسألك عن شئ محرج لا ينبغي أن يسأل عنه، لأنه ما يعنيه، وأنت لا تود أن تعلمه به، فهنا لا بأس أن تتأول ...
إلى قوله: (والدليل على جواز التأويل قصة أيوب عليه الصلاة والسلام؛ فإنَّ فيها شيئاً من التأويل، قال تعالى: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ }، وقد حلف أنه يضرب امرأته مائة سوط، والضغث الذي فيه مائة شمراخ ما يُعَدُّ مائة، لكن اللفظ محتمل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى "، وكذلك حديث ركانة رضي الله عنه - لو صح - حيث قال: (والله ما أردت إلا واحدة)، وكذلك قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع الظالم، فإن فيها تأويلاً، والأدلة كثيرة) [2].
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة ٢٧ رجب ١٤٣١هـ، ٩ يوليو ٢٠١٠م
التعديل؛ الأحد ٢٠ رجب ١٤٤١هـ، ١٥ مارس ٢٠٢٠م

المصادر

[1] كتاب أحكام أهل الذمة (ج2/ص768)، تحقيق؛ يوسف بن أحمد البكري - شاكر بن توفيق العاروري، رمادى للنشر، الدمام، الطبعة الأولى.
[2] الشرح الممتع على زاد المستقنع (ج13ص164)، دار النشر؛ دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1422 - 1428هـ.
pdf

⏩حكم عضوية البرلمانات     ⏫محتويات الكتاب     فساد حال من اشتغل بالسياسة⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق