النموذج الرياضي لا يزال مثالياً

⏩أقوال ابن تيمية في حساب الأهلة     ⏫محتويات الكتاب     حُكم العمل بحساب الأهلة⏪

من الأخطاء التي لا تزال في الطرق المُعاصرة لحساب الأهلة؛ اعتماد ارتفاعات ثابتة فوق مستوى سطح البحر، وسبب الخطأ هو أنَّ النموذج الرياضي المتبع حالياً معقد، وذلك لأنه يشمل كل نُقطة على وجه الأرض، ولذا اضطر الفلكيون المعاصرون إلى إهمال الدقة في عامل التضاريس وارتفاع مكان الراصد.
ولهذا فإن المُحققين من الفلكيين يفرقون في هذا النموذج المُعقَّد بين القطعي والظني من عدم إمكان رؤية الهلال، وذلك بقولهم عن القطعي من الرؤية؛ مستحيلة، وقولهم عما كان فيه احتمال يقين وظن؛ غير ممكنة.
ولكن وللأسف فإن ما يسمونه غير ممكن كثيراً ما يكون وهماً في كثيرٍ من الأحيان بسبب التضاريس وارتفاع مكان الراصد.
ولهذا يجوز بناءاً على الحسابات الفلكية الحالية رد الشهادة إذا كانت الرؤية مستحيلة، ولا يجوز ردها إذا كانت غير ممكنة، لأن قولهم غير ممكنة وهم في كثيرٍ من الأحيان، فمن رد الشهادة مع احتمال صحتها يدخل في وعيد من كذب بالحق لما جاءه.
أما في حال قول الفلكي المُحقق مستحيلة فيجب رد الشهادة لأنها ظنية بينما الحساب قطعي في هذا الحال، فدعوى الرؤية في هذا الحال إما كذب أو وهم، كمن رأى أورانوس فظن أنه الهلال.
وقرأتُ قديماً في إحدى المجلات فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله برد الشهادة ولو استفاضت إذا كانت ولادة الهلال بعد مغيب الشمس، وقال هذا مخالف للسنة التي أجرى الله عليها هذه الكواكب، وشبَّه ذلك بادعاء إمكان شروق الشمس الثانية ليلاً، ويُحمل كلامه على حال البلاد المعتدلة في طول الليل والنهار.
وبسبب تعارض أقوال الفلكيين المُعاصرين في إمكان رؤية الهلال مع ما يثبت من رؤية عينٍ بشهادة الشهود، أعرض كثيرٌ من الفقهاء عن قبول قولهم.
الحساب نفسه لا يخطيء، وقد سبق نقل قول ابن تيمية رحمه الله تعالى في علوم منها الحساب: (وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط)، ولكنَّ الحاسب قد يخطيء، ومن أسباب خطأ الحاسب؛ ضعف النموذج الرياضي.
ولا يزال ما انتقده ابن تيمية رحمه الله تعالى من حساب إمكان رؤية الأهلة هو المتبع، وهو وقوع الوهم أحياناً بسبب النموذج الرياضي الذي لا يتضمن ارتفاعاً صحيحاً لكل مكان للراصد.
وخطأ عدم اعتبار التضاريس والارتفاع لكل مكان للراصد له علاقة بزاوية القمر-النظر-الأفق، فالزاوية التي يعتمدونها لا تمثل كل نقطة على وجه الأرض، ولذا اختلف الفلكيون في تحديد أقل زاوية لإمكان رؤية الهلال.
ولا يزال بعض الفلكيين يخطؤون بجعل النموذج الرياضي أكثر مخالفةً للواقع من جهة ثانية، وهي؛ اعتماد ولادة الهلال المركزية لا السطحية.
وسبق أنَّ الاقتران السطحي هو الاقتران الذي يتراءى للناظر من نقطة معينة على سطح الأرض، وأن المركزي هو باعتبار الشمس والأرض والقمر نقاطاً في الفضاء، والفرق بينهما قد يصل إلى ساعتين، المصدر؛ مركز الفلك الدولي » الفرق بين أطوار القمر المركزية والسطحية.
يكفي أن يكون النموذج الرياضي قريباً من الحقيقة، فالشهادة ظنية، ووجوب إكمال العدة ثلاثين إذا غم على الناس يدل على أن إثبات دخول الشهر يكفي بالظن الغالب، والظن عند الأصوليين هو الراجح من الاحتمالات، والوهم هو الضعيف منها.
ولهذا فأفضل حساب لإمكان رؤية الهلال هو ما كان بمعايير ثابتة ومحدودة لمكان الراصد، مع اعتبار اعتدال الأحوال الجوية، وجودة المرقب، وتمرس الراصد وحدة بصره.
وقد اقترحتُ في هذا البحث معايير محدودة بناءاً على ثوابت علمية فلكية، وبناءاً على ترجيح عدم اعتبار اختلاف مطالع الهلال، ولذا تحدثت في مبحث مختصر في هذا البحث عن مسألة اختلاف مطالع الهلال.
وبالمثال يتضح المقال؛ فإمكان الرؤية موضح في الخريطة التالية بالألوان، وقد نقلتُ هذه الخريطة من؛ مركز الفلك الدولي » نتائج رصد هلال شوال لعام 1436هـ.
اللون الأحمر؛ الرؤية مستحيلة، والأبيض أو غير الملون؛ الرؤية غير ممكنة، الكحلي (الأزرق الغامق)؛ يحتاج مرقب/تلسكوب، والزهري؛ قد يُرى بالعين المجردة (في حالة صفاء الجو التام مع تمرس الراصد)، والأخضر؛ يُرى بالعين المجردة بسهولة، والأزرق السماوي؛ غير معروف.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند السويد
الثلاثاء 10 ذو القعدة 1436هـ، 25 أغسطس 2015م.
تعديل؛ الأثنين 27 شعبان 1441هـ، 20 أبريل 2020م.
 
pdf

⏩أقوال ابن تيمية في حساب الأهلة     ⏫محتويات الكتاب     حُكم العمل بحساب الأهلة⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق