العدوان الأخير على غزة، الخسائر والأرباح

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اختلفت قراءة آثار الاعتداء الأخير على غزة من ناحية الأرباح والخسائر من الجانب العربي المسلم، وكذلك اختلفت قراءة آثار الاعتداء من الجانب الإسرائيلي والغربي. ثمة في الجانبين من يرى أن إسرائيل فشلت في حربها على غزة، مثل بعض الأحزاب الإسرائيلية المعارضة وبعض المحللين الإسرائيليين وبعض الأحزاب والجماعات العلمانية والإسلامية. وثمة في الجانبين من يرى أن إسرائيل حققت أهدافها، وأن الإخوة في حماس خصوصاً والمقاومة على وجه العموم هو الخاسر الأكبر في الحرب الأخيرة.
لا توجد معركة في التاريخ ليس فيها خسارة في الجانبين، ولا معركة ليس فيها مصالح للجانبين. فلا يكفي النظر إلى المصالح والمفاسد فقط والتي عادة ما تضخم من هذا الجانب أو ذاك لأجل مكاسب سياسية أو التأكيد على خيارات هذا الطرف أو ذاك. إذ لابد من النظر إلى مقدار المصالح والمفاسد والموازنة بينها، ومدى تأثيرهما على مجريات الأحداث على المدى القريب والبعيد.
مجرد النجاة من الهلاك او الانهيار التام لا يعد نصراً إلا إذا كانت النجاة من طرف ضعيف غير قادر على أكثر من النجاة، وإذا كان أثرها في المستقبل في صالح الطرف الضعيف، وإذا كان الضعيف متصفاً بالحكمة مع تمسكه بمبادئه دون تنازل أو تهور يفسد قضيته أو يضعفه، يدل على هذا قول الله عز وجل: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}.
لا يمكن معرفة الأهداف الحقيقية للعدو الإسرائيلي من اعتدائه الأخير من مجرد تصريحات الحكومة الإسرائيلية، فالأفعال أصدق من الأقوال. الأقوال الصادرة من العدو الإسرائيلي، وهي أهداف معلنة من الاعتداءات المتكررة على غزة هي؛ القضاء على حماس، إيقاف الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، منع تهريب السلاح، وخلق الأمان لمدنيي إسرائيل.
أفعال العدو في اعتدائه الأخير هي؛ استهداف للمدنيين والبنى التحتية بحجة أن حماس تتترس بهذا وذاك. وقد شمل الاعتداء البيوت، المدارس، المساجد، المستشفيات، المحلات التجارية، الحوانيت، الأزقة، الشوارع، استهداف أطفال عائدين من المدارس ... إلخ. وهل إسرائيل مقتنعة فعلاً بأن حماس تتترس بالأزقة والشوارع والحانات والمستشفيات والبيوت ... إلخ؟
بما أن الأفعال أصدق من الأقوال فالأهداف المحتملة، وهي الأهداف غير المعلنة هي؛ القضاء على الأنفاق بين غزة وبقية فلسطين المحتلة، إضعاف حماس سياسياً، إضعاف المقاومة عموماً عسكرياً وسياسياً، استهداف المدنيين لأجل الضغط على حماس والمقاومة وإفقادها شعبيتها في غزة، تهجير الفلسطينيين بالاعتداءات المتكررة على غزة.
أهداف حماس من إطلاق الصواريخ، وهي الأهداف قصيرة الأجل لحماس والجهاد الإسلامي هي؛ رفع جميع أشكال الحصار عن شعب غزة وحكومته والمقاومة الفلسطينية. وهذه هي شروط الفصائل الفلسطينية للهدنة عقب الاعتداء الأخير؛ توسعة حيز الصيد، إطلاق سراح المعتقلين الذين اعتقلوا بعد الإفراج عنهم في صفقة التبادل الأخيرة مقابل جلعاد شاليط، فتح المعابر مع العالم، افتتاح مطار وميناء بإشراف الأمم المتحدة، رقابة دولية على معبر رفح، إغلاق مجال غزة الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، السماح لسكان غزة بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، وتعهد إسرائيل بعدم التدخل في السياسة الداخلية الفلسطينية مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية أو فتح منطقة صناعية حرة في غزة.
هل حققت حماس أهدافها المرحلية أو شروطها في الهدنة؟
لم أجد لحماس والفصائل الفلسطينية تفاصيل عن اتفاق الهدنة الأخير وما حققته حماس والمقاومة في هذا الاتفاق. ولكن يبدو أن ما تم تحقيقه هو جزء قليل جداً من الشروط التي وضعتها الفصائل الفلسطينية، فيبدو لي أن فتح المعابر كان جزئياً بغرض تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وتسهيل انتقال المرضى والجرحى، وتسهيل إعادة بناء القطاع والذي يسهم في تعويض خسائر العدو الإسرائيلي من الحرب الأخيرة، لأن المواد الخام تشترى من إسرائيل. انظر؛ صحيفة المصريون الإلكترونية » أبومرزوق يكشف تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل وانظر؛ موقع الجزيرة نت » الأخبار » اتفاق هدنة طويلة بغزة وحماس تعلن الانتصار.
لا أظن أنني بحاجة إلى ذكر الخسائر المادية بما في ذلك الاقتصادية والبشرية والبنية التحتية في الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي فهي واضحة لكل متابع. من المصالح التي حققتها حماس في الفترة الماضية ازدياد قوتها العسكرية باقتناء وتصنيع صواريخ أطول مدىً، وحفر أنفاق وتمويه منصات إطلاق الصواريخ التي حيرت العدو الإسرائيلي رغم الحصار ومحدودية الإمكانات وصغر المساحة وحجم التحرك والدعم الدولي. وأما من الناحية المعنوية، فهل حققت حماس مصلحة سياسية محلياً أو إسلامياً وعربياً أو عالمياً؟ وما أثر هذه المصلحة في مستقبل حماس والمقاومة؟ وهل حققت مصلحة التأكيد على خيار المقاومة ورفض الطريق السلمي الذي اختارته فتح؟
أما إسلامياً وعربياً من الناحية الشعبية فقد حققت تعاطفاً شعبياً منقطع النظير مع حماس وخيار المقاومة. الأثر؛ لا أثر يذكر على أرض الواقع غير خروج المسلمين في مظاهرات رافضة للاعتداء في محاولة للفت الانتباه لمعاناة إخواننا الفلسطينيين. السودان حقق تعاطفاً إسلامياً وعربياً شعبياً منقطع النظير مع بدايات الإنقاذ، ولكن التجربة علمته أن موازين القوى الإقليمية والعربية والدولية هي الأهم في إدارة الصراعات لصالح القضايا الإسلامية والوطنية والقومية. وأما إسلامياً وعربياً من ناحية الحكومات فلم تحقق حماس شيئاً يذكر، كسبت حماس دول معدودة مثل السودان وتركيا وقطر وإيران، وإيران تعادي في الحقيقة حماس بأكثر من عدائها لإسرائيل حتى وإن ظنت حماس وبعض فصائل المقاومة أن إيران تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، وواهم كل من يظن خيراً في إيران.
وأما محلياً من الناحية الشعبية فإنَّ فتح تدعي أن حماس ترفض إجراء انتخابات في غزة بسبب خوفها من النتائج. ولا توجد تقارير محايدة من داخل القطاع، والتعاطف الإسلامي العربي ليس دليلاً على تعاطف شعب غزة مع حماس. في بدايات الإنقاذ بالسودان كان الشعب السوداني ضد الحكومة بينما كان العرب والمسلمون إلى جانبها، وبينما كان الشعب المصري ضد مرسي، كانت الشعوب العربية والمسلمة إلى جانبه. وأما محلياً من ناحية السلطة فقد وافقت حماس على حكومة وفاق وطني، فهل المصالحة تمت بسبب قناعة فتح بخيار المقاومة؟ أم هو بسبب قناعة حماس بخيار السلام؟ أم هو بسبب ضعف حماس؟ أم هو حل وسط بين السلام والمقاومة توصلت إليه الفصائل الفلسطينية مجتمعة بعد إخفاقات في الجانبين السلمي والحربي؟ وقد تحول خطاب حماس من وصف فتح بالعمالة والارتزاق والفساد إلى وصفهم برفقاء النضال والتضحية.
عالمياً من الناحية الشعبية؛ يبدو أن المظاهرات الغاضبة التي نظمها المسلمون في جميع أنحاء العالم أثرت في تعاطف كثير من الناس مع القضية الفلسطينية، وأما عالمياً من ناحية الحكومات وموازين القوى فلم تحقق حماس والمقاومة شيئاً يذكر.
هل كان لاعتداء إسرائيل على غزة أثر في ضعف روح المقاومة سواء على المدى البعيد أو القريب ورجحان خيار السلام؟ إسرائيل لا تحتاج إلى مبرر للإعتداء على الفلسطينيين ولكنها تحتاج إلى مبرر لإقناع مواطنيها بالحرب وإلى إقناع العالم بضرورة الحفاظ على أمن مواطنيها، وهذا ما يتطلب أن تكون كل تحركات المقاومة مدروسة النتائج.
اعتداء إسرائيل الأخير على غزة في ظل حكومة الوفاق الوطني واستهداف المدنيين أكد للفلسطينيين والعرب وكل مراقب صادق أن خيار السلام المجرد عن استخدام أدوات الضغط لا يجدي مع إسرائيل، وأكد على خطأ اتفاقات أوسلو. وقد نصت اتفاقات أوسلو على الديمومة في العلاقات مما يعني اعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وقد قبلت فتح بسلطة مجردة تماماً عن السلاح والقوة وتتبع لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، فقد أكددت التجارب أن الفلسطينيين لم يستفيدوا شيئاً من هذه الاتفاقات.
وقد أكدت الاعتداءات الأخيرة أنَّ خيار المقاومة يجب أن يكون مدروس النتائج، وألا يعتمد فقط على مجرد استعطاف الشعوب العربية والمسلمة من غير نظر متعمق لموازين القوى الإقليمية والدولية وتقديم دفع الضرر الأكبر على الأصغر والبعد قدر المستطاع عن الصراعات الداخلية الفلسطينية أو الفلسطينية العربية والتي أفسدت القضية، ولكن يشكر للفصائل الفلسطينية توحدها أثناء الاعتداء الأخير مع بعض التجاوزات أثناء الاعتداء وبعده.
والقضية الفلسطينية هي قضية كل المسلمين لأنها قضية إسلامية في المقام الأول ولارتباطها بالمسجد الأقصى. وهي قضية كل العرب لأطماع إسرائيل التوسعية ولسعيها الدائم لإضعاف حكومات المنطقة خوفاً على مصالحها، فإن إسرائيل تعلم أن كل الأحزاب والشعوب في المنطقة سواء كانت علمانية أو إسلامية أو شيوعية تعتبرها دولة غير شرعية وتعلم أن استقرار وقوة المنطقة فيه تهديد لوجودها من أصله، فإن انفصال الجنوب بالسودان، وأحداث العراق، وأحداث مصر، وكل ما يحدث في المنطقة كانت وراءه إسرائيل، ولا ننسى أكلت يوم أكل الثور الأبيض. ولا ننسى أن الخطر الفارسي الإيراني لا يقل عن الخطر اليهودي الإسرائيلي بل هو أشد منه خطراً، لأطعماعها التوسعية في المنطقة، ومحاولتها فرض المذهب الشيعي بالإكراه والقتل على الهوية والإغراء في أوساط أهل السنة.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء 7 ذو القعدة 1435هـ، 2 سبتمبر 2014م
pdf

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق