التحريف في البايبل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
يعتقد النصارى في الكتاب المقدس عندهم (البايبل) أن نصوصه مقدَّسة لأن القدِّيسين كتبوها بتوجيه من الروح القدس. وأصحاب عقيدة التثليث يعتقدون في الروح القدس أنه واحد من الأقانيم الثلاثة، تعالى الله عز وجل عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ويعتقد النصارى في الروح القدس أنه روح الله الذي يرشد البشر عن طريق القديسين (الأنبياء) ويكون دليلاً لهم، وما زال كثير من النصارى يزعمون أنَّهم قدِّيسون وأنَّ روح القدس كلمهم أو يكلِّمهم.
فيما يبدو لي والله أعلم فإنَّ أكثر الأسفار المكوِّنة للبايبل تصح نسبتها إلى كاتبيها، وأنَّ التحريف فيها قليل بالنسبة للنصوص الصحيحة من ناحية النسبة إلى الكتبة، إلا أن بعض كتبة الأسفار المكوِّنة للبايبل أفَّاكون كذَّابون ادَّعووا النبوة وأفسدوا العقيدة التي جاء بها عيسى عليه السلام. ومن أشهرهم بولس الذي كان اسمه شاؤل، والذي ذكر المؤرخِّون أنَّه انحدر من أسرة يهوديَّة ثم انتسب إلى النصرانية وادَّعى أنَّ روح القدس كلَّمه، وبهذا يكون قد ادَّعى النبوة، ولعلَّ هذا هو السبب في ادخال النصارى أسفاره في كتابهم المسمى بالبايبل والذي يقدِّسون نصوصه.
وهذا هو معنى التحريف الوارد في القرآن، فهو في أكثره نسبة كلام هؤلاء القدِّيسين الكذبة إلى الله تعالى، وليس تكذيب نسبة الكلام إلى قائليه كما قد يتوهم البعض. والتحريف في قليل منه هو تغيير في النص. قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}. وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}.
والأصل صحة نسبة الكلام إلى قائليه في بعض النقولات التي تشبه المتواتر، وأنَّ التحريف في مثل هذه النقولات قليل بالنسبة إلى الصحيح من حيث النسبة إلى القائل. ولهذا نحن نصدِّق نسبة نظرية فيثاغورس إليه رغم أنه عاش قبل المسيح عليه السلام بسنوات كثيرة، خاصَّة وأنَّ العلوم الرياضيَّة ونحوها أهلها محايدون ليست لديهم رغبات وشهوات أو خوف يحملهم على الكذب.
وأما الأديان فكثيراً ما يدخلها التحريف والتبديل بسبب اتباع الشهوات. ولكن في نظري والله أعلم أن أكثر التحريف الواقع في النصوص هو من ادعياء النبوة، وأما تلامذة المسيح ونحوهم ممن يترجَّح فيهم الصدق فإنَّ التحريف أكثر ما يقع في معاني نصوصهم وليس في ذات النصوص. وقد قرأت في كتاب "هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى" لابن القيِّم رحمه الله تعالى أن متَّى ويوحنا هما من تلامذة المسيح عليه السلام، وهو ما ذكره المؤرِّخون والأحبار. ومتَّى ويوحنا هما من كتبة الأناجيل الأربعة كما سيأتي عند سرد أسفار البايبل.
والمسلمون يعتقدون أن خاتم الأنبياء هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأن روح القدس جبريل عليه السلام هو الذي كان ينزل عليه بالوحي كما كان ينزل به على سائر الأنبياء والرسل. قال الله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }، وأن روح القدس هو الذي كان ينزل بالوحي على عيسى عليه السلام { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }.
وقد جاء عيسى عليه السلام مصدِّقاً لما بين يديه من التوراة عاملاً بما فيها ثم ناسخاً لبعض أحكامها، ولعل هذا هو السبب الذي جعل النصارى يحتفظون في الكتاب المقدس عندهم بالأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام (التوراة) وبالأسفار التي كتبت قبل بعثة المسيح عليها السلام، ويطلقون على ما كتب قبل عيسى عليه السلام اسم العهد القديم. وليس في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على عدم وجود أنبياء بعد عيسى عليه السلام وقبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي القرآن ما يدلُّ على أنَّ اليهود جاءهم كثير من الأنبياء بعد موسى عليه السلام، وأنهم قتلوا كثيراً من أنبيائهم (القدِّيسون الصادقون). ولكن يبقى الإشكال عند الضالين النصارى هو في تمييز الصادق من أدعياء النبوَّة.
ويظهر لي أن الإنجيل المذكور في القرآن المنزل على عيسى عليه السلام فُقِد منذ القرون الأولى بعد بعثة عيسى عليه السلام، وأن ما يُسمَّى بالأناجيل الأربعة الآن المضمَّنة في البايبل هي من كتابات التلامذة (متى ويوحنا) وتلامذتهم (مرقس ولوقا). ولا شك أن الله عز وجل أنزل كتاباً على عبده ورسوله عيسى عليه السلام وسمَّاه الإنجيل، قال الله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }.
ولكن البايبل فيه تعاليم صحيحة، ولعل أكثر الصحيح هو في الأسفار التي تسمَّى بالأناجيل الأربعة. ولعلَّ ما سماه الله عز وجل إنجيلاً في بعض آيات الكتاب التي تتحدث عن الكتب الموجودة عند النصارى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو غير الإنجيل المذكور في الآية السابقة الذي أُنزل على عيسى عليه السلام. وإطلاق كلمة الإنجيل عليه هو من باب التغليب بسبب أن فيه كثير من الحق والصدق والهدى والنور، ولاحتمال أن بعضهم كانوا أنبياء يوحى إليهم، ولأن النصارى يسمُّونه كذلك. وذلك في مثل قوله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ }. وقد ذكر الله عز وجل عن اليهود في وقت البعثة أن كتابهم فيه حكم الله { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَ‌ٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَـٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }.
وذلك أن الأناجيل الموجودة ضمن كتاب النصارى المقدس كتبها التلامذة وتلامذتهم باتفاق الجميع، إضافة إلى أسلوبها وطريقة العرض فيها مثل حكاياتهم عن حياة المسيح عليه السلام وموته، مما يؤكد أنها أناجيلهم، وليست هي الإنجيل المنزَّ ل على عيسى عليه السلام المذكور في القرآن في قوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ }. وأما الإنجيل في مثل قوله تعالى: { الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ } فإنه يجب أن يكون إنجيلاً موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والموجود عند النصارى في ذاك الوقت الأناجيل الأربعة وغيرها من الأسفار مثل تلك التي كتبها بولس اليهودي الكذاب الذي ادَّ عى النصرانية وأفسد عليهم دينهم وذلك لأن هذه الأناجيل الأربعة الموجودة الآن هي التي أبقاها الإمبراطور الروماني أوغسطين بعد مؤتمر نيقية عام ٣٢٥ م، وهذا قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم.
يتألَّف الكتاب المقدس عند النصارى من جزأين أساسيين:
الأول: العهد القديم، وهو الجزء الذي فيه كثير من الاشتراك بين اليهود والنصارى، ويعني الكتب التي كتبت قبل المسيح عليه السلام.
الثاني: العهد الجديد، وهو ما كتب بعد المسيح عليه السلام.
العهد القديم يتكون من عدة أجزاء، يمكن إجمالها في التالي:
  1. الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام ( التوراة ).
  2. أسفار الأنبياء.
  3. الأسفار التاريخية.
  4. الأسفار الشعرية.
إضافة إلى الأسفار التالية التي تعتبر جزءاً مكملاً للعهد القديم عند الكاثوليك والأرسوذكس، والتي حذفها البروتستانت باعتبار أنها كتابات لا ترقى إلى درجة الوحي الإلهي، واعتبروها كتابات تاريخية:
  1. سفر طوبيا.
  2. سفر يهوديت.
  3. تكملة سفر أستير.
  4. سفر الحكمة.
  5. سفر يشوع بن سيراخ.
  6. سفر نبوأة باروخ.
  7. تتمة سفر دانيال.
  8. سفر المكابيين الأول.
  9. سفر المكابيين الثاني.
  10. المزمور.
العهد الجديد يمكن إجماله في الأسفار التالية:
  1. الأناجيل الكنسية الأربعة (متى، يوحنا، مرقس، لوقا).
  2. أعمال الرسل، وهو بمثابة سفريات الرسل.
  3. رسائل بولس.
  4. رسالة العبرانيين.
  5. رسائل يوحنا كاتب الإنجيل.
  6. رسالة يعقوب.
  7. رسالتا بطرس.
  8. رسالة يهوذا.
  9. سفر الرؤيا.
في يوم من الأيام وبعد أن نزلت من القطار المحلي في إحدى المحطات داخل مدينة أسبو التابعة للعاصمة هلسنكي بفنلندة استوقفني رجل في عقد الستين، وكان يحمل كتباً في يده، فعلمت أنه من المبشرين النصارى المعروفين باسم شهود يهوا. وشهود يهوا معروفون بهذه العادة في الطرقات العامة، ومن عادتهم كذلك طرق البيوت والتبشير بالدين النصراني.
ألقى علي التحية وسألني عن لغتي الأصلية، وعندما أخبرته ناولني رسائل صغيرة وأسطوانة باللغة العربية، مع كونه لا يعرف العربية، وهو من أصل فنلندي، وقد كان يحدثني بالإنجليزية. فقلت له – وكنت على عجل – لست بحاجة إلى هذه الكتب، وأردت أن أستمر في المشي مسرعاً، فألح علي بأخذ الكتب. فرأيت أن أدعوه إلى الإسلام لعل الله عز وجل يهديه أو أعذر نفسي إلى الله. فقلت له: لا أحتاج إلى هذه الكتب لأنني مسلم وأعتقد أن الإسلام هو دين الحق. وفيما يلي أسوق بعض ما جرى بيني وبينه لأن الحديث استمر لأكثر من ساعة، فلابد من ترك بعض التفاصيل.
فقال لي: الفرق الأساسي بين الإسلام والنصرانية هو أن الإسلام يهتم بالشكليات، وفي الإسلام كثير من الأوامر والنواهي، وتعظيم شأن المحرمات، بينما النصرانية علاقة بين الله والإنسان مهما اقترف من الذنوب والمعاصي. فقلت له: ليس هذا هو الفرق الأساسي. فقال لي: وماهو الفرق الأساسي بين الإسلام والنصرانية؟ فقلت له الفرق الأساسي هو أن الإسلام هو دين التوحيد والنصرانية دين التثليث والشرك بعبادة عيسى عليه السلام وأمه مريم عليها السلام. قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }.
ولما ألحَّ علي أنَّ الفرق الأساسي هو في الأحكام والأوامر والنواهي علمت أنه يريد أن يأتيني من قبل شهوات النفس ونزواتها والعياذ بالله. فقلت له: أنا أخطب في الناس كل جمعة في المسجد ومن السهل علي أن أقول للناس لأجل أن أستمتع بحضور غفير يستمعون لي: "اعملوا ما شئتم من الكذب وخيانة الأمانة والسرقة والزني وتعاطي الخمور والمخدرات والقتل وسوف يغفر الله لكم، فقط حسنوا العلاقة مع ربكم"، ولكن أظن أنني لو فعلت ذلك فسوف أكون مخادعاً للناس غاشاً لهم. ففكر قليلاً ثم قال لي: دينكم أفضل لضبط الناس والمجتمع ولكن ديننا أفضل في العلاقة بين العبد وربه. ثم أخذ يتحدث عن نفسه وأنه كان يسرق قبل أن يحدثه روح القدس ويصبح رجلاً متديناً، وأن روح القدس أمره بالتعلق بعيسى عليه السلام واعتقاد أنه المخلِّص.
فقلت له: الذي كان يحدثك ليس هو الروح القدس لأن الروح القدس لا ينزل إلا على الأنبياء والرسل، وأننا نعتقد أن روح القدس هو الملك جبريل عليه السلام وليس أقنوماً ثالثاً، وما يدريك لعل محدثك شيطان! فقال لي: إن الشيطان لا يمكن أن يأمرني بالخير مثل ترك السرقة! فقلت له: يمكن أن يأمرك ببعض الخير ليصرفك عما هو خير منه كما أنَّ الصياد يضع الطعم للسمكة ليصطادها.
ثم قلت له الأوامر والنواهي ليست هي أهم شئ في الإسلام مع كونها مهمة ولا نقلل من شأنها كما هو في دينكم، وأهم شئ في ديننا هو العلاقة مع الله وأن نوحده في عبادتنا ولا نعبد معه إلهاً آخر { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ‌ٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا }. فقال لي: أنا أعلم أنه من الصعب عليك فهم التثليث، ولكن سوف تفهمه إذا قرأت هذه الرسائل.
ثم قلت له: لو قرأتَ في كتابك المقدس الذي تحمله وتمعنت في ألفاظه ودرسته جيداً فإنك ستعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنَّ الصادقين من الكتبة في كتابك يأمرونك باتباعه، ويأمرونك بما أمر به محمد صلى الله عليه وسلم الناس من توحيد الله عز وجل وعبادته وحده لاشريك له. ثم قلتُ له: قرأت في إنجيل لوقا أن إبليس أخذ عيسى عليه السلام إلى جبل في الناصرة وأراه ممالك الأرض وقال له إذا تسجد لي سجدة فسأعطيك ممالك الأرض، فقال له عيسى عليه السلام: كذبت، إنه مكتوب للرب إلهك فاسجد وإياه وحده فاعبد. وقد بدى لي جلياً من وجهه أنَّه يعرف القصة جيداً.
فقال لي: لا يمكن أن يكون محمداً (صلى الله عليه وسلم) رسول. فقلت له: لماذا؟ فأخذ يقلب في البايبل، فطلبت منه أن يقرأ علي بعض النصوص من كتابه، وذلك لأنني أعتقد أن فيه كثير من النصوص الصحيحة، وأن المسلم يستطيع بمعرفته بالعقيدة الصحيحة أن يفسرها تفسيراً صحيحاً. خاصة إذا كان المسلم على معرفة بالنصوص وطرق دراستها وتأويلها مثل حمل المتشابه على المحكم ومعرفة دلالات الألفاظ والجمل من العام والخاص والمطلق والمقيد ونحو ذلك، بل حتى ما يسمى بالمجاز في العربية هو موجود في سائر اللغات، وفي الإنجليزية ما يشبه المجاز والاستعارة ويطلق عليه Metaphor  أو Allegory. وطلبت منه أن يقرأ لي من كلام يوحنا لأنه من تلامذة المسيح، فوافقني وقال لي عن يوحنا: هو الأكثر روحانية.
وقد قرأ لي بعض النصوص لا أذكرها، وفسرتها له على الوجه الصحيح بإذن الله تعالى وتوفيقه. وأذكر مما قرأ لي من إنجيل لوقا ليستدلَّ به على دعواه الباطلة من أنَّ محمداً (صلى الله عليه وسلم) ليس رسولاً من عند الله أنَّ لوقا قال: (سيظهر أنبياء كذابون معهم معجزات كاذبة). فقلت له: صدق لوقا، وقد ظهر هؤلاء الكذابون ومنهم بولس الذي حرف دينكم وأضاف الكذابون والضالون كلامه إلى البايبل.
ثم قلت له: فسر لي كيف أميز بين المعجزة الصادقة والكاذبة؟ فلم يجب بشئ. فقلت له: ألم يكن عيسى عليه السلام يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله؟ فقال لي: بلى. فقلت له: أليست هذه معجزة حقيقية؟ فقال لي: بلى. فقلت له: ولما انقلبت عصى موسى عليه السلام إلى ثعبان؟ فقال لي: معجزة حقيقية. ثم قلت له: وما شأن حبال سحرة فرعون التي تحولت إلى ثعابين؟ فقال لي: معجزة كاذبة. فشرحت له الفرق بين المعجزات الكاذبة والصادقة، وأخبرته بانشقاق القمر وعودة بلاد العرب مروجاً وأنهاراً، وقلت مثل هذه المعجزات هي معجزات صادقة وتدل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله.
وبعد طول حديث رأيت أن أنصرف لأنه بدا لي أنه لا يريد أن يعترف بالحقيقة، وأنني قد أوصلت إليه كثيراً من الحق والخير، وأن الله عز وجل إن أراد به خيراً فقد ينفعه بما قلت ولو بعد حين. ولما ألقيت عليه تحية الإنصراف قال لي أنتم مباركون! فتعجبت وقلت له: لماذا؟ فذكر لي نصاً في البايبل تذكَّرتُ بعد أن ذكره أن ابن القيم رحمه الله تعالى قد ذكره في كتابه القيِّم الممتع "هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى". قال لي: لأن الرب قال "لإشماعيل" سأكثر نسلك وأجعلهم مباركين. فقلت له: أنت تعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو من نسل إسماعيل عليه السلام؟ فقال لي: نعم. فقلت له: إن في هذا النص الذي ذكرته دليل على أنه رسول الله. فقال لي: ليس فيه دليل. ثم تركته وانصرفت راجياً من الله عز وجل أن يهديه بكلماتي ولو بعد حين. (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جواباً على من قال: (إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة والإنجيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فسقط الاحتجاج بهما، والعمل بهما على أهل الكتاب، فلا يذمون حينئذ على ترك اتباعهما، والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما فيهما، واستشهد بهما في مواضع؟): (وجواب ذلك: أن ما وقع من التبديل قليل، وأن الأكثر لم يبدَّل، والذي لم يبدَّل فيه ألفاظ صريحة بينة، تبين غلط ما خالفها، ولها شواهد ونظائر متعدِّدة، يصدِّق بعضها بعضاً، بخلاف المبدل فإنَّه ألفاظ قليلة، وسائر نصوص الكتب يناقضها، وصار هذا بمثابة كتب الحديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا وقع في سنن أبي داوود والترمذي، أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة، وكان في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين ضعف تلك، بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط، وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبيِّن غلطها)، المصدر؛ الجواب الصحيح (ج2/ص442-443)، تحقيق؛ علي بن حسن - عبد العزيز بن إبراهيم - حمدان بن محمد، الناشر؛ دار العاصمة، السعودية، الطبعة الثانية، 1419هـ / 1999م.
السبت 8 ذو القعدة 1431 هـ، 16 أكتوبر 2010م
لينكشوبنج، السويد
pdf
رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق