إنتاج أول خلية اصطناعية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الخلاق العليم، والصلاة والسلام على البشير النذير، وعلى من سلك سبيله واستن بسنته إلى يوم الدين
قرأت الأمس خبراً في قناة الجزيرة مفاده تصنيع أول خليَّة في المعامل، وقد كلف المشروع 15 عاماً ومبلغ 40 مليون دولار، حيث بدأت الخلية بالتكاثر بعد عدَّة تجارب ومحاولات مما يعني أنَّ الحياة قد دبَّت في هذه الخليَّة. وهذا الإنجاز العلمي سيطلق أفواه المفتونين بالعلم البشري بالاعتراض على الخالق سبحانه وتعالى، ولكن أهل الإيمان العارفين بالله الذين قدروا الله حق قدره لن يهز إيمانهم مثل هذا الخبر.
لم يذكر الخبر طبيعة هذه الخلية البكتيرية، هل هي خليَّة نباتية أم خليَّة حيوانية؟ فإذا كانت خلية بكتيرية نباتية، فما الفرق بين هذا التركيب وبين غرس غصن شجرة ميت في الأرض لينبت ويتكاثر؟ وإذا كانت خليَّة حيوانية فإنَّ الخبر لم يذكر كيف بدأت الخلية بالتكاثر والحياة. وما الفرق بين أن تدبَّ الحياة في رحم إنسان أو حيوان بعد معالجة الزايجوت خارجياً وبين أن تدب الحياة في الخارج؟ علماً بأنَّ اللجنة العلميَّة اضطرت لزرع الكرومسوم المصنع في خلية بكتيرية حية أولاً قبل تحويله إلى الخلية المفرَّغة.
ثم إنَّ مكوِّنات هذه الخليَّة مأخوذة من الطبيعة، فالكروموسوم المصنَّع صنع من مواد أخذت من الطبيعة، وقد تم زرعه في خليَّة بكتيريَّة أفرغت من معظم محتوياتها. فأين الخلق هنا؟
نصَّت إحدى القواعد الأساسيَّة في علم الفيزياء القديمة أنَّ المادَّة لا تفنى ولا تخلق من العدم وأنَّ الطاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم وهما قانونا حفظ المادة وحفظ الطاقة في الفيزياء القديمة، وبعد تفجير الذرة تم استبدال القانونين بقانون واحد وهو قانون حفظ المادة-الطاقة، لأنه وحسب الفيزياء الحديثة يمكن تحويل المادة إلى طاقة، إلا أنَّ قانون حفظ المادة ما زال صالحاً تحت ظروف معينة كما هو الحال في كثير من التفاعلات والمعادلات الكيميائيَّة، وكذلك قانون حفظ الطاقة لا يزال صالحاً تحت الظروف العادية كما في تحويل الطاقة الكهربائية إلى أنواع مختلفة من الطاقة مثل الحركية والحرارية والضوئية ونحو ذلك.
وقد حاول الملحدون قديماً وحديثاً استخدام تلك القوانين لإثبات أزليَّة العالم ونفي حدوثه، وهذا من جهلهم ونقص عقولهم، فإنَّ المعلوم في العلوم التجريبية أنَّ الإثبات لأي نظرية أو حقيقة علمية يكون بوضع الفرضيات المختلفة ثم إجراء التجارب المعملية والمشاهدة مع استخدام العقل والمنطق وما يتبعه من حساب للكميات وتحاليل للنتائج. وفي أي تطوير وتجربة فإنه لابد من وضع خطوات معينة وهي التي تسمى بالألغوريثم (الخوارزمي). فبغض النظر عن الأدوات المستخدمة لإثبات القوانين السابقة فإنه يتعيَّن أن تشمل على خطوتين أساسيتين في المعامل، وهما محاولة إفناء المادَّة ومحاولة إيجاد المادَّة من عدم، وهكذا الطاقة. فالسؤال الذي يطرح نفسه من الذي يحاول الإفناء والإيجاد؟ هل هو الخالق أم المخلوق؟ فما دام أنّه المخلوق فإن عجزه يدل على أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى وحده.
وحتى القانون الحديث الذي نص على عدم إمكان إفناء المادة وإنما إمكان تحويلها إلى طاقة فهو بنفس المعنى، وكذلك إمكان إيجاد المادة من الطاقة وعدم إمكان إيجادها من عدم، إلا أنَّ هذه القوانين تبقى في طور النظريات حيث لا يوجد تعريف واضح للمادة حتى يقال إنه أمكن إيجادها أو أمكن تدميرها. ولن يستطيع أحد أن يضع تعريفاً واضحاً للمادة.
وتطور النظريَّات العلميَّة وتبدلها يدلُّ دلالة قاطعة على نقص علم الإنسان، فلما لم يتمكن الفيزيائيون الأوائل من إفناء المادة وخلقها خرجوا على الناس بقانون حفظ المادة الذي كان يظنه كثير من أنصاف العلماء حقيقة علمية ثابتة لا جدال فيها، بينما كان نظرية علمية لعدم ثبوت ما ينفيها، وأما الآن بعد تفجير الذرة فقد تبدلت النظرية بنظرية أخرى، وهكذا قوانين نيوتن وغيرها من القوانين الفيزيائية التي كانت تعتبر أنَّ الزمن مطلق ويجري بالتساوي دون أي علاقة بأي مؤثر خارجي، فقد ثبت خطأ هذه النظريات بنظرية أنشتاين التي جعلت المطلق هو سرعة الضوء وأن كلاً من الزمن والمسافة نسبيتان إلى سرعة الضوء، ولكن تبقى نظرية أنشتاين في طور النظرية المقبولة في المجتمع العلمي والتي لا يوجد بديل أفضل منها حتى الآن، ولا يمكن تفسير الطاقة الكامنة في الذرة بغير نظرية أينشتاين.
ولكن وبما أنَّ المتغيِّرات في تعديلات قوانين نيوتن بعد نظريات أنشتين لا تأثير لها في حساب الكميات وتحليل النتائج في الأجسام الكبيرة فقد أبقى الفيزيائيون على نظرياته ومعادلاته عند التعامل مع الأجسام الكبيرة، وأما في الفيزياء النووية فلابد من استخدام معادلات انشتاين للحصول على نتائج صحيحة.
إنَّ تركيب مثل هذه الخلايا مما خلقه الله عز وجل لا يختلف كثيراً عما تم سابقاً من تعديلات جينية واستنساخ، إلَّا أنَّ الجديد هنا هو تصنيع جين كامل، بينما الاستنساخ هو نقل جينات من خلية إلى أُخرى، والتعديلات الجينيَّة هي إجراء بعض التعديلات لجينات موجودة. والجديد أيضاً أنَّ خليَّة غلب على ظنِّ العلماء أنها ميتة لعدم تمكُّنهم من مشاهدة ما يدل على الحياة فيها بدأت تتكاثر وتتوالد مما يقطع بوجود الحياة فيها. لكن يبقى البشر عاجزاً عن الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة، وتبقى قدرة الله عز وجل فوق كل قدرة. أي قدرة هذه التي كلَّفتهم 15 سنة كاملة وكلفتهم مبالغ طائلة لتركيب خلية من خلايا موجودة؟ وما الفرق بين هذا العمل وبين قطع الأشجار وتصنيع السفن والمنازل وسائر المنافع منها؟
وحتى الاستنساخ الذي افتتن به أهل الريبة والشك فإنه ناقص، لأن لكل من الحيوان المستنسخ والمستنسخ منه بصمات خاصة به. مما يدل على نقص العلم بالجينات والوراثة مع كل هذا التطور العلمي الهائل، وصدق الله سبحانه وتعالى القائل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }، ومهما بلغ الإنسان من علم فإنه يبقى عاجزاً عن تعدي حدوده التي وهبه الله إياها.
فالله عز وجل هو الذي خلقنا ووهبنا السمع والبصر لنرى ونسمع فنشاهد ونجري التجارب بحواسنا ونقرأ ونتعلم بها، ثم نحلِّل النتائج بعقولنا التي وهبها الله لنا فنرى بعقولنا ما لم نره بحواسنا مثل الموجات الكهروماغنطيسية بأنواعها مثل موجات الراديو والغما والأكس وغيرها. ولولا ما أعطانا الله من حواس نرى بها نتيجة ما لم نره بها لما قادنا عقلنا ومنطقنا إلى رؤية ما لم تره حواسنا، فسبحان الله الخلاق العليم.
وإذا قلت لأحدهم إن هذه الخلية التي كلف تركيبها هذا الزمن الطويل تركبت من غير مركِّب لقال لك أنت مجنون، فكيف ببلايين الخلايا؟ وكيف بالكون أجمع وما فيه من نجوم وأفلاك تسير في مساراتها بسرعات دقيقة وفي مسارات متقنة حتى لا ترتطم ببعضها؟ كيف لهذا الكون أن يوجد من غير خالق؟ وكيف به يسير من غير مسيِّر ومدبر { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ }.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
يوم السبت 8 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 22 مايو 2010م
pdf
رجوع إلى قسم ثقافة ومعارف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق