بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه الواحد المنَّان، الذي نزَّل على عبده الفُرقان، وجعل دين الإسلام وسطاً بين الأديان، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ آخر الزمان، الذي أُرسل إلى كافَّة الإنس والجان، فهدى اللّه به العُميان، وأسمع به صمَّ الآذان، وبيّن لأمَّته أحسن التبيان، وحذَّرهم من الزيادة والنُّقصان، ورضِيَ اللَّهُ عن الآلِ والصحبِ والتابعِ بالإِحسان.
لقد شرع الله تعالى لنا أحسن تشريع، وأنزل لنا أحسن كتاب، وأرسل لنا خير رسله، النبي الأمي الذي وضع عن أهل الكتاب إصرهم والأغلال التي كانت عليهم بسبب ظلمهم، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس.
وليس في أحكام الشريعة حرج ولا عسر البتة، بل هي في غاية اليسر، والعسر قد يكون في الأحكام القدرية الكونية لا الشرعية (الأوامر والنواهي)، قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
فقد يوجد عسر في الابتلاء الكوني القدري بسبب التمسك بالأحكام الشرعية.
وسبب ميل بعض الناس للتشدد إنما هو الهوى وإرضاء المجتمع ولو كان مجتمعاً خاصاً محدوداً.
ولذا فالميل للتشدد قد يكون أيسر من التوسط من جهة ما قد يترتب على كل من عسر كوني قدري.
فقد يترتب على التوسط عسر كوني قدري بسبب الغربة حتى في أخص المجتمعات.
لذا ورد في السنة: (فطوبى للغرباء).
وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
وقد تقرر عند أهل العمل يقيناً، بدلالة القرآن والسنة، أن أحكام الشريعة كلها مبنية على العدل والرحمة وتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية والحكمة مما أبهر العقول وحير أهل الأفكار والنظريات، ودلت أحكام الشريعة الباهرة على صدق الرسول ﷺ، وأنها من لدن حكيم خبير.
قال الله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ
جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ﴾.
قال الحافظ ابن كثير: (أي: ما كلَّفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء فشق عليكم
إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً؛ فالصلاة -التي هي أكبر أركان الإسلام بعد
الشهادتين- تجب في الحضر أربعاً وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها
بعض الأئمة ركعة كما ورد به الحديث، وتصلى رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير
مستقبليها. وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط بعذر
المرض، فيصليها المريض جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص
والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال عليه السلام: (بعثت بالحنيفية السمحة) وقال
لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن: (بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا) والأحاديث في هذا
كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله: (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) [١].
وقال تعالى : ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: (أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير،
ويسهلها أشدّ تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في
أصله. وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو
تخفيفه بأنواع التخفيفات. وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لأن تفاصيلها جميع
الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات) [٢].
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : (مَا
خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ
يَكُنْ إِثْماً، فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْه) [٣].
عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (هَلَكَ
الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثاً) رواه مسلم (2670)، والتنطع
معناه التشدُّد والتكلُّف والغلو، والأدلة في النهي عن الغلو والزيادة كثيرة في
القرآن والسنة، ولكن أكتفي بما سبق ذكره.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: (الأدلة على رفع
الحرج فى هذه الأمة بلغت مبلغ القطع كقوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم فى الدين من حرج﴾ وسائر ما يدل على هذا المعنى كقوله ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾، ﴿يريد الله أن يخفف عنكم
وخلق الإنسان ضعيفاً﴾، ﴿ما كان على النبى من حرج فيما فرض الله له﴾، {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم﴾، وقد سُمِّي هذا الدين الحنيفيَّة السمحة لما
فيها من التسهيل والتيسير) [٤].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والشرك قد
تقدَّم أن أصله ترك المأمور به من عبادة الله، واتباع رسله. وتحريم الحلال فيه
ترك ما أمروا به من الاستعانة به على عبادته. ولما كان أصل المنهي عنه الذي
فعلوه الشرك والتحريم روي في الحديث؛ (بعثت
بالحنيفية السمحة)، فالحنيفية ضد الشرك، والسماحة
ضد الحجر والتضييق) [٥].
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى عندما تحدث عما سبق آيةً من كتاب الله تعالى في تأمل بديع لتطابق ما في الحديث من معانٍ مع ما في معاني الآية، وهي قول الله جل ثناؤُه: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾.
القاعدة الفقهية المشهورة (المشقة تجلب التيسير)،
والقاعدة الفقهية المشهورة (إذا ضاق الأمر اتسع)،
وغيرهما من القواعد الفقهية التي فيها رفع الحرج والمشقة والتيسير، كمثل قاعدة
المحرم لغيره يباح للحاجة.
فكلامالسعدي -رحمه الله- السابق فيه نص على أن جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله، وكلامه يدل على أن المشقة إذا حصلت فهي عارضة في الأحوال المعينة للأشخاص وليس في أصل الحكم الشرعي سواء كان قطعياً دل عليه النص أو كان ظنياً باجتهاد العلماء.
وممن نص على أن جميع الأحكام ليس فيها مشقة وعسر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى ﴿رِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ حيث
قال: (﴿يريد﴾ أي يحب؛ فالإرادة شرعية؛
والمعنى: يحب لكم اليسر؛ وليست الإرادة الكونية؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو
أراد بنا اليسر كوناً ما تعسرت الأمور على أحد أبداً؛ فتعين أن يكون المراد
بالإرادة هنا الشرعية؛ ولهذا لا تجد -والحمد لله- في هذه الشريعة عسراً أبداً) [٦].
والأحكام الاجتهادية التي فيها حرج ومشقة ليست من الشريعة قطعاً ويقيناً، ولكن يجب أن يكون معرفة ذلك بسؤال أهل العلم، وليس بالعقل المجرد، إذ العقل المجرد لا يستقل بمعرفة الأحكام الشرعية دون نصوص الوحي ومعرفة طرق الاجتهاد والاستنباط.
ومن ترك الاهتداء بالوحي سقط في حمأة الهوى والجهل، فقد تحدثه نفسه بأن الحكم فيه مشقة وحرج، بينما المشقة في حقيقتها على النفس المتبعة لهواها، وقد لا يوجد حرج ولا مشقة في الأصل.
قال ابن القيم -رحمه الله - في باب تغيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد: (هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم
على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أنَّ
الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإنَّ الشريعة مبناها
وأساسَها على الحكم، ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة
كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة
إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة
وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في
أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله) [٧].
ومما استدل به بعضٌ على أنَّ بعض أحكام الشريعة فيها ثقل وحرج ومشقة قول الله
تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾، قال ابن العربي رحمه الله تعالى: (فيها
قولان: أحدهما ثقله على النبي ﷺ حين كان يلقيه الملك إليه،
وقد سئل كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحياناً يأتيني الملك مثل صلصلة الجرس، وهو
أشده علي، فيفصم عني، وقد وعيت ما قال. وقد كان ينزل عليه الوحي في اليوم
الشديد البرد فيتفصد جبينه عرقاً. الثاني: ثقل العمل به؛ قاله الحسن، وقتادة،
وغيرهما. والأول أولى؛ لأنه قد جاء: ﴿وما جعل
عليكم في الدين من حرج﴾، وجاء عن النبي ﷺ: (بعثت بالحنيفية السمحة) وقد قيل: أراد ثقله في الميزان) [٨].
وإذا أحس الإنسان بمشقة في الأحكام الشرعية فإنَّما هي مشقة على النفس، وليست مشقة حقيقية، فالنفوس قد تميل إلى الدعة والراحة والاستمتاع، وتكره الجد والاجتهاد والتكليف.
وكلما كان الإنسان أكثر جداً وأعلى همة وأخلص قلباً وأبعد عن الهوى كانت التكاليف سهلة ويسيرة عليه، والعكس بالعكس، ولذا قال الحق تبارك وتعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾، وقال النبي ﷺ: (إن أثقل صلاتين على المنافقين الفجر
والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).
قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في تفسير قوله
تعالى: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج): (ثم لما كان في التكليف مشقة على النفس في بعض الحالات
قال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أي من ضيق وشدة) [٩].
والمشقة التي في الحج عارضة، وليست في أصل الحكم.
وكذا ما في الجهاد من مشقة، وهي بسبب عدوان الكفار الذي هو من الابتلاء الكوني القدري، وهي مشقة مُحتمَلة بسبب ما يدفعه من مفسدة أعظم وما يحققه من مصالح ضرورية راجحة.
فكما أنَّ المحرَّم قد تكون مفسدته راجحة على مصلحته كما في تحريم الخمر والميسر، فكذلك الواجبات قد تكون مصلحتها راجحة على ما تضمنته من مفاسد كما نص على ذلك العلماء.
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه اللّه عند كلامه على قول الله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ
مِنَ الْقَتْلِ﴾: (وإن كان قتل النفوس فيه شرّ
فالفتنة الحاصلة بالكفر وظهور أهله أعظم من ذلك، فيدفع أعظم الفاسدين بالتزام
أدناهما) [١٠].
ومع ذلك فإنَّ في الجهاد كثيراً من الأحكام التي فيها تخفيف.
فقد خفف الله عن المسلمين عندما كثر عددهم، فلم تعد ثمة ضرورة للمشقة التي لم يكن منها بد في أول الإسلام لدفع ضرر العدو ﴿الْآنَ
خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم
مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ
يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ ۗ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
وفي الجهاد تخفيف عن الأعمى والأعرج والمريض ومن لم يجد دابة، وفيه التخيف بمشروعية صلاة الخوف.
من يسر الشريعة أن الواجبات الشعائرية التعبدية العينية لا تتعدى أركان الإسلام الخمسة كما دلت على ذلك النصوص.
وما سوى الأركان الخمسة من واجبات العينية إما أنها تتعلق بأحكام المعاملات الدنيوية مثل النفقة على الأرحام، أو أنها تبع لغيرها من الواجبات العينية والكفائية والمحرمات كطلب العلم العيني، وكوجوب حضور الجمعة والجماعة، وكوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن سماحة الشريعة ويُسرها كذلك أن دائرة الحرام أضيق بكثير من دائرة الحلال، لأن الأصل في الأشياء الإباحة إلا لنص.
فكل المشروبات مثلاً حلال إلا الخمر والضار من السموم ونحو ذلك.
بعض ما يطلق عليها واجبات هي في حقيقتها محرمات وليست واجبات كوجوب إعفاء اللحية فهو في حقيقته نهي عن حلقها، لأن الإعفاء ليس فعلاً حقيقةً، فالفعل هو الحلق.
ومن يسعى لإرضاء الناس بالتشدد في الأحكام الشرعية فيه شبه باليهود، ومن يسعى لإرضائهم بالتساهل فيها فيه شبه بالنصارى، وأمرنا أن نكون أهل وسط واعتدال.
قال ابن القيم رحمه الله عن تشدد اليهود في الأحكام: (وما من جماعة منهم في بلدة إلا إذا قَدِمَ عليهم رجلٌ من أهل دينهم من بلاد بعيدة، يُظْهِرُ لهم الخشونةَ في دينه والمبالغةَ في الاحتياط، فإن كان من فقهائهم شرع في إنكار أشياء عليهم يوهِمُهم قلَّةَ دينِهِم وعِلْمِهم، وكلَّما شدَّد عليهم قالوا: هذا هو العالم. فأعلمُهم أعظمُهم تشديداً عليهم، فتراه أول ما ينزل عليهم لا يأكل من أطعمتهم وذبائحهم، ويتأمل سكين الذبَّاح، ويشرع في الإنكار عليه ببعض أمره، ويقول: لا آكل إلا من ذبيحة يدي، فتراهم معه في عذاب، ويقولون: هذا عالِمٌ غريب قَدِم علينا. فلا يزال ينكرُ عليهم الحلال ويشدِّدُ عليهم الآصار والأغلال ويفتحُ لهم أبواب المكر والاحتيال. وكلما فعل هذا قالوا: هذا هو العالم الربَّاني والحخيم الفاضل) [١١].
وأما النصارى فهم أهل تساهل في الحلال والحرام بسبب عقيدة الفداء، وهي بزعمهم أن عيسى عليه السلام تعرض للصلب لمحو خطايا المؤمنين به.
وعند النصارى غلو، فهم يغلون في عيسى عليه السلام بزعم أنه ابن الله أو أنه الله أو أنه ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وعند اليهود تقصير، وهو بنحو تكذيب عيسى عليه السلام والتحايل على الشرع والتحايل على ما اخترعوه من تكاليف بسبب تشددهم. وأما هذه الأمة، فقد جعلها الله تعالى أمة وسطاً، بلا غلو في الأنبياء والمرسلين والصالحين ولا تقصير في حقهم، ولا غلو في الأحكام الشرعية ولا تقصير فيها.
فأمرنا الله تعالى أن نكون أهل وسط واعتدال.
قال الطبري رحمه الله: (ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها) [١٢].
والخلاصة هي أنَّ ما في الأحكام من مشقة فهي إما مشقة عارضة، أو مشقة على النفس التي تميل إلى الكسل أو التي أغرقت في الهوى واتباع الملذات والشهوات، أو مشقة لابد منها لدفع الضرر الأعظم وتحقيق مصالح كبرى، والمشقة العارضة وردت الأدلة بتخفيفها أو إسقاطها.
وكيف يصح إطلاق القول بأن بعض أحكام الشريعة فيها حرج ومشقة بعد قول الله عز وجل: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
}؟
والوسط هو سبيل أهل السنة والجماعة، والغلو والتحلل من التكاليف هو سبيل
أهل الأهواء والبدع.
والله أسأل أن يجعلني والقارئ الكريم من أهل الوسط
والاعتدال، وأن يجنبنا طريق أهل الغلو والانحلال.
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة 16 جمادى الأول 1431هـ - 30 أبريل 2010م
هلسنكي، فنلندة
الجمعة 16 جمادى الأول 1431هـ - 30 أبريل 2010م
المصادر
[١] مختصر تفسير ابن كثير (ج2/ص556-557) [الحج : 78]، اختصار وتحقيق؛ محمد علي الصابوني، الناشر؛ دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة السابعة، 1402هـ - 1981م.
[٢] تفسير السعدي (ص86-87)، [البقرة : 183]، تحقيق؛ عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر؛ مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ -2000 م
[٣] رواه البخاري (3367) ومسلم (2327).
[٤] الموافقات (ج1/ص520-521)، المحقق؛ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر؛ دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م
[٥] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج20/ص114)، المحقق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ 1416هـ/1995م.
[٦] تفسير القرآن للعثيمين (ج4/ص271).
[٧] إعلام الموقعين (ج3 /ص11)، تحقيق؛ محمد عبد السلام إبراهيم، الناشر؛ دار الكتب العلمية – ييروت، الطبعة الأولى، 1411هـ - 1991م.
[٨] أحكام القرآن لابن العربي (ج4/ص328)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه؛ محمد عبد القادر عطا، الناشر؛ دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، 1424هـ - 2003م.
[٩] فتح القدير (ج3/ص556) [الحج : 73- 78]، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، الطبعة الأولى - 1414هـ.
[١٠] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج10/ص513)، الطبعة السابقة.
[١١] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (ج١/ص٣١٣) - ابن القيم (ت ٧٥١) - ط عطاءات العلم.
[١٢] تفسير الطبري جامع البيان (ج٢/ص٦٢٦) - أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت ٣١٠) - ط هجر.
[٢] تفسير السعدي (ص86-87)، [البقرة : 183]، تحقيق؛ عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر؛ مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ -2000 م
[٣] رواه البخاري (3367) ومسلم (2327).
[٤] الموافقات (ج1/ص520-521)، المحقق؛ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر؛ دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م
[٥] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج20/ص114)، المحقق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ 1416هـ/1995م.
[٦] تفسير القرآن للعثيمين (ج4/ص271).
[٧] إعلام الموقعين (ج3 /ص11)، تحقيق؛ محمد عبد السلام إبراهيم، الناشر؛ دار الكتب العلمية – ييروت، الطبعة الأولى، 1411هـ - 1991م.
[٨] أحكام القرآن لابن العربي (ج4/ص328)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه؛ محمد عبد القادر عطا، الناشر؛ دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، 1424هـ - 2003م.
[٩] فتح القدير (ج3/ص556) [الحج : 73- 78]، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، الطبعة الأولى - 1414هـ.
[١٠] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج10/ص513)، الطبعة السابقة.
[١١] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (ج١/ص٣١٣) - ابن القيم (ت ٧٥١) - ط عطاءات العلم.
[١٢] تفسير الطبري جامع البيان (ج٢/ص٦٢٦) - أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت ٣١٠) - ط هجر.
![]() |
![]() |
---|
رجوع إلى قسم قواعد وأصول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق