التنفير من الردود وفضح طرق أهل الضلال

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
انتشرت في الآونة الأخيرة ثقافة تدعو إلى ترك الردود ولو على أهل الباطل والضلال. واستخدم أهل هذا التوجه عبارات بعضها حق في ذاتها، من ذلك عبارة بضدها تتبين الأشياء! وإذا جاء النور ذهب الظلام، فلا حاجة لحرب الظلام، بل يكفي مجئ النور!
إذا كان الضوء خافتاً فإنه لن يُذهب الظلام بالكامل، بل يبقى النور الخافت وتبقى الظلمة معه. وإن أي باطل وضلال لا يمكن أن ينتشر أو يكون له رواج من غير شبهة حق، قال الله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }، وأهل الباطل يزيِّنون باطلهم ويزخرفونه، ولهذا نجد أهل الفساد جميعاً يدَّعون الإصلاح، كما ادّعى ذلك فرعون عليه لعنة الله { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }. وما اجتمع قوم على باطل وشر إلا وتجد عندهم شيئاً من الحق والخير.
ولهذا السبب بين الله عز وجل في كتابه طرق أهل الضلال والزيغ للحذر منها ولكيلا يلتبس الحق بالباطل على الناس { وَكَذَ‌ٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ }، بل إن شهادة ألا إله إلا الله فيها ركنان عظيمان، والركن الأول منها هو النفي والثاني هو الإثبات، فلا إله نفي لجميع الآلهة الباطلة التي تعبد من دون الله، وإلا الله إثبات لعبودية الله عز وجل وحده { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }، وذلك لأنَّ الشرك لا يكون إلا بعد الإيمان { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ }.
ولهذا نجد أنَّ الله عز وجل قد بين في كتابه العظيم سبل أهل الضلال وطرقهم وبين عاقبتهم ومآلهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ليتعظ الناس بهم ويحذروا طرقهم، وآيات الكتاب العزيز في هذا أكثر من أن تجمع في مقال واحد، من ذلك قول الله عز وجل: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ۖ ذَ‌ٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }.
وأما عبارة بضدِّها تتبين الأشياء فقد وضعت في غير موضعها، بل استخدمت في نقيض ما وضعت له، فالمقصود منها ضرورة بيان الأضداد حتى تتضح الأمور وتتجلى وتظهر، وليس المراد منها ترك بيان الأضداد، فكيف لمن رأى النور فقط أن يعرف الظلام؟ وليس في هذا دعوة لتجريب الباطل كما يدعو لذلك البعض عندما يُبيَّن لهم أن منهجهم باطل فيقولون: كيف تحكم على قطعة الحلوى دون تذوقها؟ وإنما يكفي رؤية أهل الباطل والضلال ومعرفة قصصهم ومآلهم لاجتناب طرقهم.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم طرق أهل الضلال والزيغ ممن ينتسب إلى الإسلام من الفرق الضالة في غير ما حديث، من ذلك الحديث الذي رواه أصحاب السنن، وفيه: ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )، ففي هذا الحديث تحذير من محدثات الأمور والبدع التي أدخلت في الدين فشوهت جماله وحرفت الناس عن الحق، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله اليهود والنصار اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ( يحذر ما صنعوا ).
وبما أن الباطل يتزيَّن ويتجمَّل ويظهر على غير حقيقته فإن أهل الباطل خاصة في أوساط المسلمين يزينون باطلهم، وكلما ظهر الحق وانتشر كلما ازداد تلونهم كالحرباء، خشية أن ينفضح أمرهم، بل ويظهرون بمظهر أهل الخير والصلاح والتقوى، حتى يثق بهم الناس، ثم يلجؤون إلى دس سمومهم في الدسم، ويصبح من الصعب والعسير التحذير منهم بعد أن تعلقت بهم القلوب. ولهذا تجد السحرة والمشعوذين يكتبون كتابات من السحر والطلاسم فيها أحرف وأشكال ونجوم، ثم يزعمون أنَّ المكتوب فيها قرآن، فإذا فتحتها لا تجد فيها آية واحدة من الكتاب، وإذا كتبوا فيها آيات خلطوها بالقاذورات تقرباً للشياطين. ولكنهم لا يخبرون الناس بحقيقة أمرهم، بل يزعمون أن ما فيها آيات من الذكر الحكيم، فلو أخبروا الناس بأنها سحر لما التبس على الناس أمرهم ولما انخدع بهم أحد.
وقد أنزل الله عز وجل سورة التوبة، وفيها الكثير من بيان خصال المنافقين لفضحهم حتى كادت أن تسميهم بأسمائهم، وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يسمونها الفاضحة. وكذلك يجب بيان ما عند أهل البدع والضلال، وما في كتبهم، خاصة لمن وفقه الله عز وجل للإطلاع عليها، واستخراج ما فيها من الباطل، وفضح أمرهم للناس.
وأنصح بالاستماع للشيخ محمد المصطفى عبد القادر حفظه الله تعالى حول بعض من ينتسب إلى التصوف والقرآن والإسلام في السودان، فمما يعجب المرء له أن بعض شيوخهم يقول للشئ كن فيكون! فأسأل الله عز وجل أن يجزيه عنا وعن الإسلام خير الجزاء، وأن يكثر من أمثاله.
فإن مثل هذا الكلام الذي هو في حقيقته كفر صريح وخروج عن الملة لم يقرأه ولم يطلع عليه أكثر المنتسبين إلى هذه الطرق، ولا كثير من المدافعين عنها، ولذا التبس عليهم الأمر، وأخذوا يحاربون إخوانهم ويدافعون عن المجرمين، الذين يطربون ويفرحون لدفاع الناس عنهم، ويحققون لهم مرادهم من التخفي والتلون والظهور بمظهر الخير والصلاح، ليستمروا في خداع الناس ونشر باطلهم، والشيطان له خطوات، سواء كان من شياطين الإنس أو الجن، فلا يزال يتدرج بالناس حتى يوقعهم في الكفر والشرك والعياذ بالله.
ولهذا سار علماء أهل السنة والجماعة على ماكان عليه النبي صلى الله وسلم من بيان الحق وبيان الباطل وحربه، بدءاً بصديق الأمة الذي حارب المرتدين، وحارب علي رضي الله عنه الخوارج، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد )، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم وصفاتهم تحذيراً للأمة منهم. ولذا كان من فقه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، وجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ...إلخ ). وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أثراً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إنما تُنقَضُ عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ).
قال الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه الرد على الزنادقة والجهمية: ( الحمد للّه الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب اللهِ الموتى، ويبصِّرون بنور اللهِ أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب اللهِ تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على اللهِ وفي اللهِ وفي كتاب اللهِ بغير علم، يتكلَّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهَّال الناس بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ باللهِ من فتن المضلِّين ) [1].
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
يوم الخميس 12 رجب 1431هـ الموافق 24 يونيو 2010م

المراجع

[1] الرد على الجهمية والزنادقة ص55، المحقق؛ صبري بن سلامة شاهين، الناشر؛ دار الثبات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.
pdf

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق