كيفية الترجيح في تولي وظائف سياسية

⏩السعي الحزبي للسلطة    ⏫محتويات الكتاب     حكم عضوية البرلمانات⏪

بعد النظر في آلية التولي، فإن كيفية الترجيح في هذه المسائل تكون من جهتين؛ الأولى؛ الترجيح بين تولي الولاية وتركها، والثانية؛ النظر فيما يُمكن تحقيقه من مصالح ودفعه من مضار أثناء التولي.
أما من الجهة الأولى فإذا كان التولي راجحاً على  الترك فقد يجب التولي وقد يُستحب وقد يجوز حسب نوع الولاية وقدرة المتولي وحسن نيته وقوته، فلا شك أن في مزاحمة أهل الباطل تخفيف للشر ودرء لمفاسد أعظم إن لم يمكن تحقيق مصالح أعظم، وذلك إذا لم تصحب المزاحمة مفاسد تُرجح تركها.
أغلب نظر الناس في هذه المسائل يقتصر على النظر فقط فيما يتحقَّق من مصالح ويُدرء من مفاسد أثناء تولي الولاية.
فمع اتفاق الناس على قاعدة أخف الضررين إلا أنك لا تكاد تجد من ينتبه لتفويت ضرر أعظم كان متوقعاً حدوثه بيقين أو ظن غالب ودُفع باحتمال ضرر أخف، فلا يرى الكثيرون إلا الضرر الأخف وأثره السيء، وتجد الناس يبحثون غالباً فيما تحقق أثناء التولي لا فيما تم دفعه من أضرار.
ولو لم يكن النظر من جهة التولي والترك صحيحاً لما أفتى ابن تيمية رحمه الله تعالى بجواز تولي المكوس بنية إسقاط نصفها، وذلك لأن قاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح تعني فيما لو تساوت المصالح والمفاسد أو كانت المفاسد راجحة كما قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى.
فلو كان النظر فقط فيما يمكن تحقيقه من مصالح ودرؤه من مفاسد أثناء التولي، لكانت المصلحة مساوية للمفسدة في مسألة تولي المكوس ولحُرم التولي بناءاً على قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
فالترجيح في مسألة المكوس هو بين تولي ولاية المكوس وتركها، وهو ترجيح بين ضرر راجح وضرر أخف.
وقد مرَّ علي في مجلة البيان نقل عن الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى في تولي المكوس قال فيه: (بل ويجوز الدخول في وظيفة بنيَّة تخفيف مظالِمها ولو كانت قليلة ينتفع الناس بذلك).
وقد ينظر بعض من تعرض عليه ولاية من غير طلبٍ من جهة أنه في سعة واختيار، ولو نظر إلى مآلات الأمور وما يترتب على تولي الفسقة والكفار من فساد لكان أضبط فقهاً وأبعد نظراً.
وقد جاء في النقل المشار إليه عن الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى؛ (فما دام الأمر يخفف الشر؛ كلما كثر أهل الخير فهو أحسن لا شك. ومن قال: لا أجد إلا هذه الوظيفة، فإن الرزق على الله، لكن لو قال: لو لم أتوظف فيها لتوظف فيها فاسق فاجر يفسد في الأرض بعد إصلاحها، فلا بأس، والمصالح العامة يجب مراعاتها... نقول: هل أنت إذا امتنعت عن هذا؛ هل سيبقى الجو فارغاً؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها) [1].
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة ٢٧ رجب ١٤٣١هـ، ٩ يوليو ٢٠١٠م
التعديل؛ الأحد ٢٠ رجب ١٤٤١هـ، ١٥ مارس ٢٠٢٠م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق