اختلاف مطالع الهلال

⏩الإجماع     ⏫محتويات الكتاب     العمل بالأهلة في كل شيء عدا ما له صلة بالمناخ⏪

مطالع الهلال مختلفة يقيناً بالتجربة وعلم الفلك، ولا يُخالف في اختلاف المطالع أحد من العلماء، والخلاف بين العلماء إنما هو في اعتبار اختلاف المطالع لا في اختلافها.
والقول بعدم اعتبار اختلاف المطالع؛ يعني توحيد بداية الأشهر عالمياً، هو قول جمهور الفقهاء، وقال به من المعاصرين الألباني رحمه الله تعالى.
وحجة من قال بعدم اعتبار اختلاف المطالع أقوى، فإضافة إلى ما استدلوا به من عموم الأمر باعتبار الرؤية وقبول الشهادة دون تخصيص ببلد؛ فإنَّ أقوال من قال باعتبار اختلاف المطالع ليس عليها دليل مُعتبر، وهي مختلفة وغير منضبطة في تحديد الإقليم الواحد وكيفية اعتبار اختلاف المطالع.
فالقائلون باعتبار اختلاف المطالع اختلفوا في تحديد ذلك، وكل ما قالوه غير منضبط، سواءٌ الاشتراك في جزء من الليل أو غير ذلك، والحدود الجغرافية السياسية المعاصرة قد لا تتحد فيها المطالع، فهو قول مخالف للنصوص، ولا وجود له إلا في الأذهان، ومن قال باعتبار اختلاف المطالع لزمه القول باعتبار ذلك في هذه الحُدود.
ومما يدل على عدم اعتبار اختلاف المطالع حديث؛ (الصَّومُ يومَ تَصومونَ، والفِطرُ يومَ تُفطِرونَ، والأضحى يومَ تُضحُّونَ)، رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وصححه الألباني [1]، وهو عام في وجوب توحد المسلمين في الصوم والفطر والأضحى من غير اعتبار بلد دون بلد.
وبالحديث السابق استدل ابن تيمية رحمه الله تعالى على ترجيح قول من قال من أهل العلم بأن من أبصر هلال الصوم والفطر وحده؛ صام وأفطر مع الناس، وقال بعضهم يصوم ويفطر سراً، وقال آخرون يصوم برؤية نفسه ولا يفطر إلا مع الناس، وقد ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى، وذكر إجماع أهل العلم على صحة الوقوف بعرفة مع الناس ولو كان خطأً بناءاً على قول الإمام.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: (قلت: وهذا كلام عجيب غريب لأنه ان صح أنه مشاهد موافق للواقع فليس فيه أنه موافق للشرع أولا ولأن الجهات - كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها ثانيا.
وأنا - والله - لا أدري ما الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ وأن يعرض عن الأخذ بعموم الحديث الصحيح وبخاصة أنه مذهب الجمهور كما ذكره هو نفسه وقد اختاره كثير من العلماء المحققين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المجلد 25 والشوكاني في "نيل الأوطار" وصديق حسن خان في "الروضة الندية" 1 / 224 - 225 وغيره.
فهو الحق الذي لا يصح سواه ولا يعارضه حديث ابن عباس لأمور ذكرها الشوكاني رحمه الله.
ولعل الأقوى أن يقال: إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين أو يروا هلالهم.
وبذلك يزول الإشكال ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلاً كما قال ابن تيمية في "الفتاوى" 25 / 157.
وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هـ معلوم ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى.
وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها ممن تقدمت في صيامها أو تأخرت لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين، والله المستعان) [2].
وأما الزعم بأن عدم اعتبار اختلاف مطالع الهلال مخالف لفعل السلف لكونهم لم يعملوا برؤية واحدة في جميع الأقاليم، فلعل سبب ذلك ضعف وسائل الاتصال في عهدهم.
وقد تقدم أن مطالع الهلال تختلف في الإقليم الواحد في بعض الأشهر، ففعل الصحابة رضي الله عنهم بتوحيد الصيام في الإقليم الواحد دليل على عدم اعتبارهم لاختلاف المطالع، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه أن أهل الشام صاموا يوم الجمعة وأهل المدينة صاموا يوم السبت، والمطالع تختلف يقيناً في بعض الأشهر في بلاد الشام كما دل على ذلك الحساب.
فإن قيل بأنه لا حاجة لتوحيد بداية الأشهر لأن أوقات الصوم وصلاة العيدين في أوقات مخلتفة على أية حال، فيُقال لا يصح ذلك لوجوب العمل بالأهلة في المعاملات أيضاً، فيدخل في المصالح المرعية سداد الديون وعقود التجارة ونحو ذلك من المعاملات، فالتجارة العالمية مثلاً لابد فيها من توحيد بداية الأشهر وموافقة التاريخ اليومي لأيام الأسبوع.
فالمراد توحيد بداية الأشهر عالمياً خلال أربعٍ وعشرين ساعة، وبذلك لن تتجاوز الفوارق غالباً الساعة والساعتين إلى تسع ساعات، وأقصى فارق لا يتجاوز الثمانيَ عشرة ساعة بين أقصى الشرق وأقصى الغرب، وأما مع عدم توحيد بداية الأشهر عالمياً، فإن أقل فرق يكون بمقدار أربعٍ وعشرين ساعة.
وفرق بداية الشهر بين المسلمين وغيرهم لا أثر له في التجارة مع غير المسلمين لأنه في غير وقت العمل عادةً، فاليوم وبالتالي الشهر يبدأ عند غير المسلمين الثانية عشرة ليلاً، ويبدأ عند المسلمين وقت غروب الشمس.
واختلاف التواقيت اليومية يُحدث اضطراباً في العقود التجارية وسداد الديون والتحويلات المالية ونحو ذلك من العقود والمعاملات، والعمل بالأهلة واجب في كل شيء عدا ما له صلة بالمناخ كالزراعة والملاحة البحرية.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند السويد
الثلاثاء 10 ذو القعدة 1436هـ، 25 أغسطس 2015م.
تعديل؛ الأثنين 27 شعبان 1441هـ، 20 أبريل 2020م.

المصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق