من أقوال العلماء في المسألة

ممن قال بتقدير الصلاة والصوم عندما يطول النهار جداً مع وجود الشروق والغروب خلال أربعٍ وعشرين ساعة ممن علم بحال هذه البلاد من الشافعية؛ الشيخ أبوحامد الغزالي، والزركشي، وابن العماد، كما نقل ذلك ابن حجر الهيتمي في كتابه تحفة المحتاج في شرح المنهاج، رحمهم الله جميعاً.
وقد نص الغزالي رحمه الله على تقدير الصلاة والصوم إذا لم يزد طول الليل على ما بين المغرب والعشاء، ويقدر هذا بنهار طوله اثنان وعشرون ساعة ونصف الساعة.
وكتاب المنهاج هو للنووي رحمه الله، وابن حجر الهيتمي رحمه الله بالتاء فقيه مصري شافعي (909هـ-973هـ).
وقد نص على أن القول بتقدير الصوم محتمل للصواب مع وجود الليل خلال أربع وعشرين ساعة ابن عابدين الحنفي في رد المحتار.
وممن أفتى بالتقدير مع تمايز الليل والنهار خلال أربعٍ وعشرين ساعة من المعاصرين؛ الزرقا رحمه الله، وشلتوت وجاد الحق رحمهما الله تعالى وغيرهما من مشايخ الأزهر، ودار الإفتاء المصرية، ودار الإفتاء الأردنية.
الغزالي الشافعي
قال السيوطي الشافعي رحمه الله تعالى: "وسئل الشيخ أبو حامد عن بلاد بلغار كيف يصلون؟ فإنه ذكر أن الشمس لا تغرب عندهم إلا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع، فقال: يعتبر صومهم وصلاتهم بأقرب البلاد إليهم" [1].
وقال أيضاً: " قال الزركشي في [الخادم ]: وعلى هذا يحكم لهم في رمضان بأنهم يأكلون بالليل إلى وقت طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم، ثم يمسكون ويفطرون بالنهار كذلك قبل غروب الشمس إذا غربت عند غيرهم، كما يأكل المسلمون ويصومون في أيام الدجال " [2].
الزركشي وابن العماد
قال ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى: ( (تَنْبِيهٌ) لَوْ عُدِمَ وَقْتُ الْعِشَاءِ، كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ كَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلَوْ لَمْ تَغِبْ إلَّا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، فَأَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمْ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ يَلِيهِمْ. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ فِي الصَّوْمِ لَيْلَهُمْ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ، ثُمَّ يُمْسِكُونَ إلَى الْغُرُوبِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ. وَمَا قَالَاهُ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ لَمْ تَسَعْ مُدَّةَ غَيْبُوبَتِهَا أَكَلَ مَا يُقِيمُ بِنْيَةَ الصَّائِمِ، لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَهُمْ، فَاضْطَرَرْنَا إلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. بِخِلَافِ مَا إذَا وَسِعَ ذَلِكَ. وَلَيْسَ هَذَا حِينَئِذٍ كَأَيَّامِ الدَّجَّالِ لِوُجُودِ اللَّيْلِ هُنَا وَإِنْ قَصُرَ. وَلَوْ لَمْ يَسَعْ ذَلِكَ إلَّا قَدْرُ الْمَغْرِبِ أَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ قَدَّمَ أَكْلَهُ وَقَضَى الْمَغْرِبَ فِيمَا يَظْهَرُ.) [3].
تقدَّم أنَّ ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى ربما قصد بعدم وجود الليل في أيام الدجَّال؛ عدم وجوده في الأيام الاعتيادية التي بمقدار أربع وعشرين ساعة في الأيام غير الاعتيادية التي كسنة وكشهر وكأسبوع. وأمَّا اليوم غير الاعتيادي الذي بمقدار سنة ففيه ليل، وتقدم أنَّ العلة ليست انعدام العلامات في كل يوم معتاد من اليوم غير الاعتيادي الأول، وإنما هي اختلال العلامات في ذلك اليوم غير الاعتيادي الطويل الذي بمقدار سنة.
ابن نجيم الحنفي
قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى: "(قوله: ومن لم يجد وقتهما لم يجبا) أي العشاء والوتر كما لو كان في بلد يطلع فيه الفجر قبل أن يغيب الشفق كبلغار وفي أقصر ليالي السنة فيما حكاه معجم صاحب البلدان لعدم السبب وأفتى به البقالي كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين، وأفتى بعضهم بوجوبها" [4].
ابن عابدين الحنفي
قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله تعالى: (لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنيته، ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم; لأنه يؤدي إلى الهلاك. فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يقدر ليلهم بأقرب البلاد إليهم كما قاله الشافعية هنا أيضا، أم يقدر لهم بما يسع الأكل والشرب، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء؟ كل محتمل، فليتأمل.
ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلاً كالعشاء عند القائل به فيها; لأن علة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب، وفي الصوم قد وجد السبب وهو شهود جزء من الشهر وطلوع فجر كل يوم، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم " [5].
ابن عرفة المالكي
قال ابن عرفة المالكي رحمه الله تعالى: "ما ذكره المصنف من أن مبدأ المختار للظهر من زوال الشمس إلى هنا كله بالنسبة لغير زمن الدجال، وأما في زمنه فيقدر للظهر وغيرها بالنسبة لغير زمانه.
ثم إن بعض البلاد السنة فيها يوم وليلة، وحينئذ فيقدِّرون لكل صلاة كزمن الدجال.
وفي بعض البلاد الليل من المغرب للعشاء، فيخرج الفجر وقت العشاء، فعند الحنفية تسقط عنهم العشاء، وعند الشافعية يقدرون بأقرب البلاد إليهم.
ولا نص عندنا، ولكن استظهر بعضهم الرجوع في ذلك لمذهب الشافعي، كذا قرر شيخنا" [6].
محمد رشيد رضا
قال محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: " وقد ذكر الفقهاء مسألة التقدير بعدما عرفوا بعض البلاد التي يطول ليلها ويقصر نهارها والبلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، واختلفوا في التقدير على أي البلاد يكون فقيل على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع كمكة والمدينة، وقيل على أقرب بلاد معتدلة إليهم، وكل منهما جائز فإنه اجتهادي لا نص فيه" [7].
دار الإفتاء المصرية والأردنية وعدد من المشايخ
أفتت دار الإفتاء المصرية بتقدير الصوم إذا طال النهار جداً مع تمايز الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة، ونسبت هذه الفتوى إلى دائرة الإفتاء بالمملكة الأردنية الهاشمية وعدد من المشايخ ذكرت منهم؛ الشيخ عبد اللطيف حمزة، والشيخ محمد سيد طنطاوي، والشيخ نصر، والشيخ محمد الأحمدي أبو النور،  [8].
شلتوت
قال الشيخ شلتوت رحمه الله تعالى: (ولا ريب أن الجرْي في هذه الجهات على بيان الأوقات التي عُرفت للصلاة والصوم يُؤدي إلى أن يُصلي المسلم في يومه وليلته وهو سنة كاملة خمسَ صلوات فقط مُوزعة على خمسة أوقات من السنة كلها، ويُؤدي كذلك في بعض الجهات إلى أن تكون الصلوات المفروضة أربعًا أو أقل، على حسب طول النهار وقِصَرِه، وكذلك يُؤدِّي إلى أن يُكلَّف المسلم في تلك الجهات صومَ رمضان ولا رمضانَ عنده، وفي بعضها يُؤدي إلى صوم ثلاث وعشرين ساعة من أربع وعشرين ساعة، وكلُّ هذا تكليف تَأْبَاهُ الحِكمة من أحكم الحاكمين والرحمة من أرحم الرحماء) [9].
وممن قال بتقدير الصلاة والصوم مع تمايز الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة من المعاصرين الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى في تعقيبه على قرار المجمَّع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان رحمه الله من أعضائه.
ومما قال الشيخ الزرقا رحمه الله تعالى ي هذه المسألة: (وليس من المعقول توزيع صلوات النهار أو الليل على مدة نصف ساعة مثلاً، ولا من المعقول صيام ساعة وإفطار ثلاث وعشرين، كان رأيي أن تتخذ إحدى قاعدتين لهذه البلاد النائية شمالاً وجنوباً؛ إما أن يعتمد لها جميعاً أوقات مهد الإسلام الذي جاء فيه، ووردت على أساسه الأحاديث النبوية، وهو الحجاز، فيؤخذ أطول ما يصل إليه ليل الحجاز ونهاره شتاءً، أو صيفاً فيطبق على أهل تلك البلاد النائية في الصوم والإفطار وتوزيع الصلوات) [10].
جاد الحق
قال جاد الحق رحمه الله: (استقراء أقوال فقهاء هذه المذاهب على نحو ما سبق يشير إلى وجوب الصوم على المسلمين المقيمين فى تلك البلاد التى يطول فيها النهار ويقصر الليل على الوجه المسئول عنه، وأن هؤلاء المسلمين بالخيار بين أمرين لا ثالث لهما أحدهما أن يتخذوا من مواقيت البلاد المعتدلة التى نزل فيها التشريع الإسلامى (مكة والمدينة) معياراً للصوم ) [11].
محمد حميد الله
وقال د. محمد الهواري في بحث في هذه المسألة: (وللدكتور محمد حميد الله رحمه الله رأي مشابه لرأي الشيخ الزرقا نشره في كتابه الإسلام (عام 1970م) حيث اعتبر أن الحد الأدنى للنهار 8 ساعات والحد الأعلى 16 ساعة، يجب أن توزع فيها مواقيت الصلاة صيفاً وشتاءاً) [12].

المصادر

[1] الحاوي للفتاوي (ج2/ص368) » الفتاوى النحوية وما ضم إليها » تعريف الفئة بأجوبة الأسئلة المائة » السؤال السابع عشر والثامن عشر، الناشر؛ دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، عام النشر؛ 1424 هـ - 2004 م.
[2] الحاوي للفتاوي (ج2/ص384) » الفتاوى النحوية وما ضم إليها » تعريف الفئة بأجوبة الأسئلة المائة » السؤال التاسع والخمسون والستون، الناشر؛ دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، عام النشر؛ 1424 هـ - 2004 م.
[3] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (ج1/ص369)  » كتاب الصلاة » وقت العشاء » الحاشية رقم 1 حاشية الشبراملسي، الناشر؛ دار الفكر، بيروت الطبعة؛ ط أخيرة، 1404هـ/1984م.
[4] البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج1/ص259) » كتاب الصلاة » أوقات الصلاة » وقت صلاة العشاء، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية.
[5] رد المحتار على الدر المختار (ج1/ص366) » كتاب الصلاة » مطلب في فاقد وقت العشاء كأهل بلغار، الناشر؛ دار الفكر، بيروت الطبعة الثانية، 1412هـ - 1992م.
[6] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (ج1/ص179) » باب في بيان أوقات الصلاة وما يتعلق بذلك من الأحكام » بيان أوقات الصلاة، الناشر؛ دار الفكر، بدون طبعة، وبدون تاريخ.
[7] تفسير المنار (ج2/ص131) » سورة البقرة » تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون » (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، الناشر؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر؛ 1990 م.
[8] دار الإفتاء المصرية » الفتاوى » عبادات  » الصوم »الصيام في دول الشمال الإسكندنافية.
[9] دار الإفتاء المصرية » فتاوى بحثية » الصيام في الأماكن التي يقصر فيها الليل.
[10] البشير » دراسات علمية » اختلاف ساعات الصيام في خطوط العرض العالية.
[11] دار الإفتاء المصرية » من أحكام الصيام وما يتعلق به » بدء الصيام وانتهاؤه فى النرويج.
[12] البشير » دراسات علمية » اختلاف ساعات الصيام في خطوط العرض العالية.
pdf
الاجتهاد قد يتعين       المحتويات       بلاد اختلال الأوقات وسببه وأمثلته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق