الرقى بالمعاني الرمزية والمقيدة بعدد

السؤال؛ يذكر عن ابن تيمية عليه رحمة الله أنه كان يكتب للمتعسرة في الولادة: "إذا السماء انشقت"، وفي الجريح "وغيض الماء وقضي الأمر"، هل هذا على جهة الرقية؟ وكيف يخرج ذلك كله؟ شكر الله لشيخنا وبارك فيه.
الجواب؛ ولك شكر الله، وفيك بارك.
الأصل في الرقى الإطلاق ولا تقيد بالصيغ المأثورة.
فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرِضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك))، صحيح مسلم (٢٢٠٠).
ولهذا نص أهل العلم على أن الرقية تعرف بالتجربة.
ولكن التجارب عموماً لابد أن تُبنى على دراسات علمية معقولة المعنى شرعاً وحساً.
والرقية فيها معنى العبادة والعادة، لأن فيها تداوٍ بمثل السدر الذي قيل إنه يؤذي الشياطين ونحو ذلك.
والعادة لابد أن تكون معقولة المعنى، فالدراسات الطبية مثلاً، مبنية على معقول المعنى، ولا تعد التجارب في كل المعارف البشرية صحيحة ما لم تبن على دراسات علمية معقولة المعنى.
ويُشترط في معاني القرآن الاجتهادية والتدبرية أن يحتملها اللفظ العربي. 
ومن الضلال البيِّن جعل نصوص القرآن رمزية المعنى، وهذه طريقة الزنادقة في تفسير القرآن.
والمعاني الرمزية هي التي لا يحتملها اللفظ العربي.
مثال؛ ادعاء بعض الزنادقة أن البقرة التي أمر الله تعالى بني إسرائيل بذبحها هي عائشة رضي الله عنها.
فلا تصح الرقية بمعانٍ رمزية للآيات مثل قراءة؛ {إذا السماء انشقت} للحامل التي تعسر وضع حملها، وإن نقل ذلك عن بعض العلماء الأجلاء، فإن هؤلاء العلماء قد نهونا عن تقليدهم.
ومن علامات صدق محبتنا لعلمائنا الأجلاء أن نتبعهم في أصولهم ولا نتعصب لفروعهم التي تخالفها، ومن تلك الأصول؛ نهيهم عن تقليدهم وأمرهم إيانا باتباع الوحيين والتمسك بإجماع السلف وترك كل محدثة وبدعة في الدين.
ومن طرق السحرة والكهنة استخدام الأعداد.
فلديهم ما يُعرف بحساب الجُمَّل، ولعله مبني على أحرف أبجد هوز، بإعطاء كل حرف رقماً معيناً.
ومن استخداماتهم في ذلك؛ حساب أرقام من اسم الشخص واسم والدته.
وقيل إن بعض الأرقام ترمز إلى أسماء شياطين.
ولذا فلا يصح ما نقل عن أحد التابعين من استخدام سبع ورقات من السدر، وليس الإشكال في السدر، فقيل إنه يؤذي الشياطين، وإنما في العدد.
فقد روي عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى في علاج السحر أنه تؤخذ سبع ورقات من السدر الأخضر ثم تدق بين حجرين، ثم تضرب بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل (السور الثلاث الأخيرة من القرآن وسورة الكافرون) ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به.
فالاجتهاد العادي والشرعي استنباطاً واستخراجاً لابد أن يكون المعنى فيه معقولاً.
ولا يجوز التزام عدد معين للرقية أو الاعتقاد بأن فيه سر، وذلك لأن العدد غير معقول المعنى، فلا يمكن أن يعرف بالتجربة، ولا يصح أن يكون علة لقياس شرعي.
فالعلل المستخرجة يشترط أن تكون مناسبة، ومعنى مناسبة؛ تضمنها للحِكم والمقاصد.
مثال؛ السفر علة نصية، ورفع المشقة حِكمة نصية، وذلك في حكم جواز الفطر في نهار رمضان، والسفر مظنة المشقة، فعلة السفر مناسبة لتضمنها مقصد رفع المشقة.
ولمن له أسس معرفية شرعية من العوام أن يستخرج معانٍ ليس لها تأثير في الأحكام الشرعية، مثل الحِكم والمقاصد للأحكام المعلومة، فإن هذا لا يسمى اجتهاداً في الاصطلاح، فيُشترط ألا يجعل المقاصد التدبرية عللاً تدور عليها الأحكام الاجتهادية، ويُشترط أن تكون المعاني مبنية على معرفة لغوية وشرعية.
وذلك لأن الجميع مأمورون بتدبر آيات القرآن: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
وبناءاً على ما سبق فإن كل رقية مفهومة المعنى ومعقولة المعنى ومجربة وليس فيها مخالفة شرعية فهي رقية شرعية صحيحة.
وكل رقية فيها مخالفة شرعية أو غير مفهومة المعنى أو غير معقولة المعنى فهي رقية مبتدعة غير شرعية.
فلا يجوز في الرقية جعل معاني الآيات رمزية ولا التزام عدد معين من غير دليل شرعي.
وأما التأثير الإيجابي لهذه الطرق غير المشروعة؛ فقد يكون من تلبيس الشياطين على الرقاة، فيخرج الشيطان أو يكمن لفترة، أو يتمكن من التحدث بلسان الإنسان، أو يحرك أطرافه، ونحو ذلك، لإضلال الناس وإغوائهم.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق