من أجل تيسير فهم الأزمة الاقتصادية العالمية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
يرى بعض الاقتصاديين أن الاقتصاد وإدارة الأعمال ليست علوماً، وإنما معرفة مهنية تُكتسب بالخبرة والمقدرة الشخصية على التحليل السليم، ولكن تبقى أهمية التخصص لجمع المعلومات المتجددة والقدرة على تحليل الأرقام باستخدام الآليات الرياضية كالتفاضل والتكامل أو البرامج المختصة، وكل هذا يحتاج إلى خبراء ومختصين يتفرغون لجمع الملعومات وتحليلها.
مما يعقد فهم المختصرات الأخبارية للقضايا الاقتصادية عدم معرفة المصطلحات الاقتصادية وعدم معرفة الصورة الكلية.
فلا يمكن مثلاً معرفة معنى ضخ الحكومة الأمريكية لمبلغ 700 مليار دولار إبَّان الأزمة الاقتصادية عام 2008م لتغذية البنوك مع عدم معرفة الأرقام الكليَّة، كما لا يمكن أن تعرف مقدار ما يمكن أن تصرفه لشراء سيارة من غير معرفة كم عندك من سيولة، وقد بدأت هذه الأزمة عام 2007 وظهرت بجلاء عام 2008.
لأجل تسهيل فهم الأخبار والتحليلات الاقتصادية للقارئ الكريم كتبت هذا المختصر، وفيه تعريف بعض المصطلحات الاقتصادية المهمة، وهي محاولة لفك بعض الطلاسم التي جعلت من الاقتصاد والاستثمار أمراً معقداً يصعب فهمه على النخب فضلاً عن غيرهم، وفي المقال أيضاً ذكر الأرقام التي توضح الصورة الكلية لاقتصاد الامبراطورية الأمريكية.
السوق الحر
السوق الحر هو الذي لا تتدخل الدول فيه بقيود مضرة كالتسعير لغير سبب مُلجيء.
تُحدَّد الأسعار في السوق الحر بالعرض والطلب، فعلى سبيل المثال فإنَّ سعر الطماطم في الموسم يكون منخفضاً، والسبب هو زيادة العرض على الطلب، مما يحفز بعض البائعين لتخفيض السعر لجذب الزبائن وزيادة التسويق، مما يؤدي إلى انخفاض سعرها بسبب التنافس بين البائعين، إلى أن يستقر السعر قريباً من تكلفة الإنتاج والنقل، وقد يضطر البائع أحياناً لبيع ما عنده بأقل من التكلفة ليقلل نسبة الخسارة.
التضخم
إذا نظرنا إلى التضخم من زاوية الثمن، فيمكن تعريف التضخم بنقص سعر العملة مع كثرتها، كما يمكن النظر إليه من زاوية المثمن (السلع، الخدمات، الأصول المالية)، وفي هذه الحالة يعرف التضخم بزيادة الأسعار. 
يحدث التضخم في العملات سواءٌ كانت مغطاةً بالمعادن الثمينة أو لم تكن، ولمعرفة كيفية  حدوثه في الحالة الأولى لابد أولاً من معرفة الفرق بين القوة الشرائية للعملات الورقية والقوة الشرائية للنقدين والمعادن الثمينة.
فالقوة الشرائية للعملات الورقية اسمية، بينما القوة الشرائية للذهب والفضة والمعادن الثمينة حقيقية، وذلك لأن للذهب والفضة والمعادن الثمينة قيمة ذاتية، وأما العملات فقيمتها من التغطية بالمعادن الثمينة إذا كانت مغطاة بها، أو من مجرد الطلب عليها إذا لم تكن مغطاة بالمعادن الثمينة.
ولذلك إذا قرَّرت الدولة إلغاء سك الذهب (الدينار) فإن قميته تبقى، وكذا إذا ألغت سك الفضة (الدرهم)، لأن قيمة الذهب والفضة ذاتية.
وأما إذا ألغت الدولة العملة الورقية فإن قيمتها تنتهي وتصبح بلا قيمة، وتصبح العملة القديمة بلا قيمة عادةً بعد مهلة تحددها الدول لتحويل العملة القديمة بالجديدة.
لشرح معنى التضخم عندما تكون العملة مغطاة بالمعادن الثمينة؛ نأخذ مثالاً لقرية صغيرة، ولديهم مصرف محلي يتولى طباعة العملات الورقية ليتداولها الناس.
هذا المصرف جمَع من أهل القرية 500 كيلو جرام من الذهب، لحفظها لهم من السرَّاق وقطاع الطرق، وأعطى مقابل الذهب عدداً من الأوراق النقدية كسندات مالية لمالكي الذهب، وقد تعهَّد هذا المصرف الذي يثق به النَّاس أن يعطي عند الطلب لحامل السند من العملات الورقية المبلغ الحقيقي وهو الذهب.
فإذا طبع المصرف 500 ورقة مقابل ما عنده من ذهب (500 كيلو جرام)، فإنه يستطيع أن يدفع مقابل كل ورقة 1 كيلو جرام من الذهب، وأما إذا طبع 1000 ورقة، فإن قيمة الورقة الواحدة تكون نصف كيلو جرام، وهذا هو التضخم في العملة، وهو نقصان القوة الشرائية للعملة مع زيادة السيولة وهي كمية النقد المتداول.
وأما إذا لم تكن العملة مغطاة بالمعادن الثمينة فإن قيمتها الشرائية تتحدد فقط بالعرض والطلب المحلي والعالمي عليها كالسلع، فإذا زاد العرض مقابل الطلب نقصت قيمة العملة، وكذا إذا نقص الطلب مقابل العرض.
خلاصة أسباب التضخم في الأثمان عموماً هي؛ زيادة طباعة النقود من غير زيادة في الإنتاج والاستثمار الحقيقي، وزيادة الأرصدة من غير زيادة في الإنتاج والاستثمار الحقيقي.
قيمة الدولار
القيمة الحقيقية لأي عملة تتحدد بالتناسب بين قوَّتها الشرائية وكمية النقد المتداول، وبهذا يُمكن معرفة قوة اقتصاد البلد.
فلابد من ارتفاع القوة الشرائية مع زيادة كمية النقد المتداول لتصبح للعملة قيمة حقيقية، فزيادة القوة الشرائيَّة قد لا تعني شيئاً إذا صاحبها انخفاض في النقد المتداول.
ولهذا فإن قيمة الدلار تأتي من جهة قوته الشرائية وكميَّة الدولار المتداولة عالمياً،  وكمية الدولار المتداولة عالمياً سببها؛ الثقة به، والسلع المصدرة، واتفاقية البترودولار.
اتفاقية البترودولار تجبر أي دولة في العالم تريد أن تشتري النفط على شراء الدولار أولاً لأجل شراء النفط، مما يزيد من الطلب العالمي للدولار.
إذا كان بيع النفط بالدولار نتاج عقد واتفاق، ففي العقود منافع متبادلة، وهي في اتفاقية البترودولار الحماية مقابل بيع النفط بالدولار.
وأما إذا كان بيع النفط بالدلار مفروضاً عن طريق الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، فإنه يُعتبر في هذه الحالة نوعاً من الضرائب المفروضة على تلك الدول، وقد قيل بأن من أسباب التعجيل بسقوط نظام صدام حسين في العراق هو عزمه على استبدال الدولار بحزمة عملات لبيع النفط، وقيل بأنه ذات السبب في التعجيل بسقوط نظام القذافي في ليبيا. 
عام 1971م رفعت الحكومة الأمريكية التغطية للدولار بالذهب، ولا يخفى على العاقل ما في هذا القرار من القرصنة والسرقة، ولكن مع ذلك يصاب الدولار بالتضخم عند وجود ركود اقتصادي بنقص الاستثمار الحقيقي والطلب المحلي عليه، وقد يصاب الدولار بالتضخم بسبب انخفاض الطلب العالمي عليه.
الركود الاقتصادي
يعني الركود الاقتصادي انخفاضاً ملحوظاً وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي وفي الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما، أو نمواً سلبياً في النمو الاقتصادي الحقيقي لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر.
وعادةً ما تزداد في فترة الركود البطالة وتنخفض فيها قيمة الاستثمارات وأرباح الشركات.
والفصل هو الربع، ويعني ربع السنة، فهو ثلاثة أشهر.
الكساد الاقتصادي
يُطلق على الركود إذا كان لفترة طويلة الكساد الاقتصادي، والذي يوصف إذا كان خطيراً بالانهيار الاقتصادي.
الانتاج الحقيقي
لو قطع النجار الأشجار وصنع من الأخشاب مقعداً فهذا انتاج حقيقي، فالانتاج الحقيقي هو في الزراعة، والرعي، ومزارع الأنعام، والصناعة سواء كانت نجارة أو تصنيع إلكترونيات أو سيارات أو سفن أو طائرات، ونحو ذلك من الأشغال كالنقل بالسفن وغيرها.
فالانتاج الحقيقي ما بُذل فيه جهد بشري، وليس بالضرورة أن يكون جهداً مضنياً، فإذا كان الإنسان نائماً والعمال يعملون له فهو جهد بشري، وكذا لو كان نائماً والحاسب الآلي يعمل له فهو جهد كذلك، لأنَّ الجهاز يحتاج إلى جهد بشري من ناحية الصناعة الإلكترونية والبرمجة والصيانة حتى يؤدي وظيفته.
أسواق المال
يُطلق على المؤسسات التي ليس فيها إنتاج حقيقي اسم المؤسسات المالية، ويطلق على تلك الأسواق اسم أسواق المال، فأسواق المال تشمل البنوك وشركات التأمين وأسواق البورصات.
البورصات ومؤشِّراتها
البورصات هي أسواق الأصول المالية أو الأوراق المالية، وتوجد أكثر من بورصة في بعض الدول، ولفهمها يمكن تشبيهها بالمحلات التجارية العادية غير أنه لا تباع فيها سلع عادية، وإنما تُباع فيها الأصول المالية أو الأوراق المالية، وهي الأسهم والسندات، ولأن السندات ربوية؛ أُحدثت صيغة في الدول المُسلمة بديلة للسندات تُسمى بالصكوك، والصحيح منها صكوك المشاركة والمضاربة بشروطها.
شركة المساهمة هي نوع من الشراكة غير أن المشاركين بأعداد كبيرة، لكل واحد من هؤلاء سهم أو عدة أسهم بالشركة، فتصبح شراكته في المؤسسة الاقتصادية بقدر عدد الأسهم التي يمتلكها.
تحدد قيمة الشركة وأسهمها بكل ما تملك الشركة من نقد مالي سواء كان في شكل سيولة أو سندات مُستحَقَّة للشركة، وما تملكه من أُصول وممتلكات غير نقديَّة سواء كانت ثوابت أو منقولات، وبكل الاعتبارات بما في ذلك نقصان قيمة الممتلكات بسبب الاستعمال ونحوه، وباعتبار التوقُّعات المستقبليَّة للربح.
السندات هي أوراق مالية بمبلغ معين، تبيعها الشركات، بغرض تمويل مشروع جديد أو قديم، وهي دين ربوي على الشركة للمُشترين، لأن الشركة تعطي عليه فوائد محددة ثم تُعيد المبلغ متى ما أراد المُشتري، ولهذا أُحدثت صكوك المشاركة والمُضاربة بديلاً للسندات في الدول المسلمة. 
المؤشرات تعطي صورة مجملة عن النشاط الاقتصادي، وهي أنواع، ويعطي كل منها دلالة معينة، من ذلك مؤشر البورصة نفسها ويشمل كافة الأسهم المدرجة في السوق، ومنها مؤشرات شركات كبرى مدرجة في السوق.
وتحسب المُؤشرات بطرق مختلفة، منها المتوسط الحسابي، وذلك بقسمة مجموع أسعار أسهم الشركات الداخلة في المؤشر على عددها.
وكلَّما كان السوق يحوي عدداً أكبر من الشركات العملاقة كلما أخذ مؤشر السوق أهمية أكبر، وتُقدر قيمة مجمل الشركات في بعض البورصات بتريليونات الدولارات، وتقدر عدد الشركات فيها بآلاف الشركات.
الكساد العظيم
ما عُرف بالكساد العظيم الذي عمَّ العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي بدأ في وول ستريت بأمريكا عندما حدث انهيار في أسواق الأصول المالية يوم 29 أكتوبر عام 1929م فيما عرف بالثلاثاء الأسود، واستمر هذا الكساد إلى فترة الحرب العالمية الثانية.
لم يكن أحد يتوقَّع حجم الأزمة، ولا حتى الخبراء الاقتصاديون وزعماء الدول، فالكثيرون كانوا يتوقعون أنها مجرد ضربة خفيفة أو تصحيح للسوق، وفي كل الأحوال ليس أكثر من الركود الذي ضرب أمريكا إبَّان الحرب العالمية الأولى، غير أن الواقع تجاوز كل تلك التقديرات، مما يعني أن الانهيار الاقتصادي قد يكون مفاجئاً للجميع.
القرار الاقتصادي الدولي
بناءاً على مقررات مؤتمر النقد الدولي المعروف باسم اتفاقية بريتون وودز والذي انعقد في الفترة من 1 إلى 22 يوليو عام 1944م، فقد ربح الدولار مركزاً بعلاوة كعملة مرجعية، فأصبح الدولار المرجع للعملات الأُخر.
وقد كان ذهب أمريكا لوحدها في تلك السنة يساوي نصف ذهب العالم، وذلك عقب الحرب العالمية الثانية، وعقب الخروج من الكساد العظيم مباشرة.
وقد كانت الحرب هي السبب في خروج أمريكا من المأزق الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان ذلك عبر بيع السلاح.
وقد حدَّد مؤتمر بريتون وودز الخطوط العريضة للاقتصاد العالمي عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث إنَّ القرار في هذه المؤسسات الماليَّة الدولية حسب رأس المال.
تدريجياً صعدت دول أخرى، ونقص رأس مال أمريكا في المؤسسات المالية الدولية مقابل دول أُخرى، وأصبحت الدول الغنية تُسمَّى بالدول الثمانية.
اجتماع العشرين
يُعد اجتماع العشرين الذي كان في شهر نوفمبر من عام 2008م أهم لقاء اقتصادي عالمي بعد اجتماع 1944م، والذي حدد الخطوط العريضة للسياسات المالية والاقتصادية الدولية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
بعد تفجر الأزمة العالمية، وبعد الحاجة إلى الدول التي تملك فائضاً مالياً لدعم المؤسسات المالية الدولية، لاستخدامها في إقراض الدول المتضرِّرة من الأزمة، سُمح للدول التي عندها فائض مالي بزيادة رأسمالها في المؤسسات الدولية مما يعني إعطاءها دور أكبر في القرار الاقتصادي العالمي.
الصورة الكلية لاقتصاد الإمبراطورية الأمريكية
لمعرفة حجم المشكلة ولو على مستوى الحكومة الأمريكية دون القطاع الخاص فلابد من معرفة الصورة الكلية، ولمعرفة ذلك لابد من اعتبار الدولة كجهة تشبه الفرد أو الشركة في ممتلكاتها ومدخولاتها ومصروفاتها.
الميزانية الأمريكية العامة
الناتج الإجمالي القومي هو مقياس لاقتصاد الدول، وهو مجموع المنتج من السلع والخدمات لدولة ما بما في ذلك القطاع الخاص والعام في السنة، ويشمل ذلك المنتج خارج أراضي الدولة، بينما يُعتبر الناتج الإجمالي المحلي بمجموع المنتج من سلع وخدمات داخل أراضي الدولة.
الناتج الإجمالي القومي للولايات المتحدة الأمريكية في هذه السنة (2008) حوالي 14.265 تريليون دولار.
والدين القومي في هذه السنة يقدر بحوالي 10 تريليون دولار.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر مديونية في العالم.
الدين القومي الأمريكي هو دين الحكومة الاتحادية فقط، ولا يشمل الدين على الولايات والمحليات والقطاعات الخاصة.
فمن أين لأمريكا سداد ديونها على المدى البعيد؟ وهي تتراكم وتتزايد كل سنة مالية، ومعدل النمو لا يبشر بالتغلب على مشكلة العجز والدين القومي.
ميزانية عام 2008م
مصروفات: 2.98 تريليون دولار. دخل: 2.5 تريليون دولار. عجز: 455 مليار دولار.
لا يخفى على أبسط التجار معرفة، بل على كل من يتصرَّف مالياً حجم الأزمة التي تعيشُها الإمبراطورية الأمريكية بعد قراءة سريعة للأرقام السابقة.
القطاع الخاص
إنَّ اقتصاد دولة ما لا يُعتبر فقط بالقطاع العام أو الدولة، ولكنه أهم القطاعات لأنَّ أكثر الخدمات من صحة وتعليم وأمن بما في ذلك الشرطة والأمن الخاص والجيش هو من مصروفات خزينة الدولة، وإذا حدث خلل كبير في ميزانية الدولة فإنه يؤدي إلى ضعفها عسكرياً وسياسياً وأمنياً وصحياً.
غير أن القطاع الخاص ذو أهميَّة كبيرة جداً في الاقتصاد، ولهذا سارعت الدول بمحاولة إقالة البنوك من عثراتها رغم أن بعضها من القطاع الخاص.
وذلك لأن قوة اقتصاد القطاع الخاص تؤدي إلى توسع الاستثمار العام زيادة عائده، وهذا إلى جانب تأثير القطاع الخاص في الدخل القومي عبر الضرائب والتي هي نسبة من الدخل الخاص، فبالتالي يزيد الدخل القومي بزيادة الانتاج وانتعاش الاقتصاد ونموه وزيادة الدخل الخاص.
والشركات الخاصة توفر فرص عمل للموظفين والعمال والحرفيين، وبالتالي ترفع العبء عن الدولة في دعم العاطلين، إضافة إلى المساهمة في الخدمات الصحية والتعليمية ونحوها من الخدمات العامة.
ولهذا إذا حدث خلل في القطاعات الخاصة فإنه مما يسارع في انهيار الاقتصاد عموماً، وهذا ما حدث في أزمة الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث بدأت بانخفاض كبير في مؤشر البورصات ثم تبع ذلك الكساد الاقتصادي فيما عُرف فيما بعد بالكساد العظيم.
أزمة القطاعات الخاصة
لمعرفة حجم الأزمة التي يتعرض لها القطاع الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية إليك هذه الأرقام في عام 2008؛ مجمل ديون الأفراد في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت أكثر من 6 تريليون دولار، مجمل مديونية الشركات بلغت أكثر من 18 تريليون دولار.
الأزمة الاقتصادية العالمية
لقد كانت بداية المشكلة بسبب الديون الربوية، حيث بدأت قبل عام 2007م بسبب التساهل في الرهن العقاري، وهذا التساهل في الإقراض كان بسبب جشع البنوك، إضافةً إلى نقصان النشاط الاقتصادي، ونقصان النشاط الاقتصادي قد يعود إلى دورات اقتصادية ناتجة عن الربا، وذلك عندما يُحجم المدينين عن الشراء فترة ثقل الكاهل بسبب سداد الدين الربوي.
فبسبب أن الأسعار في السوق الحر تتحدد بالعرض والطلب حدث انهيار في سوق العقارات، فاستحواذ البنوك على العقارات ممن لم يسدد الأقساط ثم عرضها في السوق أدى إلى انخفاض أسعارها بنسب كبيرة حيث زاد العرض على الطلب.
مما زاد المشكلة تعقيداً أن الاقتصاد كله مبني على الديون، فالأموال التي تُقرضها البنوك لعملائها ليست كلها ملكاً للبنك فبعضها ديون ربوية من بنوك أخرى، وبعضها من الودائع البنكية للأفراد والمؤسسات والشركات، ولهذا انتقلت المشكلة إلى أسواق الأوراق المالية الأُخرى وإلى الاقتصادات الحقيقية، ثمَّ انخفضت أسعار البترول بسبب نقص الطلب، وذلك بسبب نقص النشاط الاقتصادي في الاقتصادات الحقيقيَّة مما أدَّى إلى نقص استهلاك البترول.
والأزمات المالية الأمريكية تطال كل من يتعامل بالدولار من حكومات وشعوب العالم سواءاً بالإقراض أو الاستثمار أو الإيداع أو احتياطي العملات الأجنبية بقدر حجم ذلك التعامل، ولذا انتقلت الأزمة إلى بقية دول العالم.
حلول الأزمة
إن نقص الميزانية سنوياً في الولايات المتحدة مع ضعف النشاط الاقتصادي لا يمكن حله إلا بأحد خمسة طرق إذا استبعدنا طريق الحروب وزيادة الإنتاج والنشاط الاقتصادي، وزيادة حجم الإنتاج والنشاط الاقتصادي هو الحل الأنجع والأمثل.
  1. طبع المزيد من الدولارات مما يعني التضخم ونقصان القوة الشرائية للدولار، وزيادة الطباعة سرقة، فإذا كان لديك مبلغ 100 دولار ونقصت قوتها الشرائية إلى ما يعادل 70 دولاراً، فإنَّ الإمبراطورية العظيمة قد سرقت منك حوالي 30 دولاراً.
  2. الاستدانة من القطاعات الخاصة أو المؤسسات المالية الدوليَّة أو الدول الدائنة، مما يعني زيادة مديونية الدولة والتي بلغت 10 تريليون دولار، مما يزيد المشكلة تعقيداً خاصة مع وجود الفوائد الربوية.
  3. إنَّ لجوء الإمبراطورية الأمريكية لحل المشكلة بالدين الربوي هو الدواء بالداء، لأن أصل المشكلة هو  الدين والربا، والمال لا يبيض مالاً ولا يفرخ ذهباً، ولا يوجد نمو اقتصادي حقيقي من غير زيادة في النشاط الاقتصادي.
  4. تخفيض النفقات الحكومية، وهذا يؤدي إلى الانكماش بسبب أن صرف جهة يعني كسب أخرى، فإذا قللت الحكومة النفقات، قل التبادل التجاري، وهذا قد يؤدي بدوره إلى الانكماش، كما أنَّ تقليل النفقات الحكومية قد يؤدي إلى حالة ما يسمى بالاضطرابات المدنية بسبب صعوبة الحياة على المواطن.
  5. مفاوضة الجهات الدائنة لأجل خفض سعر الفائدة على الديون لحل مشكلة التراكم، وذلك لأجل تخفيض الديون بالإعفاء من جزء من الدين أو السداد طويل الأجل، وهذا الحل يضر بالدائنين، وقد يؤدي إلى توقفهم عن إدانة أمريكا، فأكبر المقرضين في العالم مثل الصين واليابان وبريطانيا وأبوظبي قد يتوقفون عن المخاطرة بالاستثمار قليل الفائدة بإدانة الإمبراطورية الأمريكية.
  6. إعادة توزيع الثروات عبر زيادة جمع الضرائب من الفئة الأكثر ثراءاً، وهذا قد يحمل الأثرياء على غش الضرائب وبالتالي الإضرار بالحكومة المركزية.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
الخميس 13 ذو الحجة 1429هـ، 11/12/2008م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق