ترك رعاية أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة يعني السماح بإظهار الكفر الأكبر الصريح، وقد أجمع العلماء على جواز الخروج إذا كفر السلطان، وأما مجرَّد السماح بظهور الكفر الصريح؛ فظاهر النص والإجماع جواز الخروج بذلك.
والكفر الصريح هو غير المحتمل سواءٌ من جهة أصل المسألة أو من جهة التأويل، ومن أمثلة الكفر الصريح المناقض لمقصود الولاية؛ سب دين الإسلام ورسوله وإنكار الشعائر الظاهرة المتواترة المعلومة.
ولا شك أن من فعل ذلك فهو كافر بعينه، ولكن الكلام هنا ليس عن صدور الكفر الصريح من السلطان، وإنما عن سماح السلطان بظهور الكفر الصريح، لأن التأويل محتمل في السماح بإظهار الكفر الصريح.
ومثال الكفر المحتمل من حيث أصل المسألة معاونة مشركين على مسلمين والاستهزاء بالدين على سبيل المزاح، ومثال المحتمل من جهة التأويل القول بأن القرآن مخلوق وإنكار أنه كلام الله.
لا يوجد نص صحيح صريح ولا إجماع ثابت على قصر جواز الخروج على ردة السلطان، فحديث؛ (وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان) يدل على مجرد ظهور الكفر الأكبر المعلوم.
بل دلَّت النصوص وحكاية الإجماع على اشتراط الكفر الأكبر أو ترك الصلاة في الناس، قال الحافظ النووي رحمه الله: (قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها) [1].
بل دلَّت النصوص وحكاية الإجماع على اشتراط الكفر الأكبر أو ترك الصلاة في الناس، قال الحافظ النووي رحمه الله: (قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها) [1].
تقدم أن الكفر الأكبر المخرج عن الملة هو اعتقاد جواز فصل الدين عن الدولة، وأن مجرد فصل الدين عن الدولة من غير اعتقاد جواز ذلك فسق عظيم قد يجيز الخروج على الدولة، وليس في هذا القول مخالفة للنصوص التي اشترطت ظهور الكفر الصريح للخروج، وذلك من وجهين؛
الأول؛ أن النصوص وأقوال العلماء السابقين كلها في النهي عن الخروج على أئمة يحرسون أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة، و كلها في أئمة لهم بيعة على ولاية إسلامية.
ولكن دلت النصوص على وجوب الوفاء بالعهود في العموم، وهذا يشمل العقود بين الناس وولاتهم على عقد على غير الولاية الإسلامية في بعض الظروف والأحوال؛ كما لو لم يكن العقد ابتداءاً على الإسلام، وكما لو لم يغدر النظام بنحو منع المسلمين من شعائر دينهم.
دل على ما سبق النصوص، مثل؛ (يقودكم بكتاب الله)، (ما أقام فيكم كتاب الله)، (ما أقاموا الدين)، (ما أقاموا فيكم الصلاة)، )، (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، والمقصود بكتاب الله والدين في النصوص أصل واجبات الكتاب والدين؛ الشهادتان والصلاة بجمع النصوص، والجماعة التي لم تتعاقد على حماية أصل الدين لا تسمى جماعة المسلمين وإن كان أفرادها مسلمون.
قال الملا علي القاري: "قال الطيبي: فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة وأن تركها موجب لنزع اليد عن الطاعة كالكفر" [2].
قيل في معنى (ما أقاموا فيكم الصلاة)؛ أقاموها علناً فيما بين أظهركم، ولعل الصحيح في معناها؛ أمروكم بها وجعلوها من شعائر وواجبات ولايتهم مثل؛ (ما أقام فيكم كتاب الله)، وهذا أظهر نَظَراً لكونه ظاهر النص ولبقية النصوص ولضرورة تعلق حُكم الخروج بواجبات الولاية ومحظوراتها لتعلق ذلك بمفاسد ومصالح الولاية لا بصلاح وفساد السلطان في نفسه.
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى في المصدر السابق: "(قال : لا) أي لا تنابذوهم (ما أقاموا فيكم الصلاة) أي مدة إقامتهم الصلاة فيما بينكم; لأنها علامة اجتماع الكلمة في الأمة".
ورواية (ما صلوا) تُفسَّر برواية (ما أقاموا فيكم الصلاة) لأن الأحاديث تُروى بالمعنى، وإذا رجحنا رواية (ما صلوا) فهي فيمن يجاهر بترك الصلاة، لتنزه الشريعة عن جعل مناط الأحكام خفياً، ولذا كان من شرط الكفر الأكبر المبيح للخروج الظهور بقوله "بواحاً" من باح بالسر إذا أظهره وأعلنه، يدل على ذلك رواية (ما أقاموا فيكم الصلاة).
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن خروج بعض التابعين على الحجاج إنما كان بسبب تغيير الشرع وإظهار الكفر، وتغيير الشرع في كلام السابقين يعني تغييره بالبدع وتحليل الحرام وتحريم الحلال لا بالتقنين العملي.
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: (وحجة الجمهور أنَّ قيامهم (يعني جماعة من التابعين) على الحجاج ليس بمجرد الفسق. بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر. قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم) [3].
وقاس بعضهم من غيّر قاعدة من قواعد الإسلام على من ترك الصلاة، وهذا يؤكد أن التغيير في كلام السابقين يعني الاستحلال أو الابتداع، وممن ذهب إلى هذا القياس من أهل العلم النووي رحمه الله حيث قال: (وأما قوله: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرَّد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام) [4].
ونسب القاضي عياض إلى الجمهور جواز الخروج على صاحب البدعة، يعني بذلك البدعة المكفرة لقوله: "وقال بعض البصريين: تنعقد له، وتستدام له؛ لأنه متأوِّل"، إشارة إلى أن المتأوِّل لا يكفر عيناً بالبدعة المكفِّرة.
قال الحافظ النووي رحمه الله: (قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة، قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له، وتستدام له؛ لأنه متأول، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك. فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر. ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه. فإن تحققوا العجز لم يجب القيام. وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه) [5].
الأول؛ أن النصوص وأقوال العلماء السابقين كلها في النهي عن الخروج على أئمة يحرسون أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة، و كلها في أئمة لهم بيعة على ولاية إسلامية.
ولكن دلت النصوص على وجوب الوفاء بالعهود في العموم، وهذا يشمل العقود بين الناس وولاتهم على عقد على غير الولاية الإسلامية في بعض الظروف والأحوال؛ كما لو لم يكن العقد ابتداءاً على الإسلام، وكما لو لم يغدر النظام بنحو منع المسلمين من شعائر دينهم.
دل على ما سبق النصوص، مثل؛ (يقودكم بكتاب الله)، (ما أقام فيكم كتاب الله)، (ما أقاموا الدين)، (ما أقاموا فيكم الصلاة)، )، (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، والمقصود بكتاب الله والدين في النصوص أصل واجبات الكتاب والدين؛ الشهادتان والصلاة بجمع النصوص، والجماعة التي لم تتعاقد على حماية أصل الدين لا تسمى جماعة المسلمين وإن كان أفرادها مسلمون.
والثاني؛ أن الفسق لو تعلق بأصل الدين فإنه لا يمنع الخروج، فترك الصلاة يبيح الخروج بالنصوص والإجماع، وترك الصلاة أحياناً ليس كفراً أكبر، والتحقق من أن السلطان تركها بالكلية متعسر إذا لم يكن متعذراً.
فعدم تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً إذا لم يكن بصفة دائمة هو القول الصحيح، فالصحيح أنه لا يكفر إلا من تركها بالكلية لا يركع ولا يسجد قط، وعلى هذا يُحْمل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كُفْر تارك الصلاة، وأما من يصلي أحياناً فالصحيح أنه لا يكفر.
ولهذا فالذي يظهر أنَّ حديث (ما صلوا) فيه شرط مضاف إلى شرط الكفر وأنه ليس شارحاً لحديث الكُفر البواح، وذلك لأن من الشروط الواردة في حديث الكفر البواح المعلومية وهي قوله (عندكم فيه من الله برهان)، والمختلف فيه ليس معلوماً على وجه اليقين.قال الملا علي القاري: "قال الطيبي: فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة وأن تركها موجب لنزع اليد عن الطاعة كالكفر" [2].
قيل في معنى (ما أقاموا فيكم الصلاة)؛ أقاموها علناً فيما بين أظهركم، ولعل الصحيح في معناها؛ أمروكم بها وجعلوها من شعائر وواجبات ولايتهم مثل؛ (ما أقام فيكم كتاب الله)، وهذا أظهر نَظَراً لكونه ظاهر النص ولبقية النصوص ولضرورة تعلق حُكم الخروج بواجبات الولاية ومحظوراتها لتعلق ذلك بمفاسد ومصالح الولاية لا بصلاح وفساد السلطان في نفسه.
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى في المصدر السابق: "(قال : لا) أي لا تنابذوهم (ما أقاموا فيكم الصلاة) أي مدة إقامتهم الصلاة فيما بينكم; لأنها علامة اجتماع الكلمة في الأمة".
ورواية (ما صلوا) تُفسَّر برواية (ما أقاموا فيكم الصلاة) لأن الأحاديث تُروى بالمعنى، وإذا رجحنا رواية (ما صلوا) فهي فيمن يجاهر بترك الصلاة، لتنزه الشريعة عن جعل مناط الأحكام خفياً، ولذا كان من شرط الكفر الأكبر المبيح للخروج الظهور بقوله "بواحاً" من باح بالسر إذا أظهره وأعلنه، يدل على ذلك رواية (ما أقاموا فيكم الصلاة).
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن خروج بعض التابعين على الحجاج إنما كان بسبب تغيير الشرع وإظهار الكفر، وتغيير الشرع في كلام السابقين يعني تغييره بالبدع وتحليل الحرام وتحريم الحلال لا بالتقنين العملي.
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: (وحجة الجمهور أنَّ قيامهم (يعني جماعة من التابعين) على الحجاج ليس بمجرد الفسق. بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر. قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم) [3].
وقاس بعضهم من غيّر قاعدة من قواعد الإسلام على من ترك الصلاة، وهذا يؤكد أن التغيير في كلام السابقين يعني الاستحلال أو الابتداع، وممن ذهب إلى هذا القياس من أهل العلم النووي رحمه الله حيث قال: (وأما قوله: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرَّد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام) [4].
ونسب القاضي عياض إلى الجمهور جواز الخروج على صاحب البدعة، يعني بذلك البدعة المكفرة لقوله: "وقال بعض البصريين: تنعقد له، وتستدام له؛ لأنه متأوِّل"، إشارة إلى أن المتأوِّل لا يكفر عيناً بالبدعة المكفِّرة.
قال الحافظ النووي رحمه الله: (قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة، قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له، وتستدام له؛ لأنه متأول، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك. فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر. ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه. فإن تحققوا العجز لم يجب القيام. وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه) [5].
وفي إطلاق القول بجواز الخروج على المبتدع بدعة مكفرة نظر، لأنه خلاف ما جرى عليه العمل عند أئمة السنة، ومذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى في عدم جواز الخروج على من قال بخلق القرآن هو بسبب كونه متأولاً ليس كافراً بعينه، ولحراسته أصل الدين، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الخروج على الواثق: (ليس هذا صواباً هذا خلاف الآثار) كما روى ذلك الخلال في السنة.
الخلاصة هي أنه يحرم الخروج على السلطان المسلم الحارس لأصل الدين ولو كان ظالماً أو فاسقاً فسقاً دون ترك إقامة الصلاة في الناس، ومعنى شرط إقامة الدين وإقامة كتاب الله الوارد في النصوص هو إقامة أصل الدين وأصل واجبات الكتاب، ووجود بدع مفكرة لا يجيز الخروج لأن صاحبها مقيم لأصل الشهادتين، وذلك جمعاً بين النصوص واستناداً على أقوال العلماء.
وليس المعنى مجرد السماح للمواطنين بالشهادتين والصلاة كما هو واضح من معنى إقامة كتاب الله والدين والصلاة والقيادة بكتاب الله، فهو صريح المنقول، وهو صريح المعقول أيضاً إذ لا معنى للزوم طاعة أو بيعة بموجب عقد الولاية الإسلامية من غير رعاية لأصل الدين.
ومن لم يعتنِ بأصل الشهادتين والصلاة في سلطانه فإنه لن يعتنِ بمنع ما يناقضهما كمن يغلب عقد المواطنة على عقد الإسلام، ولكن قد يحرم قتال من سمح بالدعوة وقد تجب طاعته في الخير، ولكن الطاعة هنا من أبواب أخرى كالعهود وتترتب عليها أحكام تلك العهود.
فالطاعة وتحريم الخروج على من لم يحرس أصل الدين ليست من باب طاعة السلطان بموجب عقد الولاية الإسلامية ولزوم البيعة الشرعية ولزوم جماعة المسلمين.
مراجع
[1] شرح صحيح مسلم (ج12/ص229)، دار إحياء التراث، بيروت، الطبعة الثانية.
[2] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (ج6/ص396)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى.
[3] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (ج12/ص229)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية.
[4] شرح صحيح مسلم للنووي (ج12/ص243-244)، الطبعة السابقة.
[5] شرح صحيح مسلم (ج12/ص229)، الطبعة السابقة.
[2] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (ج6/ص396)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى.
[3] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (ج12/ص229)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية.
[4] شرح صحيح مسلم للنووي (ج12/ص243-244)، الطبعة السابقة.
[5] شرح صحيح مسلم (ج12/ص229)، الطبعة السابقة.
الممتنعون عن الشرائع الظاهرة المتواترة المحتويات إذا أفسد السلطان بأكثر مما يصلح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق