لفك تعقيد أي نظام معقد فإنه يتعامل معه في الجملة بثلاثة أسس؛
١. تقسيمه لوحدات صغيرة بطريقة هرمية.
٢. التعامل مع كل وحدة جملة دون تفصيل في المستويات العليا.
٣. فصل الوحدات عن بعضها.
ولفك تعقيد أنظمة إدارة الدولة تُتبع سياسة اللامركزية والفصل بين السلطات والصلاحيات، والانتخاب الهرمي المقترح في التَّشْوَقَة هو لتبسيط تعقيد النظام الانتخابي .
وتبسيط النظام المعقد ليس خاصاً بالإدارة، بل يشمل كل نظام معقد، ومن ذلك الأنظمة الطبيعية كخريطة العالم، والأنظمة التقنية الآلية كمعالجات الحاسوب التي قد تحوي مليارات الترانزيسترات، والأنظمة التعليمية.
فمثلاً خريطة العالم تعد نظاماً معقداً، ولكنه يصبح بسيطاً بفك تعقيده بما سبق، فمستوى خريطة العالم العلوي يشمل عدداً قليلاً من القارات والمحيطات والبحار.
فلا يُمكن رؤية عدة شوارع في أقطار متفرقة في خريطة العالم، ولكن يمكن فيها رؤية القارات فقط، ثم تُرى الدول في كل قارة أو جزءٍ منها، ثم تُرى المدن في كل دولة أو جزءٍ منها، وهكذا إلى أن تُرى بعض الشوارع.
وهذه الكيفية في التعامل مع الأنظمة المعقدة بدهية يعرفها كل إنسان، ولكنها راسخة أكثر عند أصحاب بعض المهن كالصُنّاع، لا سيما صُنَّاع البرمجيات والصلبيات.
فالمهن تُكسب صاحبها مهارات في غيرها، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلّا رَعى الغَنَمَ، فَقالَ أصْحابُهُ: وأنْتَ؟ فَقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها عَلى قَرارِيطَ لِأهْلِ مَكَّةَ)، صحيح البخاري (٢٢٦٢).
صَنَّاع الحاسوب قد يصنع لوحده حاسوباً يحوي أكثر من ١٩ ألف وحدة صغيرة بكل بساطة، بسبب التقسيم والفصل وإخفاء التفاصيل في مستويات هرمية معلومة.
وأعني بالصُنّاع المهندسون وبالصلبيات الهاردوير، فكلمة صناعة أوضح من كلمة هندسة، لأن الهندسة تختص بالأشكال والأبعاد، ومن ذلك الهندسة التحليلية التي تختص بحساب كميات أبعاد الأشكال، ومن أمثلة مسائلها نظرية فيثاغورس التي تحسب بها أضلاع المثلث.
والسابقون كابن تيمية والقرافي وابن خلدون رحمهم الله كانوا يقصدون الهندسة التحليلية بإطلاق كلمة الهندسة.
ومسألة التعامل مع النظام المعقد ذاتها بدهية يتعامل بها أقل الناس علماً، ولكن هذا لا يعني أنه لا يحدث فيها خلل، بل هذه المسألة قد تسببت في زوال إمبراطوريات عظيمة ودول قوية.
ولا شك في أنه قد وُجد في تلك الإمبراطوريات التي سقطت تبسيط للنظام المعقد، لأنه يستحيل أن يتابع الإمبراطور كل تفصيل في الإمبراطورية المترامية الأطراف.
ويستحيل أن يتابع الخليفة الراشد تفاصيل إدارية في قرية في العراق وهو في المدينة، مما يدل على أن تبسيط النظام المعقد كان موجوداً في عهد الخلافة الراشدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق