بيع العملات بالشيك حال شح السيولة في المصارف.

الرجوع إلى قسم سؤال وجواب

طلب مني سائل الاطلاع على فتوى الشيخ عبد الله الزبير قبل أيام فلم أتمكن، ثم رأيت اليوم جدلاً حولها في مجموعة فيها عوام ومجموعة أخرى فيها مشايخ وطلاب علم، فرأيت أن أقرأها بتأمل، ثم كتبتُ حولها التعليقات التالية.


بين الشيخ حفظه الله تعالى أنَّ بيع الدولارات بالشيكات في الظروف الحالية يوقع في ربا الصرف ومفاسد اقتصادية ومعيشية، وقد أجاد وأفاد جزاه الله خيراً، ولكن يرد على فتواه تنبيه وملاحظة.
واضح أن الشيخ يرى عدم جواز بيع الدولارت بالشيك في الحالات الطبيعية ولكنه يرى أنه رأي فقهي معتبر من حيث اعتباره تقابضاً حُكمياً له حكم التقابض الحقيقي، ومع أنني أرى أن التقابض الحُكمي له حكم الحقيقي إلا أن الشيخ لم يقصد الحديث في هذه المسألة في فتواه هذه.
ففتوى الشيخ حفظه الله ورعاه مختصة بالظرف الحالي؛ وهو شح السيولة في المصارف، وخلاصة كلامه أن التقابض منتف في هذه الحالة تماماً سواءٌ الحُكمي أو الحقيقي، وكلامه صحيح فيما يبدو لي، وكذلك الأضرار الاقتصادية والمعيشية التي أشار إليها كلها صحيحة فيما يبدو لي.
فكل تعليلاته قيمة وصحيحة عدا منع بيع العملات بالشيك في الأحوال الطبيعية، وهذه مسألة فرعية ليست مرادة من فتواه هذه، وتدل تعليلاته على تمكن من مسائل الربا، ولكن يرد على الفتوى تنبيه وملاحظة.
التنبيه؛ ربما يكون الحال حاجياً في حق بعض الأفراد، فلو لم يستطع الفرد تحويل عملاته الأجنبية إلا عبر هذه المعاملة فإنها تجوز في حقه للحاجة، والملام في هذه المعاملة قد يكون واضع القرارات البنكية والاقتصادية في الدولة، فيبدو أن هذه المعاملة تحايل من واضعي القرارات البنكية بالبلد لضمان توريد العملات الأجنبية للبنوك وصرف الناس عن السوق الموازي، ولدي كلام حول  منع الناس من السوق الموازي في جوابي على السؤال السابق.
والصحيح أن الربا محرم لغيره في الربويات في حالتين وهما؛ ربا الفضل وربا النسيئة إذا اختلف الجنسان، ويعد محرماً لذاته بل من الموبقات إذا اتحد الجنس كبيع أو إقراض الدولار بالدولار لأجَلٍ مع الزيادة، وفي غير الربويات يترجح قول الإمام مالك رحمه الله تعالى وهو اتحاد الغرض والمنفعة أيضاً مع اتحاد الجنس، ولذا جاز البعير بالبعيرين، وفي القاعدة المجمع عليها؛ كل قرض جر نفعاً فهو ربا.
فلأن هذه المعاملة من المحرم لغيره فإنها تباح للحاجة وليس فقط للضرورة، والحاجة هي حالة الافتقار لتحقيق مصلحة أو رفع مشقة أو دفعها، والضرورة هي حالة الافتقار إلى دفع ضرر أو رفعه، والمحرم تحريم وسائل يباح للحاجة كما قرر ذلك العُلماء، ولا يباح المحرم لذاته إلا للضرورة.
الملاحظة؛ قول الشيخ: (والتأجيل مفسد للصرف باتفاق)، فالصحيح أنه مفسد للصرف باتفاق في حالة واحدة فقط وهي اتحاد الجنس مع الزيادة، لأنه يدخل فيما يسميه الفقهاء مجازاً ربا القروض المتفق عليه، وشرطه في غير الربويات كما سبق إضافةً إلى اتحاد الجنس اتحاد الغرض والمنفعة على قول الإمام مالك رحمه الله تعالى.
وأما مع اختلاف الجنس كدولار بجنيهات فالمسألة ليست محل اتفاق، ولكن الراجح قياس الأوراق النقدية على الذهب والفضة وهو مذهب كثير من الشافعية منقول عن الإمام غير أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يرى أن علة الثمنية قاصرة في عهده لا تتعدى إلى الفلوس (مصكوكة من النحاس كان يشترى بها المحقرات فقط)، والتعليل بالثمنية مروي عن الإمام مالك رحمه الله تعالى، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره من العلماء، والصحيح قياس الأوراق النقدية على النقدين بعلة الثمنية.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الخميس 8 جمادى الثاني 1440هـ، 14 فبراير 2019م.
pdf
الرجوع إلى قسم سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق