العمل بالأهلة في كل شيء عدا ما له صلة بالمناخ

⏩اختلاف مطالع الهلال      ⏫محتويات الكتاب      عدد أيام السنة القمرية⏪

دلت النصوص على وجوب اعتبار الأشهر بالأهلة طبيعةً والسنين بالأهلة حساباً بجمع الأشهر، وعلى اعتبار الأيام والصلوات بالشمس طبيعةً، والأسبوع بالشمس حساباً بجمع الأيام، وذلك لقول الله جل ثناؤهُ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.
وقال الله تعالى ذكرُهُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
والعمل بالأهلَّة رؤيةً بالعين أو بالعلم للشهر وحساباً للسنة بمجموع الأشهر واجب في العبادات والمعاملات لقول الله تعالى ذكرهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، وبهذا قال المفسرون، وهو محل إجماع بين العلماء.
ذكر الطبري رحمه الله في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تأويل الآية: (ووقت حجهم، وعدة نسائهم، وحل دينهم) [1].
ولهذا لما رأى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن العمل برؤية العِلم لا يصح عمم ذلك في العبادات والمعاملات، فقال: (فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز) [2].
والناس يعملون في المعاملات والزكاة وهي من العبادات بتقويم أم القرى وهو حساب فلكي يعتمد على الحساب بمعيار فيه مخالفة صريحة للنصوص والإجماع، وهو أن تحدث الولادة قبل غروب الشمس ويغرب القمر بعد غروب الشمس، فلو مكث دقيقة واحدة فإنه لن يكون في طور الهلال ورؤيته مستحيلة يقيناً.
ووجوب العمل بالأهلة في العبادات والمعاملات وسائر الأمور لا يعني عدم جواز العمل بالحساب الشمسي فيما له صلة به؛ كالزراعة والملاحة البحرية والجوية وكل ما يتعلق بالمناخ وفصول السنة المناخية.
ومما يدل على جواز حساب السنين بالشمس قول الله تعالى ذكرُهُ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}.
وجه الدلالة من الآية هو أن الليل والنهار يعرفان بالشمس، فدل ترتيب معرفة السنين والحساب على معرفة الليل والنهار أن السنين تُعرف بالشمس أيضاً كما يعرف اليوم بها.
ومما يدل على جواز العمل بالحساب الشمسي أيضاً إضافة إلى الآية؛ أن النهي عن بيع الثمار متعلق بطلوع الثريا صبحاً، ويُعرف طلوعها بالأشهر الشمسية، فإن نجم الثريا يطلع حوالي اليوم الثاني عشر من شهر مايو.
فعن عثمان بن عبدالله بن سراقة رضي الله عنه قال: (سألتُ ابنَ عُمرَ عن بيعِ الثِّمارِ فقال نهى رسولُ اللهِ ﷺ عن بيعِ الثِّمارِ حتّى تَذهبَ العاهةُ قلتُ: ومتى ذاك؟ قال: حتى تَطلُعَ الثُّريّا) [3].
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: (وطلبنا ما يقابل ذلك من الشهور السريانية التي يعتبر أهل العراق بها ذلك فوجدناه أيار، وطلبنا اليوم الذي يكون ذلك في فجره فإذا هو اليوم الثاني عشر من أيامه) [4].
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند السويد
الثلاثاء 10 ذو القعدة 1436هـ، 25 أغسطس 2015م.
تعديل؛ الأثنين 27 شعبان 1441هـ، 20 أبريل 2020م.

المصادر

[1] تفسير الطبري (ج3/ص554) [البقرة : 189]، تحقيق؛ أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420هـ - 2000م.
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج25/ص132)، تحقيق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد، المدينة النبوية، السعودية، 1416هـ/1995م.
[3] مسند أحمد (٧ / ١١٨)، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وصححه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ٢٣)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (٣ / ٣٢٦): صحيح إسناده، رجاله ثقات، وقال العيني في نخب الأفكار (١١ / ٤٥٤): طريقه صحيح.
[4] شرح مشكل الآثار (ج6/ص56)، تحقيق؛ شعيب الأرنؤوط، الناشر؛ مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى - 1415هـ، 1494م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق