مهما يكن الحزبيون!

وردني اعتراض على كلمة "ولو كانت سلفية!" في ذم الحزبية، فأعرضت عنه، ولكنه تكرر من عدد من الفضلاء، فكتبت التالي؛
من دوافعي لكتابة هذه الكلمة تنبيه الناس لا سيما الحزبيين كالقحاتة والحركيين أن السلفيين ليسوا متحيزين.
فالناس يعلمون أن ثمة أحزاب ينتسب أصحابها للسلفية في السودان وخارجه.
فنحن ندعو إخواننا السودانيين المسلمين عموماً سواءاً كانوا متصوفة أو سلفيين أو إخوان مسلمين أو قحاتة مسلمين غير علمانيين لأن نتوحد في نظامنا السياسي.
فالأمر عندنا عقيدة لا تحيز فيها، فعقيدة أهل السنة طاعة كل بر وفاجر وسني ومبتدع من الحكام.
بل أدعو كل السودانيين بمن فيهم النصارى والوثنيين لأن يكون حزبنا السياسي واحداً هو السودان، فالذمة تعني العهد، وفي حالنا هو ميثاقنا الوطني.
بل تشمل الدعوة العلمانيين الذين لا يتظاهرون بالإسلام ولا ينسبون العلمانية إليه.
فأرى أنه لا يقتل من المرتدين إلا الزنديق والمحرف للشرائع الظاهرة المتواترة، ويقاتل الممتنعون عنها، ولا يقتل كل مرتد محارب، فمنهم من تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ومن ينفى من أرض قراره بحبس أو طرد من الوطن، فالنصوص تدل على أن حكمه مثل المحارب المسلم والذمي [١].
ولكن أنبه إلى أن تكفير المعين بمفصل الإيمان كالعلمانية ودعاء المخلوق خاص بالقضاء والعلماء.
وأما مجمل الإيمان كمن يطعن في الدين ويدعي الإسلام فالحكم بزندقته واضح.
قد يبدو الأمر واضحاً بسبب أن علاقة الدين بالدولة من الضرورات الدينية التي لا يجهلها مسلم، بل لا يكاد يجهلها كافر، فكل الناس يعرفون أن النبي ﷺ أقام دولة سار على نهجها خلفاؤه الراشدون.
ولكن في الأمر تفصيلات علمية شرعية لا يدركها كثير من طلبة العلم بله العوام.
ولذا قد يفضل ألا يصرح حتى العلماء بتكفير من ارتد بمفصل الإيمان لكيلا يُجرِّؤوا العامة على التكفير، لأن العامي قد يعمم الحكم على من لديه شبهة كشبهة ربا الأوراق النقدية، ومن يصوت للعلمانيين (يقرهم على العلمانية ولكنه لا يقر بها)، ومن ينتمي لحزب علماني بشبهة، ونحوهم ممن لا يجوز الحكم بتكفيرهم بأعيانهم.
والردة عن أصل الدين أغلط، ولكن الردة عن بعض شرائعه أخطر، كمانعي الزكاة الذين سماهم الصحابة رضي الله عنهم مرتدين.
وسبق بيان سبب خطورة الردة عن بعض شعائر الدين، وهي أن الخطر الداخلي أبلغ من الخطر الخارجي، سواء كان من الزنادقة أو المنافقين أو حتى ممن في قلوبهم مرض من المؤمنين الذين سولت لهم أنفسهم معاونة الكفار على المسلمين.
ونحن نملك إصلاح الداخل أكثر من الخارج لا سيما مع ضعفنا وتفوق الكفار في عصرنا.
فلنبدأ بإصلاح أنفسنا وتمييز صفوفنا وتنقيتها من الزنادقة والمنافقين والعملاء والخونة.
قال الله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾.
وأقول للذين يدعون إلى توحد المسلمين في حزب سياسي؛ ألا تتعظون بما حدث بينكم من تفرق؟ وأليست وحدة الأمة في دعوتها للتوحد في نظامها السياسي؟
فمن أسباب تفرق بعض الجماعات السلفية والإخوانية تنافس بعض قياداتها على وظائف سياسية عليا، ولأن التحزب معصية ظاهرة لمن تأمل وتجرد.
قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.
ومن المنكرات تعميم القول بالبعد عن السياسة، فالسياسة المذمومة هي المخالفة للشرع، ومنها التحزب الذي من أسمائه تعلم مخالفته، فهو معترك وتحزب وخوض ولعب قذر.
فلابد من ضبط الألفاظ وترك التعميم، فلا يجوز مثلاً إطلاق القول بأن الزنا مكروه مع كونه مبغوض لغة.
ولابد من اعتبار اختلاف الحال، فشيخنا الألباني رحمه الله كان في سوريا، ومعروف ما فيها من تضييق على الدعوة، ثم ضيق عليه في الأردن، فقوله "من السياسة ترك السياسة" حق لا يخلو من مداراة.
ومن لا يعلم أن الاتفاق الإطاري سبب مباشر للحرب؟ والمتمرد نفسه يصرح بذلك وينادي بالديمقراطية، فلم يقال بعيداً عن السياسة؟
متى نرعوي، وقد كادت بلادنا أن تضيع بسبب التحزب وبعد الأخيار عن السياسة؟
وأكرر الدعوة إلى تعددية سياسية جماعية قوامها جماعات نصح سياسية غير حزبية في السياسة (لا تسعى لسلطة)، وحول معنى الحزب أنقل التالي [٢]؛
الحزب هو الجماعة التي تتعارض مصالحها مع آخرين وبالتالي يُعقد عليه ولاء وبراء.
ومما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، والولاء والبراء هما سبب الغلبة لما فيهما من تناصر على الأعداء.
وفي الآية معنى تعارض مصلحة حفظ الدين مع ولاء الكفار، لحصر الولاء بسابقتها؛ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
والولاء الشرعي هو كل اقتراب معنوي أو حسي له أثر في الاستقامة على الدين أو نصرته.
وأنقل التالي أيضاً [٣]؛
والتحزب تفرق، فمن معانيه القسمة لأحزاب، وهذا من معانيه في منشأ الأحزاب السياسية، فالحزبية بالإنجليزية (partisanism)، والحزب (party)، والحزبي (partisan).
والتقسيم إلى جماعات عصبية تفريق، ولذا يقال التحزب والتفرق.
فكل حزب جماعة وليست كل جماعة حزباً، وللتوضيح بمثال؛ اتحاد الطلاب جماعة لا تعادي اتحادات الطلاب الأخرى. 
وقد أثبتت الدراسات والتجارب الغربية أن الأحزاب تفسد المنظمات المدنية، وجامعة لوند التي درست فيها تمنع السياسة الحزبية داخلها، وربما يكون هذا عام في الغرب.
وإذا كان التحزب يفسد المنظمات المدنية الخدمية، فهو بلا شك يفسد الخدمة المدنية الحكومية إذا لم يكن مداراً سراً.
ولذا دعوت كخطة مرحلية إلى أن تنافس الجماعة السياسة غير الحزبية المقترحة الأحزاب في السيطرة على المنظمات المدنية لإبعادها من استغلالها في السياسة والمحافظة على وظيفتها الخدمية.
وحرب التحزب السياسي هو واجب شرعي ووطني، هذا مع الاعتراف بفضل أحزاب سياسية والدعوة للاستفادة من طاقات شبابها وحكمة شيوخها.
وذلك بتحويل الأحزاب السياسية إلى جماعات نصح سياسية، مجال عملها يشمل جميع مجالات الأحزاب السياسية غير أنها لاتسعى لسلطة بترشيحات ولا محاصصات ولا انقلابات.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق