رأي حول ما يحدث في غزة

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
من لا عاطفة عنده لا يعد من البشر لأن قلبه كالحجر أو أشد قسوة، والإنسان عندما يظلم في نفسه أو ماله يعبِّر عن غضبه ولو بالكلمة، فلم لا يعبر المسلم عن غضبه على ما يفعله أعداء الله عز وجل وأوليائه والإنسانية أمَّة الغضب من اليهود عليهم لعنة الله عز وجل، قال الله تعالى في محكم كتابه مخبراً عما يحل بنفوس المؤمنين من الألم والغيظ بسبب الظلم الواقع عليهم؛ {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}.
ولا يصح القول بأنه لا معنى للحديث عن جرائم الكفار باعتبار أنه يكفي أن نقرأ عن عداوتهم في القرآن، فليس ثمة أكثر تصديقاً لخبر الله عز وجل من أنبياء الله عز وجل ورسله، ومع ذلك كان تأثير المعاينة في نفس موسى عليه السلام أبلغ من الخبر، مع كونه خبر الله سبحانه وتعالى، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الخَبرُ كالمُعايَنَةِ، إِنَّ اللهَ تعالى أخبرَ موسى بما صنع قومُهُ في العجلِ، فلَمْ يُلْقِ الألواحَ، فلما عايَنَ ما صنعوا، ألْقى الألْواح فانكسَرَتْ)، صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٣٧٤).
ولكن مع ذلك فيجب ألا ننجرف وراء تلكم العاطفة بلا عقل، بل يجب أن نكون صادقين في عواطفنا وغضبنا لإخواننا المضطهدين من المسلمين، وأن يكون ولاؤنا للأمة في الله، وليس في القومية ولا غيرها من الدعوات الجاهلية.
وإذا كنا صادقين في عواطفنا، فإن العاطفة المستقيمة لن تنحرف بصاحبها عن الحق، وأما من لم يعبر عن تلكم العاطفة باللِّسان والدعاء إذا كان مغلوباً على أمره، فإنَّ في ذلك إشارة إلى ضعف ولائه للأمة أو انعدامه، ولكن إذا كان من يعبِّر بالكلمة قادراً على العمل فإنه متخاذل في أقل أحواله إذا لم يكن متواطئاً مع العدو، وتحقق القدرة لا يكون إلا بتحقق رجحان المصلحة.
لقد تعودنا في الإعلام العربي على تغليب العاطفة على العقل، ففي حرب العرب مع إسرائيل ذكر أحدهم ممن عاصر الأحداث أنه كان يحذر الناس أنَّ العرب لن ينتصروا، حيث ذكر أحد المشايخ أن الإعلام العربي كان يصوِّر العرب بأنهم منتصرون لا محالة، وأن الشارع العربي كان على ثقة بالنصر الآتي.
وفي تلكم الظروف المشحونة بالعاطفة والمتشوِّقة إلى النصر وقف الشيخ خطيباً يوم الجمعة وهو يقول في خطبته: إن العرب منهزمون لا محالة، فخرج أحدهم أثناء الخطبة يصرخ ويتهم الشيخ بالنفاق، وبعد ثلاثة أيام من تلكم الخطبة أعلن الإعلام العربي الهزيمة والتي أدت إلى احتلال اليهود مزيداً من الأراضي العربية.
وقد ذكر الشيخ في خطبته قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إذا تساوينا في المعصية، فاقونا بالعدد )، وكان يقول في خطبته نحن منهزمون لأن القتال باسم القومية والعروبة وليس باسم الاسلام.
وقد استفدت من هذه القصة أثناء حرب الخليج الأُولى، حيث كنت في معسكر للدفاع الشعبي بالسودان أثناء حرب الخليج الأولى، وكنا لا نسمع داخل المعسكر إلا إذاعة أم درمان والخطب التي كانت تؤكد بأن صدام منتصر لا محالة، حيث كنا نسمع أن العراق أسقط كذا وكذا طائرة، وأنه دخل مدينة الخفجة السعودية، وقد امتلأ المعسكر بالتكبير، وادَّعى أحد الخطباء أن صدام تحوَّل مائة وثمانين درجة نحو الإسلام، علماً بأن صدام لم يعلن وقتها توبته من فكر البعث.
وذات يوم صلينا الجمعة في المعسكر، وخطب أحدهم خطبة مشحونة بالعاطفة، وقد كان خطيباً بارعاً حقاً، حيث صوَّر غزوة الأحزاب وكأننا نراها رأي العين، وتحدث عن الخوف الذي تسلل للقلوب؛ {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا }، وتحدث عن إرجاف المنافقين؛ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}.
وقد قال خطيب الجمعة في خطبته تلك والتي ألهبت المشاعر وجعلت كل المعسكر يلهج بالتكبير: إنَّ الأحزاب قد اجتمعت اليوم (ثلاثين دولة) للقضاء على الإسلام وإن صدام لمنتصر لا محالة، فلما فرغنا من الصلاة قلت لمن معي بخيمة المبيت: إن صدام منهزم لا محالة، فأخذوا ينظرون إليَّ متعجبين لأن الخطيب قد حذر من تشكك المنافقين في النصر، فقلت لهم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قلت لهم لننتظر شهراً ثم ننظر.
وبعد شهر من تلكم الجمعة، وعندما كنا في جامعة الخرطوم في مساكن الطلاب (البركس)، كنا نشاهد التلفاز السوداني، وقد جاء في الأخبار أنَّ صدام قَبِل بالخروج من الكويت ودَفْع خسائر الحرب وخسائر الكويت، حيث كانت هزيمة منكرة، وكان الطلاب يشاهدون الأخبار بدهشة وعقول لا تكاد تصدِّق ما يحدث، وذلك لأنَّ الإعلام تحوَّل ما بين يوم وليلة من التأكيد على أنَّ النصر حليف العراق إلى الإقرار بهزيمة منكرة.
قد تحدث الهزيمة في المعركة وليس في الحرب، لأن الحرب مع اليهود سينتصر فيها المسلمون لا محالة، فإن النصر في الختام هو خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولن يتحقق النصر إلا إذا أخذ المسلمون الأسباب المادية والمعنوية التي أمر الله عز وجل بها، والهزيمة في المعركة تعرف بحجم الخسائر، ففي غزوة أحد كان عدد القتلى من المسلمين أكثر وخسائرهم أكثر.
لقد شاهد الجميع خسائر فادحة في الجانب الفلسطيني في عدد الشهداء والجرحى والتدمير الذي لحق بالقطاع، ولم نسمع شيئاً يُذكر عن خسائر العدو، وكل ما سمعناه في الأخبار هو إطلاق المقاومة لصواريخ على العدو، ولكن لا ندري عن أكثرها هل أصابت أهدافها أم لا، وحدث الاجتياح البرِّي والذي كنت أتوقَّع حدوثه مع أن الإعلام العربي كان يبشِّر الناس بعدم حدوثه، ودخل العدو إلى الإماكن المفتوحة، وإلى لحظة كتابة هذه الأسطر فإن الإعلام يذكر أن العدو يستعد لمرحلة ثانية للاجتياح البرِّي وهي الدخول إلى الأماكن السكنية في محاولة للقضاء على المقاومة، وأسأل الله عز وجل أن يخيِّب الأعداء وأن ينصرنا على القوم الكافرين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
الأثنين 8 محرم 1430هـ، 9 يناير 2009م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق