القضية السورية في خطر!

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أكتب هذا المقال مع حديث وسائل الإعلام عن معركة القصير، وأنها مدينة استراتيجية، وأن انتصار أحد الأطراف سيؤثر سلباً أو إيجاباً على مجريات الأحداث وتداعياتها في مستقبل الأيام.
لنكن أهل وسط واعتدال وواقعية، فثورات الربيع العربي كانت عفوية غير مدروسة النتائج، وما كان كذلك فهو مجرد انفعال وثورة وتهور، والأحكام في الشرع والعقل لا تُبنى إلا على اليقين أو الظن الغالب، بل ثمة مؤشرات تشير إلى أنها لم تكن إلا تخطيطاً غربياً لتحقيق أهداف منها ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وليس من مصلحتنا أن نشتغل فقط بإلهاب المشاعر والعواطف بعيداً عن الشرع والعقل والحكمة، ولكن وبعد أن حدث ما حدث فليس من مصلحتنا تثبيط الهمم والعزائم وغرس اليأس في النفوس.
فلست خطيباً في جيش مقاتل لأكون فقط باعثاً للأمل طارداً لليأس من نفوس المقاتلين لأجل تحفيزهم للقتال، وحتى ولو كنت واعظاً في جيش مقاتل، لما أغفلت احتمال عدم التمكن من تحقيق الأمل المنشود، ولذكرتهم بأننا وإن لم ننتصر في القتال اليوم فإننا قد بذلنا ما في وسعنا، وأننا نأمل أن يكون قتلانا في الجنة وقتلاهم في الجحيم، قال الله عز وجل في محكم كتابته: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ}.
بعض أهل الإسلام ينحى إلى بناءٍ آمال كبيرة لنصرة الإسلام من خلال الثورة السورية، أكثرها مجرد أحلام تخالف الواقع المحلي السوري والواقع المؤثِّر الدولي والإقليمي، والبعض الآخر قد يظن أو هكذا يخادع نفسه أنه لا توجد مصلحة شرعية من نصر أحد الطرفين، باعتبار أنها مجرد ثورة على الدنيا والاستبداد، ويغُضُّ الطرف عن الخطر الداهم على أهل التوحيد والسنة، وهو خطر محقَّق ماثل للعيان لا يحتاج إلى شرح وبيان.
فإن أهل الحماس الزائد عن حده لن يقودهم حماسهم الزائد وعاطفتهم التي لا يحدها شرع ولا عقل إلَّا إلى الفشل وإفشال غيرهم ممن هم أقرب إليهم وأفضل حالاً من عدوهم الأكبر، وذلك لأن الإفراط في الأمل يقود إلى عمل ما لايمكن تحقيقه، وأما التفريط في القضية السوريَّة فإنه لن يعود بالضرر فقط على أصحاب الشأن المباشر من أهل سوريا.
الثورة السورية طالبت عند قيامها برفع الظلم وتحسين الاقتصاد، فكان هدفها تحقيق مصالح دنيوية، ثم دخلت بعض الفئات التي تريد نصرة الإسلام والعقيدة في قتال حكم قائم على الكفر والخروج عن أحكام الإسلام، وهو حكم لا يقيم وزناً للولاء للعقيدة والإسلام، ولا فرق عنده بين الولاء للإسلام واليهودية والنصرانية وسائر الأديان، والولاء عنده للعلم والوطن والقومية مقدم على الولاء للإسلام، ومع ادعاء الولاء للقوم والوطن فهو متسلط على قومه قبل وبعد ثورته عليه، ويرون أن الولاء للإسلام وعقائده وتشريعاته تمييز ممزق للكيان وباعث على الاحتراب والافتتان، وعقيدة جيش هذا النظام تجرِّم الولاء للإسلام وإن أظهروا خلاف ذلك مكراً وخداعاً {يُخَادِعُونَ اللهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}. وإن شئت فاقرأ عن الطائفة العلويَّة النصيريَّة تعريفاً مختصراً على في؛ موقع الإسلام سؤال وجواب » الطائفة النصيرية العلوية.
الواقع في المعارضة السورية الآن واضح من ناحية أن المقاتلين وقادتهم السياسيين هناك ما بين صاحب عقيدة يريد في المقام الأول الدفاع عنها وأصحاب مبادئ قومية وطنية يريدون التخلص من حكم ظالم مستبد. وأصحاب العقيدة منهم من يريد تحقيق آمال خيالية في الوقت القريب العاجل. ومنهم أهل الوسط ممن يعمل لأجل دفع الضرر الأعظم ولو كان بما هو أقل منه ضرراً وخطراً.
فإن الجيش السوري الحر على سبيل المثال تأسس بتاريخ 29 يوليو/تموز 2011م تحت قيادة العقيد المنشق رياض موسى رياض الأسعد قد تحدَّدت عقيدته بتصريحات قائده "الدفاع عن الوطن والمواطنين من جميع الطوائف"، معتبراً أنه "النواة الحقيقية لتشكيل جيش حقيقي لدولة الحرية والديمقراطية لسوريا المستقبل" بعد إسقاط نظام بشار الأسد. المصدر؛ موقع الجزيرة نت » تقارير وحوارات » الجيش السوري الحر شوكة بخاصرة النظام.
وأما الفئات العقديَّة المقاتلة فهي ذات توجهات مختلفة، منها ما هو قريب ومنها ما هو بعيد، فبعض الفئات المقاتلة هناك لها أفكار متشددة غالية خارجة عن منهج السلف الصالح ومبنية على فكرٍ منحرف لا فرق بينه وبين فهم الخوارج الأوائل ومنها ما هو دون ذلك بقليل أو كثير.
من الخطأ البيِّن الظن بأن ما يجري في سوريا الآن ليس له علاقة بالإسلام وخاصة أهل السنة والجماعة، فالأطراف الدوليِّة والإقليمية المؤيِّدة لنظام بشار ذات توجهات تخالف عقيدة المسلمين وتتعارض مصالحها مع مبادئ المسلمين بما في ذلك ما يتعلق بقضية إسرائيل، فهذه الأطراف لا يهمها إلَّا بذر الفتنة والخلاف والشقاق والتمكين لأطراف على حساب أخرى حماية لمصالحهم واقتصاداتهم وحماية لحليفتهم في المنطقة، ولهم مراكز دراسات ويميزون بين العقائد ويقربون الطوائف المنحرفة ويدعمونها.
وقد قال الله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)}. روى الترمذي وغيره واللفظ له عن أبي سعيد الخدري قال: "(ما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض}" إلى قوله "{يفرح المؤمنون بنصر الله} قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس)، صححه الألباني في صحيح الترمذي [1].
فنصر الله في هذه الآية ليس هو نصر للمسلمين بل هو نصر الروم على فارس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله تعالى: (فإذا تعذَّر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك، إلا بمن فيه بدعة، مضرَّتها دون مضرَّة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس)، [2].
فإنَّ انتصار المُعارضة السورية لمما يثلج صدر كل مؤمن، وقد حققت المُعارضة تقدُّماً كبيراً على الميدان حتى تدخل حزب طائفي يخفي العداوة لسائر أهل السنة (وليس للوهابية فقط كما يدّعي مكراً وخداعاً)، ويتَّخذ هذا الحزب التقية ديناً له، والتقية عندهم ليست فقط عند الإكراه، ولم لم يكن في مذهبهم غير هذه التقية لكان ذلك كافياً للعاقل دليلاً على بطلان مذهبهم، فالبشر بمن فيهم الملاحدة مجمعون على قبح النفاق والكذب، ولا تكاد توجد طائفة من طوائف الناس حتى اليهود والنصارى والمجوس والهندوس والملاحدة من أقام دينه على النفاق وجعله من أهم المهمات في دينه غير هذه الطائفة.
وأهل السنة لا ينفون أحكام الإكراه والضرورة، ولا دفع الضرر الأعظم بالأقل، ولا المداراة الشرعية المنضبة بضوابط الشرع، ولا جواز تأجيل البيان إلى وقت الحاجة، ولا ترك إنكار المنكر إذا أدَّى إلى منكر أكبر منه ونحو ذلك، ولكن بضوابط وقيود وعند الضرورات والحاجات والتعارض والتزاحم وليس على حساب المبادئ والأصول.
ولهذا فإنَّ أكثر الناس دفاعاً عن هذه الطائفة المنحرفة التي ينتمي إليها هذا الحزب المعتدي على شعب سوريا هم أصحاب المناهج المماثلة لمبدأ التقية وهم أصحاب الغاية تبرر الوسيلة، وأصحاب ترك المبادئ والأصول والدعوة إلى التوحيد لأجل السياسة والوصول إلى الحكم، وإن كان بعض مشايخ هذه الفرقة اعترف بخطئه تجاه الشيعة وعقائدها وحقدها بعد أحداث سوريا إلا أنهم بحاجة إلى اعترافات كثيرة وتراجعات عديدة.
إنَّ القضية السوريَّة بعد تدخل الحزب الطائفي اللبناني فيها صارت في خطر داهم، ويزداد الخطر مع تواطؤ الدول الكبرى وخذلانها لقضايا المنطقة إسلامية كانت أو وطنية، فأمريكا لا تريد تغييراً إلا وفق شروطها لتضمن مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل في المنطقة، وقد اشترطت أمريكا الإبقاء على مؤسسات الدولة الحالية وخاصة الجيش والشرطة والمخابرات الأمر الذي رفضه الثوَّار السوريون بجميع فئاتهم وفصائلهم.
فلنستيقظ، فنحن مذبوحون إذا ذبح أهل سوريا، علينا بالسياسة الشرعية بالانشغال بالمصلحة الكبرى ولو بتفويت الصغرى ودفع الضرر الأعظم ولو باحتمال الأصغر، فالدخول في صراع مع الحكام مع الخطر الأعظم الماثل نقص في الفقه والعقل، فحكام المنطقة خاصة دول الخليج مدركون للخطر عليهم وعلى دولهم، فإن غفلوا عن بعضه فليُنبهوا بالرفق ومن غير تهييج عليهم، فإرسال دول الخليج قوات درع الجزيرة إلى البحرين دليل على إدراكهم للخطر، ولكن سوريا ليست عضواً في مجلس دول التعاون الخليجي وقد لا يتمكنون من إرسال قواتٍ إليها، ولا يجوز إقحامهم فيما لا قبل لهم به مراعاة لمصالح أهل السنة والجماعة.
تمكنت المعارضة السورية من هزيمة جيش نظامي قوي العتاد ولديه ترسانة قوية من السلاح الجوي والبري وأفراده  يزيدون عن المائتي ألف، فكيف لا تستطيع هزيمة حزب طائفي قليل العدد والعتاد مقارنة بالجيش النظامي السوري، وكيف لحزب أن يقف في وجه الشعب السوري بكل فئاته، وكثير من أفراد هذا الشعب يدافعون عن دين الرحمن ويبتغون الأجر من الملك الديان بتقليل الشر عن أمة الإسلام، ولا أدل على هزيمة الجيش النظامي من الاستعانة بالأجنبي الطائفي لإذلال الشعب الذي يحكمه {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}.
الحق قوي بذاته يقهر الباطل ويدحضه {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، ولكن الحق ينتصر بالرجال (اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين) وفطنتهم وذكائهم وحكمتهم وبسالتهم وعزيمتهم، وما ذلك إلا ابتلاء من الله عز وجل واختبار لعباده، {ذَ‌ٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}. فإن نحن فعلنا واجبنا فسنرى النصر المحقَّق قريباً بإذن الله تعالى.
فإن فعلنا ما يجب علينا فحتى ولو لم نر نصراً فنكون قد أعذرنا أنفسنا، وحسبنا إذا انتصر عدونا علينا أننا على الحق، وحسبنا أن عدونا وإن انتصر علينا فإن قتلاهم في النار وأن حاله قد انكشف لمن خُدع به، وسوف يأتي يومه الذي لا محالة آت حتى ولو كان ذلك في يوم الدين الذي هو قريب عند رب العالمين وإن كنا نراه بعيداً {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
الأثنين 1 شعبان 1434هـ، 10 يونيو 2013م
لينكوبنج، السويد.

المصادر

[1] صحيح وضعيف سنن الترمذي (3192)، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية [الكتاب مرقم آلياً].
[2] مجموع الفتاوى (ج28/ص212)، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ 1416هـ/1995م.
pdf

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق