دوران الأرض حول محورها

رجوع إلى قسم ثقافة ومعارف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
لوجود شبهات بسبب آراء مستقاة من أدلة شرعية وأخرى منطقية فيزيائة حول دوران الأرض حول محورها كتبْتُ هذا المقال لبحث المسألة من الناحية المنطقية الفيزيائية ثم من الناحية الشرعية ودلالات النصوص، ونقلتُ حولها كلام للإمام العلامة الألباني والإمام العلامة ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
من تلك الأسئلة المنطقية؛ إذا كانت الأرض تدول حول محورها، فكيف يمكن لطائرة تتهجه من الشرق إلى الغرب أو العكس الوصول، علماً بأن سرعة الأرض حول نفسها عند خط الإستواء 1670 كلم/ساعة، ومتوسط سرعة الطائرات المدنية ما بين 700 إلى 900 كلم/ساعة؟
وأبعد من زعم أن الأرض مسطحة، وليس هذا موضع بيان خطأ هذا القول، ولكن يكفي لإثبات كروية الأرض أن الشمس تُرى عند الشروق والغروب في الأفق على مستوى النظر وليس في الأعلى، وهي قطعاً في العلو للناظر إليها من ذلك الأفق، وكذا تُرى السُحب بعضها في المستوي العلوي العمودي للنظر وبعضها أقل من ذلك وبعضها في الأفق بمحاذاة النظر في شكل نصف كروي إذا نظرنا إليها من كل الجوانب.
أولاً؛ من غير دوارن الأرض حول محورها لا يمكن تفسير طول الليل والنهار عند القطبين والمناطق القريبة منهما.
وأما الإجابة على السؤال؛ فيُستنتج من قوانين نيوتن للحركة والسكون أنَّ محصلة القوى الخارجية المؤثرة في الجسم المتحرك بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم أو الثابت صفراً، وأن الجسم المتحرك بعجلة أو في حركة غير مستقيمة فقط هو الذي تكون محصلة القوى الخارجية المؤثرة فيه أكثر من صفر، إضافة إلى قانون القصور الذاتي والذي ينصُّ على أن الجسم المتحرك أو الثابت يظل كذلك ما لم تؤثر فيه قوة خارجية.
ولولا جاذبية الشمس التي تجعل الأرض تدور في حركة دائرية، لكانت حركة الأرض وسائر الأفلاك في خط مستقيم وبسرعة ثابتة، فالقمر مثلاً يدور حول الأرض بسبب جاذبية الأرض، ولو لم يكن واقعاً تحت تأثير جاذبية الأرض لكانت حركته في خط مستقيم، فجاذبية الأرض هي التي تكسبه ذلك الانحراف عن المسير في خط مستقيم في كل نقطة مماسة لدائرة حركته.
فالأرض تدول حول محورها ويدور معها ما فوقها من هواء، وكذلك تدور معها الأجسام الملتصقة بها أو التي انفصلت عنها وعلقت بالجو وبقيت تحت تأثير جاذبيتها، والسبب هو أن هذه الأجسام عندما انفصلت عن الأرض فإن حركتها الثابتة في خط مستقيم تظل كما هي مع الدوران حول الأرض بسبب جاذبية الأرض، وهذا الدوران بسرعة ثابتة لا يحتاج إلى قوة غير جاذبية الأرض التي تحرف مسار الجسم عن الخط المستقيم المماس لكل نقطة في دائرة الحركة.
ولو لم تتحرك الأجسام التي على الأرض معها بسبب جاذبيتها لسقط الحجر في غير موضعه، يعني لما تُسقط حجراً في اتجاه الأرض، فإذا كان هذا الحجر لا يدور مع الأرض، فالمفترض أن يسقط الحجر على بعد 150 متراً تقريباً في اتجاه الغرب، وهذا إذا افترضنا أنَّ مدة سقوط الحجر ثُلُث الثانية تقريباً، والمفترض كذلك أنَّ الإنسان إذا قفز قفزة مدتها ثانية، أن يبتعد مسافة 465 متراً تقريباً في اتجاه الغرب، لأنَّ سرعة الأرض عند خط الاستواء تساوي تقريباً 465 متر/ثانية.
ولو لم يكن الهواء يدور مع الأرض بسبب جاذبية الأرض وكان ثابتاً، فإنَّ سرعة الهواء النسبية المفترضة في هذه الحال هي سرعة الأرض، وهذه السرعة هي أسرع من أي إعصار تم حسابه في التاريخ، يعني سرعة مدمرة، وهي سرعة 1670 كلم/ساعة عند خط الاستواء.
الخلاصة؛ الطائرة فوق سطح الأرض وفي الغلاف الجوي للأرض تدول مع الأرض حول محورها بنفس سرعة الأرض حول نفسها وفي نفس الاتجاه من غير قوة دفع، وقوة دفع الطائرة تساعدها فقط على السباحة في الهواء مثل ما يسبح السمك في الماء أو الطير في الهواء في اتجاه الرحلة سواء كان في اتجاه الشمال، الجنوب، الشرق أو الغرب. ولهذا لا فرق في الزمن بينما إذا سافرت الطائرة في اتجاه الشرق أو الغرب أو أي اتجاه في وصولها إلى غاية الرحلة، ولهذا السبب أيضاً تأخذ الطائرات أشكال الأسماك والطيور بأنواعها المختلفة وربما بعض الحشرات الطائرة.
ولصعوبة فهم قوانين نيوتن للحركة والسكون أقترح صياغتها على هذا النحو؛ الأول؛ كل جسم سواء كان ثابتاً أو متحركاً يدافع القوة الخارجية التي تغير حالته بقوة مساوية ومعاكسة للقوة الخارجية فيظل في حالته ما لم تكن القوة الخارجية أكبر من محصلة القوى الخارجية المعاكسة المؤثرة في الجسم، الثاني؛ محصلة القوى في الجسم الثابت والمتحرك بحركة منتظمة بسرعة ثابتة وفي خط مستقيم تساوي صفراً، الثالث؛ محصلة القوى المؤثرة في جسم متحرك بعجلة تتناسب طردياً مع كتلته والعجلة.
لمن يتشكك في قانون نيوتن؛ فعندما نكون في أي جسم متحرك (سيارة أو قطاراً أو طائرة) فإنِّ رؤوسنا تسير بنفس سرعة الطائرة وسرعة أقدامنا المثبتة على الطائرة ونحن وقوف دون الشعور بسقوط إلى الاتجاه المعاكس إذا كانت سرعة الطائرة ثابتة أو شبه ثابتة، وأما إذا تغيرت سرعة الطائرة بعجلة متزايدة أو متناقصة فعندها نشعر بالسقوط في الاتجاه المعاكس، والسبب هو أن رؤوسنا تسير في اتجاه الطائرة من غير قوة دفع عندما تكون السرعة ثابتة في حركة دائرية بتأثير جاذبية الأرض، ولهذا عندما تبدأ الطائرة أو السيارة في الحركة وعندما تتوقف نشعر بالسقوط في الاتجاه المعاكس.
وهذا يصدق على وقوفنا على الأرض وهي تدور حول محورها بسرعة هائلة، فلا نشعر بالسقوط عكس حركة الأرض لعدم وجود قوة تدفعنا في الاتجاه المعاكس، وهذا ما يسمَّى في علم الفيزياء بالقصور الذاتي.
وما سبق لا يعني أنَّ الشمس لا تتحرَّك ولا تجري، بل هي تجري بنص القرآن، والقول بعدم جريان الشمس يناقض صريح القرآن، وعلماء الفلك يقولون بأن الشمس تدور حول مركز مجرتنا درب التبانة، وحتى ولولم يقل به علماء الفلك فيجب على المسلم الإيمان بجريان الشمس.
وقد نصَّ العلامة الإمام الألباني رحمه الله تعالى على أنَّ دوران الأرض حقيقة علمية في المقطع التالي:
يوتيوب » الشيخ الألباني - ما قولكم في مسألة دوران الأرض
ورغم أن الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى يقول بأن السبب في ظاهرتي الشروق والغروب هو حركة الشمس حول الأرض وأن هذا هو ظاهر القرأن، إلا أنه قال: "لو ثبت بطريق علمي صحيح لا إشكال فيه أن الأرض هي التي تدور فنحن نقول به... إلخ" كما في المقطع التالي:
يوتيوب » دوران الشمس حول الأرض للشيخ محمد ابن صالح العثيمين
القرآن ليس فيه نص بأن ظاهرتي الليل والنهار هما بسبب حركة الشمس حول الأرض، وقول الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى وغيره بأن هذا ظاهر القرآن فيه نظر، والشيخ العثيمين رحمه الله تعالى قصد بالظاهر هنا كما هو واضح من كلامه الظاهر اللغوي، ولكن المعلوم أن الظاهر العرفي مُقدَّم على الظاهر اللغوي كما هو مقرر في علم أصول الفقه، يعني مثلاً الحاسب الآلي والآلة الحاسبة ما يتبادر منهما هو المعنى العرفي الاصطلاحي، ونسبة الطلوع والغروب إلى الشمس ظاهر لغوي، ولكن الخطاب في الآية الكريمة هو بمقتضى الظاهر المشاهد، وهذا ما جرى عليه عُرف الناس في الكلام، مثلاً إذا قال قائل: كبُر الهلال، فهو يعني فيما يبدو للناس ولا يعني أنه كبُر حقيقة.
والأصل حمل الكلام على ظاهره إلا إذا دل دليل على أن الظاهر غير مراد، وظاهر الاستعمال والاصطلاح والعرف مقدم على ظاهر اللغة، سواء كان في الكلمة أو الجملة والتركيب، ولهذا قال الفقهاء والأصوليون إذا قال سيد لعبده "إذا لم تشتر البر فلا ترجع إلى البيت"، فإذا لم يجد البر ولم يرجع إلى البيت يكون قد خالف أمر سيده، لأن هذا التركيب يُستخدم في عرف الناس مراداً به الجد والاجتهاد في البحث عن البر، ولهذا "لا يصلينَّ أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" المراد به الاستعجال وليس الصلاة في بني قريظة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. لدي مقال مختصر جداً بعنوان "إنها حرفية لا ظاهرية" في؛ مدونتي » متفرقات » إنها حرفية لا ظاهرية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإنَّ الشمس على أي موضع كانت مرتفعة من الأرض الارتفاع التام، كما يكون عند نصف النهار، فإنها تضيء على ما أمامها وخلفها من المشرق والمغرب، تسعين درجة شرقية، وتسعين غربية. والمجموع مقدار حركتها اثنتا عشرة ساعة، ستة شرقية، وستة غربية، وهو النهار المعتدل. ولا يزال لها هذا النهار لكن يخفى ضوءها بسبب ميلها إلى جانب الشمال والجنوب، فإن المعمور من الأرض من الناحية الشمالية من الأرض، التي هي شمال خط الاستواء، المحاذي لدائرة معتدل النهار، التي نسبتها إلى القطبين - الشمالي والجنوبي - نسبة واحدة. ولهذا يقال في حركة الفلك إنها على ذلك المكان دولابية مثل الدولاب، وإنها عند القطبين رحاوية تشبه حركة الرحى، وإنها في المعمور من الأرض حمائلية تشبه حمائل السيوف) [1].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الأثنين 24 شوال 1436هـ، 10 أغسطس 2015م

المصادر

[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج5/ص468)، تحقيق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ 1416هـ/1995م.
pdf
رجوع إلى قسم ثقافة ومعارف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق