حد السفر الشرعي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفطر في نهار رمضان للمسافر

من السفر بالوسائل الحديثة ما فيه مشقة، ومنه ما ليس فيه مشقة، بل في بعضه راحة أكثر من حال الحضر، والقول بأن كل سفر بالوسائل الحديثة مظنة مشقة فيه مجافاة واضحة للواقع.
والصحيح في حد السفر المبيح للفطر في نهار رمضان هو ما دل العرف على اعتباره سفراً وكان مظنة المشقة.
ولا يشترط حصول المشقة ولا يكفي مجرد خوف حصولها، بل لابد من السفر مع خوف المشقة.
وذلك لأن الله عز وجل جعل الحكم منوطاً بالسفر والمرض ولم يجعله منوطاً بحصول المشقة ولا بمجرد خوف حصولها.
فلم يقل الله تعالى؛ من وجد أو خاف مشقة فعدة من أيام أخر، بل قال: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ومما يدل على صحة تحديد السفر بخوف المشقة؛ قول ابن عباس رضي الله عنهما: (والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا).
فالعلة هنا مركبة من الرضاع أو الحمل مع الخوف على الأولاد، فكذلك علة جواز الفطر في نهار رمضان هي السفر مع خوف المشقة.
ويقاس على السفر والمرض كل حالة ضرورية أو حاجية تغلب فيها المشقة أو يغلب فيها الضرر، فتكون العلة الاجتهادية مركبة من تلك الحالة مع خوف المشقة أو الضرر.
والخوف هنا ليس بدرجة غالب الظن في كل فعل ولا لكل مكلف، بل يكفي فيه أن يكون الوصف المنضبط مظنة عامة لفوات مقصد الحُكم.
دليل تحديد السفر بخوف المشقة قول الله عز وجل في الآية السابقة: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
ولأنَّ رفع المشقة هو المقصد الحقيقي من جواز الفطر، وإنما عُدل عن المشقة إلى مظنتها وهو السفر لعدم انضباط المشقة ذاتها.
ولأنَّ الفقهاء الذين حدوا السفر بمسافة أو زمن أو وصف إنما أرادوا بهذا الاجتهاد التفريق بين السفر الذي لا مشقة فيه وما كان مظنة المشقة وجعل الحكم منوطاً بما كان من السفر مظنة المشقة دون غيره.
ذكر البخاري تعليقاً عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يقصران ويفطران في أربعة بُرُد فما فوق، وتقدر الأربعة برد بحوالي ثمانين كيلومتر، للمزيد؛ مدونتي » أحكام » الميل ومسافة مسجد الجمعة وبلوغ الأذان.
فعمل هذين الصحابيين ورأي من استخرج من عملهما تحديد السفر بمسافة له علاقة بالحِكَم ومقاصد الشريعة في أحكام السفر.
وتحديد السفر المبيح للفطر بما كان مظنة مشقة هو مثل تحديد المرض المبيح للفطر بالمرض الذي هو مظنة المشقة أو الضرر بزيادة المرض أو تأخر بُرئه.
وأكثر من يفتي من المعاصرين بأنَّ كل سفر مبيح للفطر هم من يفتون بأن المرض المبيح للفطر له حد، وأن الفطر لا يباح بكل مرض، وهذا تفريق بين متماثلين.
فإذا كان كل سفر مبيح للفطر للعموم الوارد في الآية، فيجب أن يكون كل مرض مبيحاً للفطر للعموم الوارد في الآية أيضاً، فقد عَطَف الله عز وجل في الآية المسافر على المريض بواو العطف، وذكر بعد ذلك الحكمة من إباحة الفطر للمسافر والمريض وهي رفع المشقة.
قال الله جل ثناؤُهُ في سورة البقرة: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
وقد ذهب الجمهور إلى أن حد المرض المبيح للفطر هو المرض الذي فيه ضرر كالذي يزيد بالصوم أو يتأخر برؤه أو المرض الذي يجد المريض معه مشقة غير معتادة.
ومن يطلق القول بجواز الفطر للمسافر بالوسائل الحديثة من المُعاصرين، سواء منهم من حد السفر بالمسافة أو بالعرف، هم أنفسهم من يرد قول الظاهرية وما نسب لبعض السلف من أن كل مرض مبيح للفطر بما في ذلك وجع الإصبع والضرس.
وقد نص ابن قدامة رحمه الله تعالى على أن باب المرض والسفر واحد وأن كليها لهما نفس الحكم حيث قال: (وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع والضرس لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض.
ولنا أنه شاهد للشهر، لا يؤذيه الصوم، فلزمه، كالصحيح، والآية مخصوصة في المسافر والمريض جميعاً، بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير.
والفرق بين المسافر والمريض، أن السفر اعتبرت فيه المظنة، وهو السفر الطويل، حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها.
فإن قليل المشقة لا يبيح، وكثيرها لا ضابط له في نفسه، فاعتبرت بمظنتها، وهو السفر الطويل، فدار الحكم مع المظنة وجوداً وعدماً) [1].
مما سبق من كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى وما هو معلوم عند الفقهاء يعلم أنه لا إجماع على القول بأنَّ كل سفر مبيح للفطر خلافاً لما قد يتوهمه بعض العوام.
ويُستفاد من كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى السابق أن تحديد السفر المبيح للفطر بمسافة معينة إنما هو لوضع ضابط للسفر الذي هو مظنة المشقة وهو الطويل.

حد السفر الشرعي ومدته

من السلف من حدَّ السفر بمسافة ومنهم من حده بزمن ومنه من حده بوصف، فقد حدَّه عثمان رضي الله عنه بما حُمل فيه الزاد والمزاد، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه كأنَّما بناه على أساس أن الرخصة للمشقة. 
الصحيح الذي يجمع أقوال السلف هو أن السفر الشرعي يُحد بالعُرف مع خوف فوات المقصد الشرعي للحكم.
فيحد السفر الشرعي بالعرف مع خوف المشقة أو الضرر في رخص الواجبات، وبالعرف مع إيجاب التخفيف في رخص النوافل، وبالعرف مع خوف الطمع في المرأة وتعرضها للفتنة أو الافتتان أو الخطر والأذى في اشتراط المحرم لسفر المرأة.
فهي علة مركبة من الأمرين، ولابد في العلة المركبة من توفر جميع أجزائها لصحة الحكم.
وتقدم أن الخوف هنا ليس بدرجة غالب الظن في كل فعل ولا لكل مكلف، بل يكفي فيه أن يكون الوصف المنضبط مظنة عامة لفوات مقصد الحُكم.
فلا يصح مثلاً إطلاق القول بجواز سفر المرأة من غير محرم بسبب الوسائل الحديثة.
ففي الهند مثلاً يكثر تعرض النساء للتحرش حتى في الطائرات، وسفر المرأة من غير محرم يعرضها لطمع من في قلوبهم مرض.
وأما مدة السفر فهي متعلقة أيضاً بالعرف مع خوف ومظنة فوات المقصد الشرعي من تيسير أو تخفيف أو درء فتنة وخطر، فيُعد مسافراً من لم يكن مستقراً خارج وطنه، كمن لا يعرف موعد رجوعه ويحمل هموم السكن أو الطعام بسبب أنه ضيف ولا يعمل ونحو ذلك، وهذا ما يدل عليه قول عثمان رضي الله عنه في السفر الشرعي بأنه ما حُمل فيه الزاد والمزاد.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ (أنّ رَسولَ اللهِ ﷺ غَزا غَزْوَةَ الفَتْحِ في رَمَضانَ، قالَ: وسَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيِّبِ، يقولُ مِثْلَ ذلكَ، وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ أخْبَرَهُ أنّ ابْنَ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: صامَ رَسولُ اللهِ ﷺ حتّى إذا بَلَغَ الكَدِيدَ - الماءَ الذي بيْنَ قُدَيْدٍ وعُسْفانَ - أفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حتّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ)، صحيح البخاري (٤٢٧٥).
والقول بأن السفر هو كل ما دل عليه العرف هو قول ابن تيمية رحمه الله تعالى، وذلك لأن الألفاظ الواردة في الشرع تحمل على المعنى العرفي أولاً.
ولذا يقدم عرف الشارع على عرف العرب، ويقدم عرف العرب على المعنى الحقيقي، والحقيقي على المجازي، والقرآن إنما نزل بلغة يتخاطب بها الناس ليفهموا عن الله عز وجل مراده، فدل هذا على اعتبار العرف في المعاني.
وأقوال العلماء التي تدل على أن الاجتهادات الواردة في حد السفر كلها تدور حول الحكمة والمقصد كثيرة منها ما يلي؛
قول ابن قدامة رحمه الله تعالى في النقل السابق: (السفر اعتبرت فيه المظنة، وهو السفر الطويل، حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها، فإن قليل المشقة لا يبيح، وكثيرها لا ضابط له في نفسه، فاعتبرت بمظنتها، وهو السفر الطويل، فدار الحكم مع المظنة وجوداً وعدماً).
قول ابن تيمية رحمه الله تعالى في قول عثمان رضي الله عنه أنه ليس مسافراً من لا يحمل الزاد والمزاد، وما نسب إلى ابن سيرين رحمه الله تعالى من القول بأن السفر الذي تقصر فيه الصلاة ما حمل فيه الزاد والمزاد؛ أنَّ صاحب هذا القول كأنما بناه على أن السبب الحقيقي في الرخصة إنما هو المشقة.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومأخذ هذا القول -والله أعلم- أن القصر إنما كان في السفر لا في المقام، والرجل إذا كان مقيماً في مكان يجد فيه الطعام والشراب لم يكن مسافراً، بل مقيماً، بخلاف المسافر الذي يحتاج أن يحمل الطعام والشراب فإن هذا يلحقه من المشقة ما يلحق المسافر من مشقة السفر.
وصاحب هذا القول كأنه رأى الرخصة إنما تكون للمشقة، والمشقة إنما تكون لمن يحتاج إلى حمل الطعام والشراب) [2].
وقد نص الإمام القرافي المالكي رحمه الله تعالى على أن تحديد السفر بالمسافة المقصود منه ضبط السفر بحيث يكون مظنة المشقة، وأن السبب الحقيقي في الترخص المشقة، وأنه إنما عُدل عن المشقة إلى غيرها لعدم انضباطها.
قال الإمام القرافي رحمه الله تعالى: (قاعدة؛ الأصل اعتبار الأوصاف المشتملة على الحكم، فإذا تعذر اعتبارها: إما لعدم انضباطها أو لخفائها، أقيمت مظنتها مقامها، فكان الأصل إناطة الأحكام بالعقل حالة وجوده، لكنه لما لم ينضبط زمانه، أقيم البلوغ مقامه لكونه مظنة له، وموجب انتقال الأملاك الرضى، ولما لم يعلم أقيم الإيجاب والقبول مقامه، والمشقة سبب الترخص بالقصر، فلما لم تنضبط أقيمت المساحة مقامها; لكونها مظنة لها) [3].
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في تعليل جواز الصلاة على الراحلة في السفر القصير: (ولأن إباحة الصلاة على الراحلة تخفيف في التطوع، كي لا يؤدي إلى قطعها وتقليلها، وهذا يستوي فيه الطويل والقصير، والقصر والفطر يراعى فيه المشقة، وإنما توجد غالباً في الطويل) [4].
وتحدث الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى عن إشكالية تحديد السفر الذي يتغير به الأحكام بمسافة ثلاثة أيام بلياليها سير الإبل ومشي الأقدام، قائلاً في حال من تمكن بسبب خارق قطع تلك المسافة في ساعة صغيرة: (لأنه يصدق عليه أنه قطع مسافة ثلاثة بسير الإبل، وهو بعيد لانتفاء مظنة المشقة) [5].
والسبب الذي سماه الكمال بن الهمام بالخارق حدث في عصرنا بالطائرة.
والقول بأن علة الفطر في نهار رمضان هي السفر مع خوف المشقة يجمع أقوال السابقين بحد السفر بمسافة أو زمن أو أحمال حسب نوع السفر، وقد نص الأصوليون على أن إحداث قول زائد على أقاويل السلف إنما يكون مخالفاً للإجماع إذا كان رافعاً لما اتفقت عليه أقوالهم.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: (القول الثالث: أن ذلك القول الحادث بعد القولين إن لزم منه رفعهما لم يجز إحداثه وإلا جاز، وروي هذا التفصيل عن الشافعي، واختاره المتأخرون من أصحابه، ورجحه جماعة من الأصوليين منهم ابن الحاج، واستدلوا له بأن القول الحادث الرافع للقولين مخالف لما وقع الإجماع عليه، والقول الحادث الذي لم يرفع القولين غير مخالف لهما، بل موافق لكل واحد منهما من بعض الوجوه. ومثل الاختلاف على قولين: الاختلاف على ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك) [6].
فالعلة مركبة، وجعل العلة مجرد السفر يجعلها غير مناسبة، وجعلها مجرد خوف فوات المقصد والحكمة يجعلها غير منضبطة أو خفية.
فمن أنشأ سفراً فيه احتمال حصول مشقة غير معتادة جاز له الفطر وجد مشقة أم لم يجد، فلا ينتظر حصول المشقة ليفطر بل يكفي خوف حصولها.
والمتأمِّل في الحكمة من جعل الحكم منوطاً بالسفر المحتمل للمشقة لا بالمشقة مباشرة يرى في ذلك كمال التشريع والدلالة على أنه من لدن حكيم خبير.
فلو جعل الله عز وجل الحكم منوطاً بالمشقة، لما جاز الفطر إلا بعد حصولها، فإذا حصلت فأفطر الإنسان في وسط النهار أو في آخره، فإنه يجد مشقة أكثر بعد الفطر بقليل بسبب الهضم، ولَتَكَرَّر الحال هكذا كل يوم حتى يكمل سفره، ثم عليه قضاء تلك الأيام التي أفطرها.
فدل هذا على كمال هذه الشريعة وأنها راعت الحِكَم والرحمة بالمكلف ورفع المشقة والحرج عنه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في باب تغيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد: (هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أنَّ الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به.
فإنَّ الشريعة مبناها وأساسَها على الحكم، ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها.
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله) [7].
فالمقصود بحُكم جواز الفطر في نهار رمضان رفع المشقة والضرر، ويسمى هذا الوصف عند الأصوليين بالحِكمة، ولكن تحقيق الحِكمة يكون عن طريق العلة، وهي في هذه المسألة السفر الذي فيه احتمال المشقة.

علل أخرى

روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -إلى مكة ونحن صيام، قال فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنَّكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم. فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر)، صحيح مسلم (١١٢٠).
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إن الفطر هنا لم يكن لأجل السفر.
وهنا وصفان، وهما؛ (إنكم قد دنوتم من عدوكم) و (الفطر أقوى لكم)، فالأول هو العلة، والثاني هو الحكمة، لأنَّ الجميع يجوز لهم الفطر، أصيبوا بالضعف أم لم يصابوا، فالعلة هنا هي حالة كونهم قد اقتربوا من عدوهم.
ويُقاس على السفر والمرض والجهاد كل حال ضروري أو حاجي يغلب على الظن فيه حصول مشقة أو ضرر، فتكون العلة هي ذلك الحال مع خوف المشقة أو الضرر.
فيُلحق بحكم جواز الفطر في نهار رمضان للمسافر والمريض جوازه لصاحب الأعمال الشاقة إذا لم يجد غيرها وتعين عليه العمل في نهار رمضان بقدر ما تعين.
وكذلك يُلحق بالسفر والمرض العمل في الحر الشديد بالضوابط السابقة، ويلحق بهما أيضاً حالة ارتفاع درجة الحرارة فوق العادة بما قد يؤدي بظن غالب إلى مشقة غير معتادة حال الصوم أو احتمال حدوث ضرر على الصائم.
وفي بعض البلاد المسلمة الحارة تزيد في المستشفيات حالات إصابة العمال بالجفاف في نهار رمضان.
والعلة في هذه الأحوال ليست مجرد المشقة وإنما هي الحال مع مظنة المشقة كالسفر والمرض، وذلك لأن المشقة وصف غير منضبط، فالعلة هي العمل في الحر الشديد مع خوف المشقة، وكذا الحرارة المرتفعة مع خوف المشقة أو الضرر.
ويُراعى في صاحب العمل الشاق ضوابط الاحتياج، ومنها؛ أن تكون المشقة غير معتادة، وأن تكون الحاجة متعينة بمعنى أنه لا يمكن سد الحاجة بطريق آخر غير الفطر، وألا تكون المشقة متوهَّمة، وأن تقدر الحاجة بقدرها.
فلا يصح لمن يستطيع الإجازة أو الاستغناء عن العمل في نهار رمضان أن يفطر، وتقدر الحاجة بقدرها بمعنى أن المشقة لو اندفعت بعمل بعض الأيام ولم يتعين العمل في جميع الأيام جاز له فطر الأيام التي يحتاجها فقط.
هذا، والحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
يوم الخميس 19 رمضان 1435هـ، 17 يوليو 2014م
لوند، السويد.

المصادر

[1] المغني لابن قدامة (ج3/ص155-156)، مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م.
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج24/ص114-115)، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، السعودية، 1416هـ/1995م.
[3] الذخيرة (ج2/ص360)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.
[4] المغني لابن قدامة (ج1/ص315)، مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م.
[5] فتح القدير (ج2/ص30)، دار الفكر، عدد الأجزاء؛ 10.
[6] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (ج1/ص229)، تحقيق؛ الشيخ أحمد عزو عناية، دار الكتاب العربي، الطبعة الطبعة الأولى، 1419هـ - 1999م
[7] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج4/ص337)، تقديم وتعليق وتخريج الأحاديث والآثار؛ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، شارك في التخريج؛ أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى، 1423 هـ..
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق