ولم يستح إنسان من أصله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
في؛ صحيفة الرياض العدد 15308 » منصور النقيدان » لاتستحوا من أصولكم، بتاريخ الأحد 9 جمادى الآخرة 1431هـ - 23 مايو 2010م، كتب منصور النقيدان مقالاً بعنوان "لا تستحوا من أصولكم" بدأه بقصَّة عالم الاقتصاد الأسكتلندي الأصل الذي كان يخفي لكنته أثناء الفترة التي قضاها بجامعة أكسفورد، وأشار إلى أمثلة أخرى مشابهة في بلدان أخرى. 
ولِمَ يستحِ بشر من أصله، وأصله مكرَّم ومشرَّف، فقد خلق الله عزَّ وجل آدم عليه السلام بيديه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، ثم أهبطه إلى الأرض وجعله خليفة فيها، وكرَّم ذريته من بعده، وجعلهم خلائف الأرض؛ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.
وإذا اختار الله عز وجل من سلاسلة آدم من يشاء، فإنه يختارهم بعلمه وحكمته وعدله؛ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وقد اختار الله تعالى من بني إبراهيم بني إسرائيل بعلمه {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ثم نزع منهم الخيرية بعدله، فليس بين الله عز وجل وبين خلقه نسب.
وإذا كان تفاضل الناس في الأخلاق يرجع بعضه إلى الوراثة، فإنَّ أكثر ما يؤثر في الناس في أخلاقهم وسلوكهم هو دينهم.
وكثير من الأخلاق والصفات السيئة في الناس ناتجة عن البيئة والتعليم.
فإنَّ كثرة بعض الخصال الذميمة في بعض القبائل "الوضيعة" - وليس بين البشر وضيع إلا من وضع نفسه، فرده الله أسفل سافلين بعد أن خلقه في أحسن تقويم -، قد تنتج عن الإحساس بالدونية والإهمال دون سبب ولا جناية، كما قال القائل: ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميِّت إيلام، خاصة إذا لم يجد أفرادها من التعليم الديني والتربوي ما يدفع عنهم الاتصاف بما هو قبيح ووضيع.
وإذا احتج المفتخرون بأنسابهم بالصفات الجبلية الموروثة، فلماذا ينسون أنَّ البشر جميعاً ورثوا صفاتهم من آدم عليه السلام؟
وقد تجد في الأسرة الواحدة البخيل والمسرف والكريم، وقد تلاحظ هذه الصفات الحميدة والذميمة في الإنسان منذ صغره، ولكن البخيل الذي بدَّل حاله من كرم إلى بخل، أسوأ حالاً عند الله وعند الناس ممن كان بخيلاً بطبعه، ومن كانت فيه صفة البخل فجاهد نفسه وتخلَّى عنها، فأصبح من أهل الكرم، كان أرفع مقاماً عند الله عز وجل وعند الناس.
ومما يدلُّ على أنَّ الصفات منها جبلي ومكتسب، وأنَّ كل صفة خير يمكن اكتسابها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج بني عبد قيس: (إنَّ فيك لخصلتين يحبهما الله عز وجل ورسوله). قال: وما هما؟ قال: (الحلم، والأناة). قال: أشيء استفدته، أم شيء جبلت عليه؟ قال: (بل شيء جبلت عليه). فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما أحب).
وأما اشتراط الكفاءة في النسب في النكاح، فالأصح أنه أمر مستحسن وليس بمستحب ولا واجب فضلاً عن أن يكون شرطاً، وقد رجَّح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والمستحسن ما كان بالرأي والاجتهاد، والمستحب ما كان بالنص.
وسبب استحسان الكفاءة في النسب ليس المحافظة على النسب، فقد دلَّت التجارب على أنَّ تمازج الأنساب كثيراً ما يؤدِّي إلى النبوغ والتميُّز، والتهجين في النباتات والحيوانات يُستخدم لجمع الصفات المرغوبة.
فالاستحسان إنَّما هو للمحافظة على تماسك الأسرة وتحقيق المودَّة والرحمة والاحترام المتبادل بين الزوجين، وقد دلَّت التجربة على أنَّ الرجل إذا تزوَّج امراة أكثر ثراءاً منه فإنَّه غالباً ما يفقد القوامة في بيته، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى رواية لا أعرف صحَّتها أنَّ زيداً رضي الله عنه كان يشتكي تعالي زينب رضي الله عنها عليه.
وإذا تميَّزت قبيلة أو شعب أو جنس بصفات فإِنَّهم يفتقدون أخرى، فلِمَ لا يتكامل الناس بما عندهم من خصال لعمارة الأرض أولاً بالإيمان ثم بالاستقرار والنمو والازدهار؟
ومن ذلك تميز العرب فطرياً بالعلوم الأدبية: كالإدراية، والسياسية، والقانونية، والحربية، وتميز الشعوب الآسيوية والأوروبية بالصناعة الهندسية تطبيقاً واختراعاً، وتميز الآسيويون بجمال الرسم والخط والتصميم كالبناء والملابس، للمزيد؛ مدونتي » معارف » تنوع الذكاء والقدرات.
وإذا لم يتخلَّ الناس عن الافتخار بنسبهم القريب، ناسين أو متناسين نسبهم البعيد وهو آدم عليه السلام، فإنه لن يستقيم لهم حال، وستظل هذه الفوارق الاجتماعية مصدراً للصفات الذميمة والأمراض النفسية عند ضعاف الشخصية في أقل أحوالها، فتحقد الطبقات "الدنيا" على "العليا"، وتترفع "العليا" على "الدنيا"، وما إخفاء بعض الناس أصلهم إلَّا عرض من أعراض تلك المشاكل والأمراض النفسيَّة، هذا إذا لم تكن الفوارق سبباً للحروب والصراعات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن).
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
الأثنين 10 جمادى الآخرة 1431هـ، 24 مايو 2010م

pdf

رجوع إلى قسم إرشادات

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم د. عمر
    لعلكم بخير
    ذكرتم في مقال حديث أنه يطكر في الاسرائيليات أن زوجة موسى عليه السلام كانت كوشية. و لقد رأسنا كيف أن هذه الثورة تم ربطها بالحضارة النوبية اعلاميا بصور متعددة مثل تسمية المشاركات بالكنداكات و وضع صور ترمز الى الثورة سموها ايقونات الثورة و كذلك ما ينشر بشكل مكثف عن الحضارة الكوشية بل و القول أننا لا ننتمي للعرب ثم ما صرح به وزير الشؤون الدينية بدعوته لليهود "بالعودة" للسودان .. هل يفهم من ذلك من ان الثورة و ما بعدها له علاقة بخطة ماسونية لزرع هذه الافكار في عقول السودانيين حتى ينسلخوا دون ان يشعروا عن انتمائهم لما له علاقة وطيدة بالدين مثل اللغة العربية و العروبة و وضع المرأة في الاسلام الى غير ذلك؟

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
      لاشك أن بعض قادة المعارضة والثورة لهم توجهات تخالف الدين وأن جهات معادية لللإسلام كالصهيونية والماسونية تقف خلفهم، وما ذكرت من ملاحظات هي بعض الدلائل التي تدل على ما يراد ويحاك في الخفاء، والله المستعان

      حذف