تعظيم زعماء العلمانيين

رجوع إلى قسم شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
العلمانيون أنواع؛ فالذين يرفضون أحكام الشريعة المتعلقة بالأحكام السلطانية المتواترة المعلومة من الدين بالضرورة التي لا يجهل أحد أنها من الدين من غير شبهة أو تأويل كفارٌ بأعيانهم، فمن أنكر الربا مثلاً من غير شبهة فهو كافر، لأن تحريم الربا لا يجهله مسلم، وأما من طرأت عليه شبه المبطلين بسبب الأوراق النقدية والطرق الحديثة في المسائل المالية ونحو ذلك فلا يكفر.
وأتباع العلمانيين الذين لا يؤمنون بالعلمانية فكراً وديناً وعقيدةً وإنما يتحججون بالظروف المحلية والإقليمية والدولية المعاصرة غالبهم مسلمون ظاهراً وباطناً، ولكن بعضهم منافقون يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهؤلاء يجب معاملتهم معاملة المسلمين حتى وإن ظهرت فيهم علامات النفاق بخلاف الزنادقة الباطنية الذين تجب معاملتهم معاملة الكفار.
فيعامل معاملة المسلمين من ظهرت فيه علامات النفاق غير المكفرة في ذاتها أو التي تحتمل الكفر الأكبر والأصغر؛ مثل الاستهزاء بشيء من الدين على سبيل المزاح وإضحاك الناس، أو التي يحتمل أن يكون صاحبها متأول أو جاهل.
وأما من بان نفاقه كمن يعاود الكفر الصريح بعد إقامة الحجة أو ما لا يلزم منه إقامة الحجة كالإلحاد أو الطعن في القرآن أو تحليل المحرمات التي لا يجهلها مسلم من غير شبهة ونحو ذلك وبمكر واضح جلي؛ فهو زنديق يرى بعض السلف أنه لا تقبل له توبة في أحكام الدنيا، وأن حكمه في الآخرة إلى الله تعالى ذكرُهُ، ومثال الزنادقة الباطنية؛ النصيرية والدرزية والإسماعيلية والبهائية، ومن أمثلة الزنادقة ممن انتسب إلى التصوف ابن عربي، وكان يقول بوحدة الوجود، ولكنه كان يقول كلاماً حقاً في التوحيد يقصد به وحدة الوجود ليلبس به على عوام المسلمين.
الرسالة التي أريد إيصالها هي؛ وجوب الحذر من مكر العلمانيين والكفار والمنافقين من غير استعجال في تكفير الأعيان، ويجب أن نفرق بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام كالأشاعرة ونحوهم ومذهب كفري أصوله من غير المسلمين وقادة فكره ملاحدة وهم أئمة الحزب ومعظموه.
ويكثر في العلمانيين المنافقون والزنادقة، كما هو الحال في غيرهم من أهل البدع كالروافض وفي أدعياء الزهد والفقر من المتصوفة خلافاً لغالب عامتهم وفقهائهم، فغالب عامة المتصوفة وفقهائهم مسلمون ظاهراً وباطناً.
وفائدة معرفة صفات المنافقين الحذر ويعاملون معاملة المسلمين، {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد : 30]
المنافق والزنديق يجتمعان في أن كلاً منهما يظهران خلاف حقيقتهما، والفرق بين المنافق والزنديق في أمرين؛ الأول أن ما يفعله المنافق من كفر هو من الكفر المحتمل إما من جهة الأصل كمعاونة كفار على مسلمين وكالاستهزاء بشيء من الدين على سبيل المزح أو من جهة احتمال التأويل كإنكار بعض الصفات، بينما ما يفعله الزنديق هو من الكفر الصريح الذي لا احتمال فيه كسب الله تعالى ذكره.
الفرق الثاني؛ أن ظاهر توبة المنافق من الكفر الصريح أنها محتملة للصدق، بينما ظاهر توبة الزنديق أنها مخادعة بمعاودة الكفر الصريح مع تظاهر بالإسلام بطريقة لا يخفى أنها مجرد تلاعب واستخفاف بالعقول، ولذا يرى بعض العلماء أن الزنديق لا توبة له في أحكام الدنيا، وأن حكمه في الآخرة إلى الله عز وجل.
والعلمانيون في الغرب ينكشف حالهم أكثر؛ فتجد الواحد منهم يقول الكفر الصريح في مجالس فيها مسلمون جهلة أو لا يكترثون أو في مجالس فيها غير مسلمين ثم يغير كلامه في مجالس فيها من يرد على باطله.
وحسب تجربتي مع العلمانيين في الغرب فهم في الكفر الصريح أنواع؛ فمنهم من يصلي ويطعن في القرآن ساخراً مثلاً من نقص ميراث المرأة إذا كانت في درجة الرجل قرابةً من الميت، من غير شبهة ولا تأويل، ولا شك أن هذا كافر بعينه، ومع ذلك يتلون حسب المجلس.
ومنهم من يطعن في كل شرائع الإسلام بما في ذلك الصلاة والعيدين، ومع ذلك وجدت من عوام المسلمين من كان يجادل في كفرهم بأعيانهم قبل أن أبين لهم، ومنهم من فيه صفات المنافقين بدرجة توجب الحذر منه مع معاملته معاملة المسلمين، والله تعالى إنما ذكر صفات المنافقين للحذر منهم {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}.
قسم ابن تيمية رحمه الله تعالى الردة إلى قسمين؛ ردة عن أصل الدين وردة عن شرائع الدين وأحكامه المعلومة من الدين بالضرورة، وقرر أن الردة عن أصل الدين أغلظ، ولا شك أن الكفر دركات، فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار.
ولكن الردة عن بعض أحكام الدين أخطر من الردة عن أصله لما فيها من تبديل لأحكام الإسلام، ولهذا قال ابن تيمية في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوراج: (شر الخلق والخليقة) ما معناه؛ ليسوا شراً من كل الوجوه، فهم شرهم على المسلمين، لأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، ولذا قرر كذلك أن كل رافضي أفضل من كل كافر وأن الروافض أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى.
المرتدون عن الإسلام عموماً أشد عداءاً من الكافر الأصلي ، والمرتدون عن بعض شرائع الإسلام وأحكامه أشد عداءاً لها من الكافر الأصلي، بل الواقع أن كثيراً ممن ارتد عن بعض الشرائع والأحكام ارتد عن الأصل ولكنه زنديق أو منافق يُظهر خلاف ما يُبطن.
فأصل العلمانية هي الكفر المبين، من نحو؛ إباحة كثيرٍ من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة من غير تأويل ولا جهل؛ كالربا والزنى والخمور، والطعن في الحدود من نحو القول بأنها وحشية، وأنه لا جهاد إلا لأجل الوطن والحرية، ولا شهيد إلا شهيد الوطن والكرامة الإنسانية، ولا ولاء وبراء إلا على الوطن أو مبادئهم الكفرية، ولا فرق بين مسلم ويهودي ولا بين ملحد ومؤمن، والصالح هو من يخدم الوطن، ولا علاقة للدين بصلاح ولا فساد.
ولكن لا يكفر كل من انتسب إلى أحزابهم ولا كل من عاونهم أو صوت لهم، فإذا كان العلماء لا يكفرون عوام الروافض الإمامية الإثني عشرية وهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى ويوالون الكفار ويستغيثون بالحسين رضي الله عنه، فمن باب أولى من ينتسب إلى الأحزاب العلمانية من عامة المسلمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (هؤلاء الدرزية و النصيرية كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم)، وقال أيضاً: (وليس هذا مختصاً بغالية الرافضة بل من غلا في أحد من المشايخ وقال: إنه يرزقه أو يسقط عنه الصلاة أو أن شيخه أفضل من النبي أو أنه مستغن عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وإن له إلى الله طريقا غير شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أو أن أحدا من المشايخ يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى، وكل هؤلاء كفار يجب قتالهم بإجماع المسلمين وقتل الواحد المقدور عليه منهم).
ما سبق من تكفير ابن تيمية رحمه الله للباطنية ممن ينتسب إلى التشيع أو التصوف منقول من مبحث في رسالتي في الرد على غلاة الجهاد والتكفير، وفي المبحث أيضاً نقول كثيرة تؤكد أن ابن تيمية لا يكفر عوام الشيعة الإمامية الاثني عشرية؛ مدونتي » إصلاح وتكميل » الموجزُ اليسير حول شبهاتٍ في الجهاد والتكفير » ضوابط التكفير..
وقد اختلف الناس في زعيمة في الحزب الشيوعي هلكت، وقد كانت في مهام قيادية وتأسيسية في الحزب لعشرات السنين منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق والذي كان يدرب كوادر فروعه على الكفر والإلحاد والمكر والخديعة، وقد استمرت في مهام قيادية وتمت تجديد الثقة بها لعشرات السنين من أعضاء الحزب وزعاماته في الداخل والخارج، وأنا أعرف من أعضاء الحزب الشيوعي من لا علاقة لهم بدين ممن فيهم إلحاد أو كفر صريح من غير شبهة ولا تأويل في مسائل لا يجهلها مسلم.
ولو فرضنا إسلام أمثال هؤلاء الزعماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على من عليه دين زجراً، وكان يأمر الصحابة رضي الله عنهم بالصلاة عليه، فلم الترحم على قادة الحزب الشيوعي السوداني في الإعلام على وجه التعظيم لهم؟ وقد ورد عن السلف؛ (من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).
وقد تداول الناس مقطعاً لتلك الزعيمة فيه ما قد يبدو أنه رحمة بالأطفال اللقطاء، ولا يعرفون أن بكاءها قد يكون تعاطفاً مع الزانيات اللائي ألقين بأطفالهن في الشوارع خشية العار، واعتراضٌ على ما يسمونه بالعادات والتقاليد التي يرددون بأنها دفعت بالزانيات إلى الإلقاء بأطفالهن في الشوارع، فالشيوعيون والشيوعيات في الغرب إضافة إلى ما فيهم من كفر، فإن اجتماعاتهم كلها فسق وخمور، ولا يرى كثير منهم بأساً في الزنى والفجور.
كتب أحد الإخوة: الشيخ عمر عبداللطيف، حفظك الله ورعاك، باختصار شديد في موضوع فاطمة أحمد إبراهيم، هل الترحم عليها يجوز؟ هل يمكن وصفها بالكفر؟ هل يصح دفنها في مقابر المسلمين؟ الرجاء حصر كل الشبه المتعلقة بالموضوع والرد العلمي مطلوب وبدقة عالية لحساسية الأمر.
فكتبتُ: أنا لا أكفرها لأنني أجهل حالها، ولكن لا يعاب على من كفرها بطريقة صحيحة، ولا على من يرى أنها مسلمة ويترحم عليها عَرَضاً، ولا يجوز الترحم عليها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من غير صلة رحم ولا معرفة شخصية، فهذا تعظيم لها، خاصة من اعتبرها رمزاً وطنياً ووصفها بالأستاذة تعظيماً لها من غير سبب عارض.
ولو افترضنا أنها كافرة، فيجوز لجيران أهلها أو قرابتهم ومن لهم بهم معرفة تعزيتهم من غير ترحم ولا استغفار، ولكن لا يجوز بأي حال نعي وتعزية زعماء الكفر والبدع والفسق في الإعلام على وجه التعظيم لهم لأن من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
فكتب الأخ: ممكن مثال لتعزية مافيها ترحم ولا استغفار؟
فرد أحد الإخوة: البركة فيكم مثال.
وكتبتُ: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "ويجوز للمسلم أن يعزي الذمي بقريبه الذمي، فيقول: أخلف الله عليك، ولا نقص عددك"، منقول من؛ مدونتي » مسائل وأحكام » تهنئة غير المسلمين وعيادتهم وتعزيتهم.
والحوار التالي له صلة بموضوع العلمانية والشيوعية، وهو في تحليل الحرام وتحريم الحلال:
وكتب أحد الإخوة: بالنسبة لموضوع الاسترقاق، هل منع تعدد الزوجات مثل منع الاسترقاق؟ وما هو الضابط في منع المباح أو الحلال؟ وهل المنع مطابق للتحريم؟ فيكون منع الاسترقاق هو تحريم لما أحل الله؟
فكتبتُ: لا، مسألة التعدد مباحة والعلة فيها الذكورية وبشرط القدرة على العدالة، وأما الاسترقاق فالعلة فيه مركبة من الكفر والمقاتلة والمعاملة بالمثل، فالفقيه يجتهد في استنباط العلل للأحكام وفق دلالات النصوص وشروط العلة، وشروط العلة هي؛ المناسبة والظهور والانضباط.
هو: إذاً ما هو الضابط في منع المباح أو الحلال؟
أنا: مثلاً الخنزير حرام والعلة هي كونه خنزيراً ليس إلا والحكمة هي رفع الضرر، والخمر حرام والعلة هي الإسكار، وكل مسكر حرام، وهكذا، وبعض العلل قاصرة مثل كونه خنزيراً، وبعضها متعدية مثل الإسكار.
هو: عفواً، أنا أقصد بسؤالي متى يصح للحاكم أن يمنع شيئاً حلالاً أو مباحاً؟
أنا: حسب ما تقتضيه المصالح والمفاسد وفقاً لانعدام العلل أو الضرورة أو الحاجة كالتعارض والتزاحم او لعدم توفر شروط أو وجود موانع، ولظرف معين، ثم قد يعود الحكم إلى أصله إن تغيرت الأحوال، يعني المنع مرتبط بظرف معين حتى ولو كان شبه دائم.
هو: طيب معليش على كترة الأسئلة، متى يقال عنه أنه حرم ما أحل الله؟
أنا: إذا اتخذ ذلك ديناً أو فكراً يعارض به حكم الله، وليس بمجرد التحكيم والتقنين سواءٌ كان لسبب شرعي أو غير شرعي.
هو: تمام، جزاك الله خيراً يا شيخنا.
أنا: وإياك.
حرَّم معناها اللغوي منع، وأحياناً يقول الفقهاء منع ويقصدون يرى الحرمة، ولذا لم أفهم قصد السائل أولاً، والسؤال حول مبحث في؛ مدونتي » إصلاح وتكميل » الموجزُ اليسير حول شبهات في الجهاد والتكفير » سبب مشروعية الجهاد والإرقاق..
وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الثلاثاء 23 ذو القعدة 1438هـ، الموافق 15 أغسطس 2017م

رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق