العلاقات العربية والقضايا الإقليمية

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سلك سبيلهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
رغم القطيعة التي وقعت بين قطر وبعض الدول العربية، فلا يزال ما يجمع قطر وتركيا بمجلس التعاون الخليجي والدول العربية والمسلمة السنة أكثر مما يجمعها مع إيران صاحبة المشروع التوسعي في المنطقة السنية وأحلام إعادة الإمبراطورية الفارسية.
والعامل الإقتصادي هو أهم العوامل في النزاعات والعلاقات والحروب، وغالباً ما يترجح هذا العامل على العوامل الفكرية والعقدية لأنه لا غنى لأصحاب العقائد والأفكار عن المال لتقوية وحماية أفكارهم وعقائدهم، ولأن كثيراً من الكفار كفروا استحباباً للحياة الدنيا على الآخرة ورضاً بها، مدونتي » سياسة واقتصاد » أسباب الهجمات ضد المسلمين.
أهم عامل اقتصادي مؤثر في النزاعات والحروبات الحديثة في العالم عموماً وفي منطقتنا خصوصاً هو مصادر الطاقة وبالأخص النفط والغاز الطبيعي.
حوالي ربع احتياجات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا لأنه أرخص ما تحصل عليه من الغاز بسبب أنه يصلها عن طريق الأنابيب خلافاً لغاز قطر الغالي نسبياً لوصوله عبر الشحن إلى أوروبا، وثمانين بالمائة مما تُنتجه أكبر شركات الغاز في روسيا يصدر إلى أوروبا[1].
روسيا تستخدم الغاز كورقة ضغط سياسية على أوروبا، مما دفع أوروبا إلى البحث عن بدائل بمساعدة أمريكا حليف أوروبا في الناتو، الأمر الذي ظلت روسيا تسعى لمنعه ولو بخوض حروب طاحنة، ولذا خاضت روسيا حروباً في جورجيا وأوكرانيا للتحكم في مرور الغاز الطبيعي عبرهما من الشرق الأوسط.
أكبر ثلاث دول منتجة للغاز الطبيعي هي؛ روسيا ثم إيران ثم قطر، روسيا باحتياطي مقدر عند الأكثر ب 48.7 تريليون متر مكعب، تليها إيران بتقدير 33.6 تريليون متر مكعب، وتليها قطر بتقدير 24.7 تريليون متر مكعب.
غاز قطر وإيران يقع تحت الخليج العربي بعمق 3000 متر، وبعض التقديرات تقول بأن حصة قطر منه أكثر من حصة إيران.
سعت أوروبا بمساعدة أمريكا مع قطر لإنشاء خط أنابيب عبر السعودية الأردن سوريا تركيا إلى أوروبا لفك الوصاية الروسية عبر الغاز على أوروبا، والغرض هو تزويد غاز بسعر رخيص لأوروبا عبر الأنابيب من قطر، ولكن بشار الأسد رفض أن يصرح لخط الأنابيب القطري أن يمر عبر الأراضي السورية.
قررت إيران إنشاء أنبوب غاز خاص بها إلى أوروبا بتكلفة تقدر ب 10 مليار دولار، أنبوب إيران للغاز الطبيعي عبر العراق سوريا البحر المتوسط، ووقع بشار الأسد عام 2012م على التصريح لخط الأنابيب الإيراني عبر سوريا ثم قامت ثورات الربيع العربي التي عطلت المشروع.
مشروع إيران سوريا تدعمه روسيا بسبب وجود قاعدة عسكرية جوية أمريكية في قطر، الأمر الذي يجعل تحكم روسيا في خط أنابيب قطر من المستحيلات، ويتعارض مشروع إيران مع كل من قطر وتركيا والذي يلتقي مع مصالح أوروبا وأمريكا.
خلاصة ما سبق من الناحية الإقتصادية؛ مصالح قطر مع دول الخليج وتركيا وتتعارض مع مصالح إيران، وهذه المصالح تلتقي مع مصالح أمريكا وأوروبا وتتعارض مع مصالح روسيا.
دعمت قطر والسعودية المعارضة السورية والتقت مصالحهما مع تركيا، إلا أن دعم قطر لحركات تهدد الحكومة السعودية والمصرية والإماراتية وغيرها من دول المنطقة حالت دون استمرار العلاقات الطبيعية مع قطر.
الصهاينة يخططون لتقسيم المنطقة، وواجب حُكومات الدول العربية والمسلمة التقارب وفض النزاعات، وواجب العلماء والدعاة نصح الحكام والسعي للإصلاح بينهم، وتنبيههم إلى مخططات أعداء الإسلام والصهيونية، ويجب حث الأفراد والجماعات والحكومات على التوافق على أساس من التوحيد الخالص والاتباع المجرد ونهج السلف، فدعوة التوحيد والسنة هي دعوة الله عز وجل وليست دعوة فرد من الأفراد ولا حزب ولا جماعة ولا حكومة ولا شعب من الشعوب، بل هي النهج الذي لا يسع مسلم تركه.
ويجب على المسلمين النظر بعين العدل والإنصاف مع التجرد لله عز وجل والنصح لله عز وجل ولدينه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فلابد من السعي للإصلاح أولاً ثم بعد التبيُّن واستمرار الباغي في بغيه، يجب الوقوف مع المظلوم ضد الباغي، فإن أقلع الظالم بعد ذلك عن الظلم وجب بعد ذلك الإصلاح بينهما، مصداقاً لقول الله عز وجل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، هذا مع البعد عن تصديق كل ما يُقال في الإعلام الذي يهدف إلى زيادة الخلاف والشقاق.
اتفقت الدول العربية على مقاطعة إسرائيل للضغط عليها باتجاه مبادرة الدول العربية للسلام، نص بنود المبادرة العربية في؛ موقع الجزيرة نت » بنود مبادرة السلام العربية.
الموقف الرسمي الإسرائيلي رافض للمبادرة العربية للسلام، وكثيرٌ من المحللين السياسيين والصحفيين الإسرائيليين يعتبرون المبادرة وصفة لتدمير إسرائيل، ويوجد تلخيص لموقف بعض الصحف الإسرائيلية من المبادرة العربية في؛ موقع الجزيرة نت » مبادرة السلام السعودية وصفة لتدمير إسرائيل.
وما كان ينبغي لأي دولة عربية الخروج عن قرار الجامعة العربية القاضي بمقاطعة إسرائيل بعقد علاقات دبلوماسية أو تجارية معها، ومع أن المقاطعة قد تكون لازمة حسبما تقتضيه المصلحة إلا أن خيار الحرب مستبعد في الظروف الحالية، والخيانة قد تكون في إقحام الدول العربية في حرب لا قبل لهم بها كما حدث في الحروب مع إسرائيل سابقاً.
ولا شك أن إيران أخطر من إسرائيل سواءٌ في الأثر على عقائد الناس أو في استحلال دماء وأعراض وأموال المسلمين السنة وتشريدهم أو في الأحلام التوسعية في المنطقة، ولكن ومع ذلك فلا بأس أن يكون للدول العربية علاقة حذِرة مع إيران حفاظاً على أمن واستقرار المنطقة إذا اقتضت المصلحة ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ...إلى قوله: ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءاً) [2].
وحول جواز العلاقات المطلقة مع أهل البدع المغلظة والكفار لمصلحة الراجحة يُمكن الرجوع إلى؛ مدونتي » إصلاح » الموجز اليسير حول شبهات في الجهاد والتكفير » حُكم العهد المطلق.
واجب الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية بعد محاولة الإصلاح بين الفصائل وتوحيدها هو دعم فصيل واحد مع اختيار الأقرب إلى الفهم الصحيح للإسلام والأنفع للقضية الفلسطينية، فإن لم يتفقوا على الأقرب إلى الفهم الصحيح للإسلام، فالأنفع للقضية ولو كان علمانياً عملياً مع استبعاد العلمانيين عقيدةً الذين ينكرون الشرائع المتواترة المعلومة من الدين بالضرورة في مسائل الحُكم وغيرهم من الكفار إذ لا معنى لمقاومة كافر واستبداله بمن قد يكون أكفر منه، وبعض الناس منافقون يتعللون بالظروف المُعصارة مع أن حقيقة أمرهم هو الكفر وكراهية الشريعة الإسلامية، والتعلل بالظروف المعاصرة لا يصح، فلو كان مجرد تحكيم الشريعة سبب في القضاء على الحُكومات، لتم القضاء على جزر المالديف التي تحكم الشريعة منذ السبعينات.
وهذا واجبهم في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من مناطق النزاع والخلاف في الدول العربية؛ فمن الخطأ دعم جبهات مختلفة حتى ولو كانت كلها على منهج إسلامي صحيح لأنها وإن تفادت الصراع بينها ستتصارع عندما تصل إلى دمشق، وذلك لحديث (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر) ولقول الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}، وأرجو الرجوع إلى؛ مدونتي » سياسة واقتصاد » القضية السورية في خطر! فانتبهوا يا دعاة الحق.
فإن قال قائل كيف تدعم الدول العربية فصيلاً واحداً فقط في سوريا وفي كل منطقة قائد ومقاتلون لعفوية الثورة وعدم إمكان التنسيق في بدايات الثورة، فالجواب يمكن إيصال الدعم للفصائل المعتدلة في جميع المناطق عبر فصيل واحد لتقويته وجعل يدٍ له على بقية الفصائل للضغط باتجاه الوحدة.
لا أعرف شيئاً  يُذكر عن فتح غير أن بعض قياداتها متهمون بالعمالة وأن نهجها علمانيٌ عملياً ولا أعرف عن توجهاتهم العقدية، ولكن اعتراف حماس بأن كتائب الأقصى الجناح العسكري لفتح تقاتل معهم جنباً إلى جنب في كل عدوان على غزة ثم دعواهم بأن القيادة السياسية تختلف عن القيادة العسكرية أمرٌ يصعب علي أن أفهمه أو أن أصدقه، وكذلك وصفهم لفتح بالعملاء الخونة مرة ومرة برفقاء الدرب والسلاح أمرٌ لا أفهمه ولا أجد مبرراً سائغاً له، ولا أُنصِّب نفسي مدافعاً عن فتح فلستُ متفقاً معها على مبادئها.
وليس من مصلحة الدول العربية ولا القضية الفلسطينية إذا اتفقت الدول العربية على دعم فصيل واحد، وصف الفصائل الفلسطينية الأُخرى المقاومة للاحتلال والمطالبة بحقوق الفلسطينيين بالإرهاب ما لم تكن تستحق هذا الوصف، وإذا استحقت هذا الوصف يجب بيان سبب استحقاقها للوصف بالإرهاب.
ولعل الأولى عدم استخدام مصطلح الإرهاب لسببين؛ الأول؛ لأنه لا يوجد له تعريف متفق عليه، والثاني إرادة الكفار به تشويه الإسلام والمسلمين، وكأنهم يوحون للناس بأن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين، ولكن الإرهاب موجود عندهم أكثر بسبب تعاليم دينهم، وذلك لنهي الله عز وجل عن قول راعنا مع أنها تحمل نفس معنى كلمة أنظرنا، هذا من حيث الأصل، ولكن في ظروف الضعف الإعلامي والاقتصادي والعسكري والعلمي للمسلمين المعاصرة، فلا يُستبعد أن يكون استخدام هذه الكلمة فيما يُسمى بالتحالف الإسلامي فيه مصلحة نفي الشبهة عن الإسلام والمسلمين لما في ذلك من اقتحام وسائل إعلامهم، علماً بأن قادة الكفار وزعماءهم يصرِّحون تقيةً بأن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام ولا بأي دين وأن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين، وفي قائمة الأمريكان للإرهاب منظمات نصرانية كجيش الرب، ولعل من أسباب هذه التقية من الكفار أنهم يعلمون أن كتابهم المقدس فيه دعوة لما أسموه بالإرهاب أو جرائم الحرب، وأذكر بأن أحكام التعارض والتزاحم والموازنات تدخل في أحكام الضرورات والحاجات، فلا ينبغي التوسع في استخدام مصطلح الإرهاب، وهذا حوار حول الإرهاب في؛ مدونتي » شبهات وردود » حوار حول تعريف الإرهاب.
كنتُ أقول قبل سنوات إن حماس تسير في نفس خط فتح؛ بداية بقاومة شرسة فيها كثير من التهور ونقص في التصور ثم تنازل، ومرت السنوات فتنازلت حماس وكونت حكومة وفاق وطني مع فتح، وانقلبت فتح ما بين عشية وضحاها من عملاء خونة إلى رفقاء النضال والسلاح، ومع أن ثمة من قد ثبتت عمالته لليهود ممن ينتسب إلى المقاومة إلا أنني كنت أسأل عن الدليل على عمالة ياسر عرفات، ثم لما سمم اليهود ياسر عرفات رحمه الله، اعترف الحمساويون وقياداتهم أن اليهود قتلوه وسمموه، ونشرت الجزيرة وثائق حول سبب موته.
لا أتهم حماس بعمالة لإيران، ولكن يجب التفريق بين علاقات الدول الطبيعية مع إيران وعلاقة حماس التي تحتاج إلى الدعم والمساندة، وكنتُ ولا زلتُ أرى أن دعم إيران لحماس ليس حباً في حماس، بل إيران تكن لها العداوة وتدعمها فقط لصالح إسرائيل ولإحراج الدول العربية وزعزعة الاستقرار فيها، وقد كتبتُ حول الحروب التي خاضتها حماس مع إسرائيل ثلاث مقالات، وهي؛ 1- مدونتي » سياسة واقتصاد » رأي حول ما يحدث في غزة. 2- مدونتي » سياسة واقتصاد » إنما المحنة عندما لا نميز بين النصر والهزيمة. 3- مدونتي » سياسة واقتصاد » العدوان الأخير على غزة، الخسائر والأرباح.
تطبيق منهج في داخل دولة مع دعم فصائل لا تنتمي إليه خارجها - إذا لم يكن لضرورة الاتفاق مع الدول العربية الأُخرى ونحو ذلك - يضرُّ ولا ينفع الدول التي تنتهج هذا النهج، إيران الرافضية لا تدعم إلا الشيعة الموالين لها، فالأولى بالحكومات العربية القائمة على الكتاب والسنة دعم من يتفق معها في المباديء فقط إلا عند الضرورة أو الحاجة، وألا تثق فيمن خالف تلك المباديء في أصل المُعتقد كالعلمانيين والخوارج والشيعة وكذا المخالفين لتلك المباديء في منهج الدعوة والإصلاح.
ولا ينبغي الانشغال بقتال الخوارج عن قتال الروافض لغير سبب شرعي أو واقعي يترجح معه إنعكاس ترتيب الأولويات، لأن الروافض شر من الخوارج في العقيدة والغلو في التكفير واستباحة الدماء والأعراض والأموال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الشيعة الروافض: (فبهذا يتبيَن أنهم شر من عامة أهل الأهواء وأحق بالقتال من الخوارج) [3].
كثيرٌ ممن يتحدث عن الأوضاع المعاصرة يتحدث عن عزة تاريخية وليس عن واقع، والإنسان بطبعه يعجبه هذا التباكي الذي يجيده بعض الخطباء ومنذ عقود، وهي في كثير من الأحيان عاطفة جوفاء تشبه الغناء الحزين الملهب لمشاعر الأسى والحزن الذي يسلي النفس ببراءتها وإلقاء اللوم على العلماء ومطالبة حكام المسلمين بما يضر مما كان يفعله حكام المسلمين أيام العزة والقوة.
لا بأس بعقد صفقات مع العدو أو دفع مال له لاتقاء شره عند الضرورة حال ضعف المسلمين، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: (وأما إن صالحهم على مال نبذله لهم، فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه، وهو مذهب الشافعي; لأن فيه صغارا للمسلمين، وهذا محمول على غير حال الضرورة، فأما إن دعت إليه ضرورة، وهو أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر، فيجوز; لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال، فكذا ها هنا، ولأن بذل المال إن كان فيه صغار، فإنه يجوز تحمله لدفع صغار أعظم منه، وهو القتل، والأسر، وسبي الذرية الذين يفضي سبيهم إلى كفرهم) [4].
ليس دفاعاً عن الحكومات التي لا تحكم بكتاب الله عز وجل أو الكافرة التي ثارت شعوبها عليها؛ ولكن لأن الثورات كانت عفوية غير مدروسة النتائج؛ فإن نتائج الثورات كانت في الغالب غير محمودة العواقب، ولا أدري كيف يؤيد حكيم أو عاقل أمراً عفوياً غير مدروس! ولكن هذا ما حدث خطأً أو حباً في الظهور أو الاغترار بالقيام بدور عظيم في المنطقة، واحتمال إغراء الغرب البعض بدور كبير في المنطقة وارد كما أغرى صدام حسين بالتدخل في الكويت، ويُعدُّ حاكماً بكتاب الله تعالى من أقام الشهادتين والصلاة من الحكام حتى ولو لم يُقم ما دون ذلك من واجبات.
الأجنبي إن لم يكره ديننا، فإنه يسعى لسرقة خيراتنا (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم)، ومن وسائله الحديثة؛ الحرب بالوكالة أو مُحاربة الناس بعضهم ببعض، والثورات العربية هي ضمن مخطط الحرب بالوكالة، فبينما ساهم الفيبسوك في الثورات العربية أغلق صفحة تدعو إلى الانتفاضة أنشأها فلسطينيون، ووسائل التواصل الاجتماعي تتحكم فيها أمريكا، ومع ذلك فإن وسائل إعلام من أيد الثورات لا زالت تكرر بأن وسائل التواصل الاجتماعي هي صاحبة الفضل في الثورات.
فإن قال قائل لم الاهتمام بالحكومات ادعاءاً بأن كل الحكومات كافرة بدعوى أنهم يظاهرون الكفار على المسلمين، فجواب ذلك؛ مظاهرة كفار على المسلمين ليست كفراً بيناً وإنما هي محتملة للكفر الأكبر والأصغر بإجماع العلماء؛ مدونتي » إصلاح وتكميل » الموجزُ اليسير في شبهاتِ غلاة الجهاد والتكفير » مظاهرة مشركين على المسلمين ليست ناقضاً صريحاً للإسلام.
هذا في مظاهرة كفار على مسلمين، وأما الاستعانة بالكفار في قتالٍ على مسلم أو على كافر؛ فالمسألة فيها خلاف بين العلماء، أما في غير القتال فواضح، أرأيت لو أراد مسلمٌ قتلك فرأيت كافراً فاستعنت به على المسلم هل يحرم ذلك؟ وأما في القتال؛ فمن أجازها حال السعة والاختيار اشترط شروطاً منها أن يكون الكافر مأموناً وأن تكون الراية والغلبة للمسلمين، وأما عند الاضطرار؛ فيظهر أنَّ شرط الاستعانة بكافر على مسلم ألا يكون الضرر على الإسلام والمسلمين المُحتمل بالاستعانة بالكفار مثل أو أكثر مما يراد دفعه من ضرر.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (هل يُستعان على أهل البغي بأهل الحرب أو بأهل الذمة أو بأهل بغي آخرين؟ اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: لا يجوز أن يُستعان عليهم بحربي ولا بذمي ولا بمن يستحل قتالهم مدبرين، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا بأس بأن يستعان عليهم بأهل الحرب وبأهل الذمة وبأمثالهم من أهل البغي.
وقد ذكرنا هذا في كتاب الجهاد من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إننا لا نستعين بمشرك)، وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية أو قتال أو شيء من الأشياء، إلا ما صح الإجماع على جواز الاستعانة به فيه؛ كخدمة الدابة أو الاستئجار أو قضاء الحاجة ونحو ذلك مما لا يخرجون فيه عن الصغار، والمشرك؛ اسم يقع على الذمي والحربي.
هذا عندنا ما دام في أهل العدل منعة، فإن أشرفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة، فلا بأس بأن يلجؤوا إلى أهل الحرب وأن يمتنعوا بأهل الذمة، ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلماً ولا ذمياً في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل، برهان ذلك؛ قول الله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}، وهذا عموم لكل من اضطر إليه، إلا ما منع منه نص أو إجماع.
فإن علم المسلم - واحداً كان أو جماعة - أن من استنصر به من أهل الحرب، أو الذمة يؤذون مسلماً أو ذمياً فيما لا يحل، فحرام عليه أن يستعين بهما، وإن هلك، لكن يصبر لأمر الله تعالى -وإن تلفت نفسه وأهله وماله- أو يقاتل حتى يموت شهيداً كريماً
) [5].
والحل هو في الوفاء بعهد الله جل ثناؤه وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم بدءاً بأهم عهد وهو التوحيد، ومن ذلك الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم بالبيان وعدم الكتمان، ومن أسباب التنازع بين المسلمين حكوماتٍ وشعوباً؛ ترك الحُكم بما أنزل الله، ويُعد حاكماً بما أنزل الله من قام بأهم واجبات الولاية، وهي؛ الدعوة إلى الشهادتين والصلاة، وفي الحديث؛ (يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز و جل و يتحروا فيما أنزل الله؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم) [6]. صحيح الجامع (7978 - 3072).

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأثنين 17 رمضان 1438هـ، 12 يونيو 2017م

المصادر

[1] مصدر الأسباب الاقتصادية؛ مقال لمحلل اقتصادي استرالي باللغة الإنجليزية؟
[2] مجموع الفتاوى (ج28/ص232)، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ 1416هـ/1995م
[3] مجموع الفتاوى (ج28/ص482)، الطبعة السابقة.
[4] المغني لابن قدامة (ج9/ص297-298)، الناشر؛ مكتبة القاهرة، تاريخ النشر؛ 1388هـ - 1968م.
[5] المحلى بالآثار (ج11/ص354-355)، الناشر؛ دار الفكر – بيروت.
[6] صحيح الجامع (7978 - 3072).
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق