حكم إمامة المقعد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجهم إلى يوم الدين.
واضح من الأدلة ومن أقوال الفقهاء أنَّ الإمام إذا صلَّى بالناس بعض الصلوات جالساً فإنه لا بأس بذلك. وأما مسألة المقعد وإمامته الناس القادرين على القيام بصفة دائمة ففيها خلاف بين العلماء. الذين قالوا بعدم جواز إمامة المقعد، قالوا لأن إمامته تستوجب على المأمومين الصلاة جلوساً بصفة دائمة. واختلاف الفقهاء في حكم صلاة المقعد هو بسبب اختلافهم في حكم صلاة المأمومين خلف الإمام إذا كان جالساً؛ هل يصلون جلوساً أم قياماً.
من قال يصلون جلوساً استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به، فَإِذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا، وإذا رَفَعَ فارْفَعُوا وإذا قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ. فَقُولوا: رَبَّنا ولَكَ الحَمْدُ، وإذا صَلّى قاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا أجْمَعُونَ)، أخرجه البخاري (٨٠٥)، ومسلم  (٤١١) واللفظ له.
ومن العلماء من قال يصلون قياماً، وهؤلاء لهم تأويلات للحديث السابق الذي فيه الأمر بالاقتداء بالإمام في القعود إذا صلى قاعداً؛ فمنهم من قال الأمر هنا للندب، ومنهم من قال الأمر في هذا الحديث منسوخ. من قال بالنسخ قال؛ لأن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم الناس وهو جالس وصلاة أبي بكر خلفه قياماً كانت في مرض موته الأخير. والحديث الذي فيه الأمر بالاقتداء بالإمام في الجلوس إذا صلى جالساً كان قبل ذلك. ومما يدلُّ على أنه لم يكن في مرض موته ما جاء في أوله من قول أنس بن مالك: ((سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن)). وحديث صلاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلف النبي صلى الله عليه وسلم قائماً والنبي صلى الله عليه وسلم جالساً أخرجه مسلم في صحيحه، وجاء فيه قول عائشة رضي الله عنها: (قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبوبكر قائماً يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر)، المصدر؛ صحيح مسلم (٤١٨).
وأما من ذهب إلى وجوب الجلوس على المأمومين إذا صلى الإمام جالساً من العلماء، فقد ذهب إلى تخصيص الأمر بالجلوس إذا صلى الإمام جالساً فيما إذا ابتدأ الإمام صلاته قاعداً، وأمَّا إذا ابتدأها وهو قائم، فلا يجب عليهم القعود إذا قعد أثناء الصلاة.
هذا الجمع الأخير بين الأحاديث ضعيف في رأيي، لأنه لا يستند على قاعدة أو أصل. والتأويل الصحيح؛ إما أن يقال الجلوس مندوب وليس بواجب أو يقال الأمر منسوخ. والقول بأنه مندوب أقرب إلى الصحة في نظري، لأنه مبني على القاعدة الأصولية المعروفة، وهي أن الأصل في الأمر أنه للوجوب إلا إذا ورد ما يدل على أنه للاستحباب. والقول بالندب أولى من القول بالنسخ للقاعدة الفقهية التي تنص على أنَّ الجمع بين الأدلة أولى من النسخ والترجيح. ولكن القول بالنسخ قوي لمعرفة التاريخ هنا والله أعلم.
ومما سبق يتضح أن الراجح – والعلم عند الله تعالى – جواز إمامة المقعد. وذلك لأن ائتمام المأمومين به في الجلوس ليس بواجب لفعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له. ولعل الأفضل أن يُنصَّب للإمامة غير المقعد خروجاً من الخلاف، ولأن الأرجح فيما يظهر لي – والله أعلم - عدم نسخ الأمر بالجلوس وأنه للندب.
والأقوال في إمامة المقعد لمن يقدر على القيام من المأمومين هي:
  1. عدم الجواز، وهو قول المالكية.
  2. جوازها بشرطين؛ أن يكون الإمام الراتب، وأن يُرجى زوال علته، وهو مذهب الحنابلة.
  3. جوازها، ويصلي المأمومون خلفه قياماً، وهذا مذهب الشافعية والحنفية.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لينكوبنج، السويد
1/8/2013م
pdf
الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق