رجاء لا تمني

ملخص؛ الحكم المنتخب رجاء لا تمني، وبالسعي الشرعي له يحققه الله كله أو بعضه أو يثيب المحتسب.
كنت أخشى منذ سنوات أن يستمر عدم الاستقرار السياسي المفضي إلى وضع أسوأ، ولم أستبعد احتمال الحرب.
ولذا ظللت أكرر الدعوة لصيغة جديدة للحكم بديلة لما كررنا تجربته منذ الاستقلال من ديمقراطيات حزبية وحكومات عسكرية.
والصيغة الجديدة هي صيغة شرعية للحكم المنتخب، وقد ظن بعضٌ أنها أماني وأحلام.
ولعل من أسباب هذا الظن أن الشرع ليس فيه غش وخداع مع اعتقاد كثيرين أنه لا سياسة بدون غش وخداع.
ومن أسبابه أيضاً أن الناس يعلمون أن معظم حكومات العالم عبر التاريخ البشري وإلى يومنا هذا حكومات جبرية مع اختلافها في شدة تحكمها.
فما من بلد ديمقراطي حزبي إلا وفيه تحكم خفي عبر لوبي سري، فكما أن للماسونية في الغرب وجه علني وآخر سري، فللأحزاب السياسية في الشرق والغرب وجه سري مبني على نظام الخلايا الهرمية، وفيها عضوية سرية.
ولا شك أن الشرع مبني على الصدق، ولكن الصدق يصحبه الرجاء وليس الأمنية والحلم.
فالحكم المتسلط (الدكتاتوري) عقوبة، ولن يرتفع إلا بارتفاع سببه.
قال النبي ﷺ: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم).
وفي أكثر العقوبات الدنيوية رحمة، فالشعوب التي استشرى فيها الظلم والقسوة لا يُمكن حكمها بالعدل والرحمة.
فإن قيل؛ فكيف تكون الدعوة لحكم منتخب صادقة إذن؟ فجوابه أنه لا تعارض، فكما أن المريض يسعى للعلاج مع أنه يعلم أنه ابتلاء لتكفير الذنوب ورفع الدرجات، فكذلك السعي بطرق شرعية لإقامة حكم منتخب.
والسعي لحكم منتخب لن يجدي بدون دعوة الناس إلى الرحمة ببعضهم والعدل فيما بينهم، فالجزاء من جنس العمل.
ومن موجبات الدعوة لحكم منتخب تأليف قلوب الناس لدعاة الشريعة، فالنفس البشرية الأبية مجبولة على حب الكرامة والنفور من القهر والظلم.
ولذا تستغل اللوبيات الحزبية هذه الفطرة السليمة.
والشعوب لا ينطلي عليها هذا الخداع، ولكنها تعلم أن المخادع مضطر لتحقيق بعض وعوده واحترام كرامة غالب شعبه.
فالغالب من الشعوب الغربية والشرقية لا يهتمون كثيراً باستئثار بعضٍ بالسلطة لرغبتهم عنها، بل لا يهمهم كثيراً استئثار بعضٍ بالثروة إذا وجدوا اقتصاداً قوياً يجدون في ظله رواتب مجزية واستثمارات مغنية.
فالأثرة في الغرب واضحة لكل ذي عينين، بل قيل إن بضعاً وثمانين يملكون معظم ثروات العالم، وأن أغلبهم ينتمون للوبي المستأثر بالسلطة الحقيقية والثروة في الغرب.
ولعلم الشعوب الغربية بالخدعة لا تزيد نسبة من يصوت منها عن ٥٥٪ غالباً، ومن يصوت فلغرض معين (أخف الضررين).
فإن قيل؛ ألا نسعى مثل الغرب لاقتصاد قوي بحكم ديمقراطي حزبي مدار؟ فجوابه بأمور منها التالي؛
١. أن الغش محرم، ويُرجى بالسعي الشرعي أن يحقق الله لنا ولو شيئاً مما نرجو، فإن لم يتحقق فإننا نؤجر على سعينا.
وأما إذا سعينا بالخداع والغش فإننا نأثم وقد لا نحقق شيئاً مما نتمنى.
٢. أن ضعفنا يعين عدونا على استغلال تحزبنا (تفرقنا) السياسي وزيادته، وعلى رشوة ضعاف النفوس من قادة أحزابنا، فيزعزع استقرار وأمن أوطاننا.
ويستغل عدونا ضعفنا وتفرقنا لإفشال تكرار فوز من حقق نجاحات من أحزابنا بنحو الضغوط الاقتصادية، وفي شعوبنا ضعف في الإيمان وجهل بالشرع يحملانها على التصويت للعلمانيين والعملاء عندما تضيق معيشتها.
ويسهل النظام  الحزبي لأعدائنا تشويه من لا يخدم مصالحهم من أحزابنا إعلامياً، وذلك لأنه لا يستقر بدون إدارة خفية، وتتم الإدارة الخفية بتمكين لوبي الحزب الفائز من مفاصل الدولة مما يوقعه في ظلم من لا ينتسب له.
والصيغة البديلة مشروحة في كتاب؛ التَّشْوَقِيَّة الشرعية بديلاً للديمقراطية الوضعية [١].
ولا يوجد استقرار مع ديمقراطية حزبية حقيقية، فالملاحظ في عصرنا أن كل الدول المستقرة إما ملكية محضة أو ملكية حزبية أو حزبية محضة مدارة في الخفاء.
ولذا تنادي التَّشْوَقة بتحويل الأحزاب السياسية إلى جماعات نصح سياسية، وهي غير حزبية لأنها لا تسعى لسلطة بترشيحات ولا محاصصات ولا انقلابات ولا انفصال.
ومن آلياتها؛  الانتخابات الهرمية، وهي انتخابات عامة تختلف قليلاً عن المتبعة في الديمقراطية الحزبية في شكلها وكثيراً في جوهرها، وهي آلية مبنية على كلام علمائنا سلفاً وخلفاً في أهل الحل والعقد وشروطهم.
والدعاية الانتخابية في الانتخاب الهرمي مباشرة مثل التسويق المباشر، ولا حاجة فيها للحملات الإعلامية التي يحتكرها مالكو المال وموجهو الإعلام، وهم المسيطرون على ركائز السلطة، وبهذا وأمثاله يتم التحكم الخفي.
والدعاية الانتخابية في الانتخاب الهرمي مباشرة مثل التسويق المباشر.
 والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

[١] أربع رسائل إصلاحية في السياسة الشرعية؛ رابط المدونة، رابط pdf.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق