المبحث الرابع؛ النصي والاجتهادي

الحُكم قد يكون نصياً بدخوله في النص من جهة عمومه، مثل حل الفراولة ومادة السيليكون بقول الله تعالى ذَكْرُهُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، ولذا أفتى العلماء المعاصرون بتحريم السجائر لدخوله في عموم النهي عن الضرر والضرار، وقد ثبت ضرر السجائر بالعلم التجريبي.
ومن الأحكام التجريبية والعقلية المحضة ما هو قطعي، إما بداهةً كقاعدة أن الكل أكبر من الجزء، أو بالدراسة والنظر مثل نظرية فيثاغورس وصحة الخبر المتواتر والآحاد الذي احتفت به قرائن تثبت صحته يقيناً.
والأحكام التجريبية والعقلية المحضة هي التي ترك الشارع تقديرها للبشر وأجاز لهم الاجتهاد فيها ولم يرد فيها نص قطعي ولا ظني وليس فيها إجماع.
والأصل في الأحكام الشرعية الاجتهادية أنها ظنية، ولكن ما ثبت جواز الاجتهاد فيه على وجه اليقين بنص أو إجماع فقد يثبت حُكمه يقيناً بالدراسات والتجارب البشرية كحُكم السجائر.
والاجتهاد في الأحكام الشرعية متعلق بالنصوص، وذلك كأن يكون؛ من جهة ثبوت النص إذا لم يكن ثابتاً على وجه إجماع علماء الحديث.
وقد يتعلق الاجتهاد بالنص من جهة دلالته إذا لم تكن صريحة أو كان له معارض من جنسه وكان في التعارض خفاء متعلق بالجمع بين النصوص أو النسخ أو الترجيح.
وقد يتعلق الاجتهاد بالنص من جهة أنه من المسكوت عنه الذي يقاس على نص، ويكون الاجتهاد ظنياً إذا كان القياس على النص من الأقيسة الخفية، فما عُلم بقياس الأولى الجلي مثلاً يُعد نصياً عند المحققين من العلماء، واليقين والظن قد يكون نسبياً يختلف من عالم إلى آخر.
ثمانٍ من مميزات التَّشْوَقَة تتعلق بمسائل نصية أو إجماعية، وهي؛
1) النهي عن طلب الإمارة ومنع تولية الحريص عليها؛ وهذا متعلق بمنع الترشُّح بدلالة النص، ومتعلق بمنع ترشيحات ومحاصصات المنظمات المدنية بقياس الأولى الجلي الذي هو في حكم المنصوص عليه، وذلك لأنها طلب فردي للإمارة أبلغ في التنازع لتقوي طالبي الإمارة بأحزابهم.
2) تحريم كل ما يؤدي إلى النزاع والظلم؛ وهذا متعلق بمنع التحزب السياسي المتنافس على السلطة.
3) بيعة أمراء الجند واستشارتهم الناس وطاعتهم في المعروف؛ وهذا متعلق بتَشْوَقَة المؤسسات العسكرية.
4) جواز خلاف التنوع والتضاد السائغ واعتبار غير السائغ دفعاً للأضر وتخفيفاً للشر، وهذا متعلق بالتعدد السياسي.
5) استشارة الخاصة في مسائل والعامة في أُخرى؛ وهذا متعلق بالانتخابات العامة، وبتحقيق الرؤى السياسية السائغة باستفتاءٍ عام أو استفتاءِ مجلس حَلْقدي أو تخصصي وليس بالتنافس الحزبي.
6) النهي عن منازعة الأمر أهله المسلمين الحارسين لأصل الدين (الشهادتين والصلاة)؛ وهذا متعلق بحَل النظام الفاسد بالمجالس الحَلْقدية وليس بالثورات الجماهيريّة.
7) النهي عن نقد الأمراء في المنابر العامة في غيبتهم، وهذا متعلق بضوابط نصح الأُمراء وتقويمهم.
8) وأجمع أهل السنة على اعتبار أهل الشوكة في ثبوت البيعة، وهذا متعلق بتحديد وظيفة رؤوس أهل الشوكة في السياسة.
وأما المتعلق بأحكام اجتهادية من مميزات التشوقة فأربع مميزات، وهي؛
9) الانتخاب الهرمي.
10) والانتخاب الدوري المفتوح.
11) وفصل السلطة السيادية.
4) وشكل التعدد السياسي.
ومع أن هذه المميزات الأربع اجتهادية فهي مبنية على أسس يقينية بالدراسات والتجارب البشرية، ولا يوجد كمال في التطبيقات العملية، فهذه الآليات قابلة للتطوير.
ولكن هذه الآليات يقينية نسبياً بالدراسات والتجارب البشرية المشابهة والمقابلة أو المماثلة والمقابلة، ولدلالة النصوص والإجماع على جواز الاجتهاد فيها إما لأنها من المباحات أو لأنها من المصالح المرسلة.
فمثلاً؛ الانتخاب الهرمي وفصل السلطة السيادية مبنيان على كيفية التعامل مع الأنظمة المُعقدة، وهي كيفية ثابتة بالدراسات والتجارب البشرية في كل المجالات.
والانتخاب الدوري المفتوح مبني على دلالة سنة الخلفاء الراشدين على جواز العقد المفتوح ودلالة الدراسات والتجارب البشرية على فوائد الانتخاب الدوري.
وشكل التعدد السياسي مبني على الدراسات والتجارب البشرية، فجماعات النصح هي منظمات مدنية مختصة بالسياسة، ولا تختلف عن الأحزاب السياسية إلا في أنها لا تسعى لسلطة بترشيحات ولا محاصصات.

⏩مميزات التَّشْوَقَة وفوائدها   محتويات الكتاب ⏫   تبسيط النظام المعقد⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق