إنها حرفية لا ظاهرية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
يظن الكثيرون أنَّ الظاهرية في تفسير النصوص مذمومة، واختلاط المصطلحات والألفاظ يودِّي إلى اختلاط المفاهيم، فلابد من ضبط المصطلحات والألفاظ لأنها السبيل لفهم المعاني، وأما قول الفقهاء؛ لا مشاحة في الاصطلاح، فالمشاحة هي المماحكة، والمقصود ذم الوقوف عند مجرد اللفظ في المدارسة الفقهية، لأن المقصود باللفظ معناه لا ذاته.
فلا يصح أن يقول المسلم الزنى مكروه مع أن هذا ما نص عليه القرآن، وذلك لأن المكروه مصطلح معروف، إلا أنَّ معناه اللغوي أوسع من معناه الاصطلاحي، قال الله عز وجل: {كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}. والإشارة في الآية تعود إلى المحرمات المذكورة قلبها. وقد نهى الله عز وجل المؤمنين عن قول راعنا مع أنَّ هذه اللفظة تأتي بنفس معنى كلمة انظرنا. وذلك في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. والسبب هو أن اليهود كانوا يطلقون كلمة راعنا ويريدون بها الرعونة وهي الحماقة.
من الأولى تسمية الوقوف عند ظاهر اللفظ اللغوي بالحرفية، فالحرفية في تفسير النصوص قد تكون مذمومة، والظاهرية محمودة، وذلك لأنَّ الأصل حمل الكلام على ظاهره، ما لم يوجد سبب لـصرفه عن الظاهرـ والظاهر إنما هو ظاهر الاستعمال والذي يسمَّى بالاصطلاح أو العرف، وليس الظاهر ظاهر اللغة، لأن ظاهر الاستعمال مقدم على ظاهر اللغة وهو ما يسمَّى بالحقيقة اللغوية.
وكما أن للكلمة استعمال خاص، فكذلك الجملة. وقد قرر هذه المسألة وحررها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى.
فإذا قيل حاسب آلي فالمقصود غير الآلة الحاسبة. وما يتبادر إلى الذهن هو ظاهر الاستعمال أو ما يسمى بالمعنى الاصطلاحي. وهكذا كلمة الصلاة والصوم والحج وغير ذلك من الحقائق الشرعية، فإنه يجب حملها على استعمال الشارع واصطلاحه. فإن لم يكن أو لم يمكن فاصطلاح أهل اللغة فإذا لم يكن أو لم يمكن فظاهر اللغة، وهو ما يسميه أكثر علماء اللغة بالحقيقة اللغوية. ويأتي ما يسمى بالمجاز في الأخير. ولا يصرف المعنى عن حقيقته إلى المجاز إلا لقرينة تمنع إرادة الحقيقة.
وأما الاستعمال في الجمل فيمكن التمثيل له بما ذكره الفقهاء فيما إذا قال السيد لعبده: إذا لم تشترِ البر فلا ترجع إلى البيت. فإذا لم يجد العبد البر ولم يرجع إلى البيت فإنه يكون قد خالف أمر سيده. والسبب هو أنَّ هذا اللفظ عادة ما يستعمل للدلالة على الجد في الطلب. ولهذا لزم حمله على ظاهره وهو الاستعمال، ولا يصح حمله على ظاهره اللغوي. لأن ظاهر الاستعمال مقدَّم على ظاهر اللغة.
ولهذا ففي حديث: (لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلّا في بَنِي قُرَيْظَةَ)، يرى ابن تيمية رحمه الله أن من صلى وسط الطريق أولى بالصواب ممن صلى في بني قريظة. ولعل السبب هو أن ابن تيمية ظاهريته هي ظاهرية الاستعمال. وذلك لأن هذه الجملة تستخدم عادة ويراد بها الجد في المسير. بينما يرى ابن حزم الظاهري رحمه الله أن من صلى في بني قريظة أولى بالصواب، ولعل السبب هو أن ظاهريته هي ظاهرية اللغة، وهو ما أسميته بالحرفية. والحرفية مذمومة في سائر اللغات، وفي الانجليزية عندما يقال ليتيرال وليتراليتي فالمقصود الذم بالحرفية في تفسير النصوص. والمجاز في اللغة الإنجليزية يُسمى ألِّيغوري.
فالأولوية في تفسير الألفاظ بالترتيب التالي:
• الإصطلاح الشرعي أو ما يسمى بالحقيقة الشرعية.
• إصطلاح العرب أو ما يسمى بالحقيقة العرفية.
• المعنى اللغوي الحقيقي أو ما يسمى بالحقيقة اللغوية.
• المجاز.
فلا يصح ترك المعنى الظاهر للمعنى الخفي في تفسير الألفاظ إلا لسبب يمنع إرادة المعنى الظاهر. وترك المعنى الظاهر للمعنى الخفي يُسمى بالتأويل.
هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد والحمد لله ربِّ العالمين.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لينكوبنج، السويد
٢٦ رجب ١٤٣٢هـ، ٢٨ يونيو ٢٠١١م
pdf

رجوع إلى قسم قواعد وأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق