زكاة الركاز والمعادن

الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين.
المستخرج من الأرض، أحد ثلاثة، فإما أن يكون؛
  1. ركازاً، وهو في اللغة كل ما خفي في الأرض، ويشمل جميع الآثار الثمينة، وأطلق عليه الفقهاء دفن الجاهلية كناية عن الآثار، لأن الجاهلية لا تختص بجاهلية العرب كما نص على ذلك العلماء، فالمقصود جميع آثار الأمم السابقة التي لها قيمة.
وفي الركاز الخمس للحديث المتفق عليه؛ (وفي الركاز الخمس)، رواه الجماعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العَجْماءُ جَرْحُها جُبارٌ، والبِئْرُ جُبارٌ، والمَعْدِنُ جُبارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ)، أخرجه البخاري (٦٩١٢) واللفط له، و مسلم (١٧١٠).
حكى ابن المنذر رحمه الله تعالى الإجماع على أن الركاز لا يختص بدفن الجاهلية في أرض العرب حيث قال: (لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة )، المصدر؛ الإشراف على مذاهب العلماء (ج3/ص47)، تحقيق؛ صغير أحمد الأنصاري أبو حماد، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م.
وسواء كان الركاز ذهباً وفضة أو غيرهما مما له قيمة ويعد مالاً فإن فيه الخمس، ولا يشترط فيه النصاب ولا حلول الحول لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس)، وتُعرف الآثار بالنقوش والشكل ونحو ذلك.
  1. ذهباً وفضة وليس من الآثار، فهذا فيه ربع العشر إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، وهو داخل في زكاة الأثمان، وتجب الزكاة فيه بعد تصفيته وتنقيته وحلول الحول عليه. 
والنصاب هو 85 جراماً من الذهب الخالص، وهو عيار 24، يُخرِج منه ربع العشر وهو نسبة 2.5% من القيمة الكلية.
  1. ذا قيمة وليس من الآثار وليس ذهباً ولا فضة مثل المعادن الثمينة، فهذا فيه خلاف بين العلماء.
ذهب الحنابلة وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة إلى وجوب الزكاة في المعادن خلافاً للمالكية والشافعية.
من لم يوجب الزكاة في المعادن الثمينة قالوا لأنها ليست مما تجب فيه الزكاة؛ النقدين وعروض التجارة والحبوب والثمار والسائمة من المواشي.
والراجح والله أعلم أنَّ في المعادن ربع العشر إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول لعموم قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ}.
ولأن الأصل وجوب الزكاة في المال بنص القرآن والسنة إلا ما دل الدليل على استثنائه وهو مال القنية، والمال هو كل ما له قيمة، وقياساً على النقدين كالأوراق النقدية، وللمزيد؛ مدونتي » أحكام » زكاة العقار
وكيف تجب الزكاة فيما قيمته قليلة من الذهب والفضة، ولا تجب فيما قيمته أعلى منهما من المعادن؟
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى فيما تجب فيه الزكاة من المعدن: (وهو كل ما خرج من الأرض، مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة، كالذي ذكره الخرقي ونحوه من الحديد، والياقوت، والزبرجد، والبلور، والعقيق، والسبج، والكحل، والزاج. والزرنيخ، والمغرة. وكذلك المعادن الجارية، كالقار، والنفط، والكبريت، ونحو ذلك)، المصدر؛ المغني لابن قدامة (ج3/ص53)، مكتبة القاهرة، 1388هـ - 1968م.
والحكمة في التفريق بين الركاز وغيره من الخارج من الأرض هي أن الآثار مال ليس فيه مؤونة ولا تعب غير البحث والتنقيب أحياناً، وأما غيره ففيه مؤونة التنقية والاستخلاص إلى جانب مؤونة البحث والتنقيب، ولذا كان في الركاز الخمس وفي غيره ربع العشر.
وأقل الزكاة من غير المواشي ربع العشر، وهي في الأثمان وعروض التجارة، ثم ضعف ذلك وهو نصف العشر وهو في الحبوب والثمار التي تسقى بكلفة، ثم ضعف ذلك وهو العشر وهو فيما سقي بالأنهار والغيم من الحبوب والثمار، ثم ضعف ذلك وهو الخمس وهو في الركاز.
فمقادير الزكاة من غير المواشي هي؛ 2.5%، وهذا أقلها وهي للأثمان وعروض التجارة، وحصول النماء والربح بالتجارة هو أشق أنواع الإنماء، ثم 5% للحبوب والثمار التي تسقى بكلفة، ثم 10% للحبوب والثمار التي تسقى بالأنهار والغيم، ثم 20% للركاز.
والحكمة ظاهرة في المقادير وفيما تجب فيه الزكاة وما لا تجب، وانظر في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في الحكمة فيما تجب فيه الزكاة وفي مقاديرها في؛ إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج3/ص333)، تعليق وتخريج؛ مشهور آل سلمان، شارك في التخريج؛ أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى، 1423هـ.
وفي الحديث الذي رواه الجماعة: (العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)، ومعنى جُبار أي هدر، يعني لا عوض فيه.
وفي معنى المعدن جبار قال ابن القيم رحمه الله: (وفي قوله: "المعدن جبار" قولان؛ أحدهما؛ أنه إذا استأجر من يحفر له معدناً فسقط عليه فقتله فهو جبار، ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: (البئر جبار والعجماء جبار).
والثاني: أنه لا زكاة فيه، ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: "وفي الركاز الخمس"، ففرق بين المعدن والركاز، فأوجب الخمس في الركاز، لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن؛ لأنه يحتاج إلى كلفة وتعب في استخراجه، والله أعلم)، المصدر؛  إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج6/ص502)، تعليق وتخريج؛ مشهور آل سلمان، شارك في التخريج؛ أبو عمر أحمد عبد الله أحمد، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى، 1423هـ.
والصحيح في معنى جبار المعنى الأول وهو أنه لا ضمان فيه، وذلك لرواية مسلم؛ (والمعدن جرحه جبار).
فالخلاصة هي وجوب الزكاة في المعادن ومقدارها ربع العشر.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لينشوبنج، السويد
يوم الأثنين 18 صفر 1434ه، 31/12/2012م
pdf
الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق