تسمية القسريِّين وأصناف الصوفية

رجوع إلى قسم شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقهم إلى يوم الدين.
لمعرفة المقصود بالقسريَّين لابد أولاً من الرجوع إلى مقال عن القسريَّة في؛ مدونتي » شبهات وردود » التحزبية والقسرية واليوسف.

تسمية القسريين

ليس من الحكمة إقحام العوام في مسائل لا يحسنونها، فمسألة القانون العام مسألة علمية دقيقة، وحتى إخواننا قد لا يفرقون بين مجرد الزلة وجعلها أصلاً في الدعوة وعقد الولاء والبراء عليها وبنائها على قواعد فاسدة تؤدي إلى استحلال الدماء والأموال والأعراض ونحو ذلك، للمزيد؛ مدونتي » إصلاح » الموجز واليسير حول شبهات في الجهاد والتكفير » الحكم بغير ما أنزل الله.
ولا يجوز تبديع كل من أخطأ في مسألة أو مسائل جزئية لا تعود على أصل بالنقض إلا بشروط معينة، فالقسريُّون متفاوتون في التعصب لأصولهم وعقد الولاء والبراء عليها ومعاداة المنهج السلفي وقواعد التكفير والقتال واستحلال الدماء والأموال والأعراض.
الوصف الجامع للقسريِّين هو أنهم جعلوا ما أسموه بالحاكمية أصل دعوتهم الذي به تمايزوا عن السلفيين، فمجرد تحكيم غير الشريعة هو خروج عن أصل الملة عندهم، ويزعمون كذباً أن السلفيين لا يحاربون العلمانية، والسلفيون يرون أن اتخاذ غير أحكام الشريعة فكراً وديناً مخالف لأصل الملة ويرون أن محاربة العلمانية بهذا المعنى من أصول الدعوة.
والقسريُّون يرمون السلفيين جميعاً بتفريق الأمة بالغلو في التصنيف، بينما هم يصنفون، ويرمون الناس بالألقاب مثل مرجيء ومجرحاتي، ولكنهم يصنفون بالأسماء في المجالس الخاصة، وردودهم على السلفيين بالوصف أبعدتهم عن تهمة الحسد والغلو في الردود، وبهذا تمكنوا من خداع كثير من العامة والخاصة.
والوصف أبلغ من الاسم في التعيين، فلِمَ الإصرار على ذكر أسماء كل القسريَّين مع أنَّ فيهم المتلون والجاهل والفاضل المخدوع؟
فذكر اسم كل متلون يحدث الاضطراب والنزاع، فلو ثبت التلون بالقرائن للبعض فإنه لا يمكن إثباته للجميع، ولعل ذكر المنافقين بالوصف دون الاسم دليل على ذلك، لاحتمال استعطافه الأخيار؛ {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}.
هذا مع وجوب التحذير ممن يجالس أهل البدع، والمجالسة تعني الصداقة الخاصة، ولكن مجالسة مبتدع واحد ونحو ذلك قرينة ضعيفة، خلافاً لمجالسة أهل بدعة بعينها فهي قرينة ظنية يُعمل بها في العموم. مع مراعاة التفصيل عند التعيين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وأما الحذر من الرجل في شهادته وأمانته ونحو ذلك، فلا يحتاج إلى المعاينة؛ بل الاستفاضة كافية في ذلك، وما هو دون الاستفاضة، حتى إنَّه يستدلُّ عليه بأقرانه، كما قال ابن مسعود: "اعتبروا الناس بأخدانهم"، فهذا لدفع شرِّه، مثل الاحتراز من العدو. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "احترسوا من النَّاس بسوء الظن". فهذا أمر عمر، مع أنَّه لا تجوز عقوبة المسلم بسوء الظن) [١].
وقد فصلت في مسألة مجالسة أهل البدع والغلو والجفاء في مسألة تصنيف الناس في؛ مدونتي » إصلاح » تصنيف الناس بين الغلو والجفاء.
وبعض المتلونين قد يكونون خوارج قعدة يكفرون ويستحلون الدماء والأموال والأعراض من غير تصريح إما لظهور السنة أو خوف السلاطين بسبب آرائهم التي قد تعرض مصالحهم للخطر، فأمثال هؤلاء إن ثبت للبعض بقرائن يقينية تلونهم؛ فيجب عليهم التحذير منهم في المجالس الخاصة لمن يثقون بهم، وذلك لأن بعض القرائن لا تكفي لإثبات حقيقة المتلونين لجميع الناس، ومن له معرفة بالقضاء بالدراسة أو الممارسة يعرف معنى ما أقول أكثر من غيره.
والقسريُّون لا يصرحون بكل شيء لأنهم يرون وجوب القدرة والنظر في المصالح والمفاسد في الجهاد خلافاً للجهاديين، فالقسريُّون يرون أن الوقت وقت التربية الحركية الجهادية وليس وقت الجهاد، وغلوهم في التكفير أقل من الجهاديين والتكفيريين.
وحقيقة قيادات بعض المنظمات في السودان التي يجهلها حتى بعض القيادات فيها فضلاً عن غيرها هي أن أكثرهم جبهويون سابقاً مؤتمريون حالياً، يختلفون عن زعيمهم السابق الترابي في مسائل فقهية وعقدية منذ أن كانوا جماعة واحدة، فهم على السنة في مسائل خالفوا فيها زعيمهم، والتقاؤهم مع الترابي هو في مقولته التي يعرض فيها بالسلفيين: "بعض الناس ينشغل بشرك القبور وينسى شرك القصور"، للمزيد؛ مدونتي » سياسة واقتصاد » سلفي مؤتمري.
وخلافنا مع الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح ليس مثل الخلاف مع المتصوفة في بدايات الدعوة، فليس هو في أصل التوحيد ولا التعصب المذهبي، بل حتى الترابي له كلام في خرافات الصوفية والتعصب للمذاهب وعبارة "كن بين يدي شيخك كالميت"، لأنه في المقابل يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، بل هذه الجماعات استفادت من كتب ابن تيمية بمن فيهم الترابي، ، مدونتي » إصلاح » أيهما نحارب، الشرك البدائي أم الحضاري؟.
أحد الإخوة: جزاكم الله خيراً شيخ عمر ونفع الله بكم، المقال ممتاز في نظري وفيه فقه في الدعوة دقيق حاجتنا إليه ماسة، كثيراً ما كنت أقول لإخواننا إن طريقة بعض إخواننا الدعاة في الرد على المخالف مع التوسع في الرد وفي ذكر الأسماء مخالفة لما نعلمه من عامة كبار العلماء من التريث الشديد وملاحظة المصالح والمفاسد.

أصناف المتصوفة

أحد الإخوة: جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم فضيلة الشيخ عمر عبداللطيف، ماهو رأيك في الموقف ممن ينتسبون للتصوف فى السودان؟ هل ينظر إليهم ويعاملون على أنهم ملة واحدة أم يصنفون إلى مستويات بعضها أقل شراً وضلالاً وبعضها أشر (بالذات مسألة نسبتهم إلى أهل السنة والجماعة)؟ أيضاً التفريق بين غلاتهم وخواصهم وعوامهم، ومن ينتسبون إليهم اسماً وليسوا عارفين بتفصيلات عقائد زعامتهم، والتفريق بين من هو واقع فى البدعة وبين من لهم انحراف عقدى كبير...إلخ.
فكتبتُ: لا شك أن الصوفية حتى المعاصرة تختلف بعض منظماتها وطرقها، فأنصار المهدي عندنا بالسودان يختلفون عن غيرهم، ولا يوجد فيهم غالباً شرك أكبر، ولكن تجد في كثيرٍ منهم شرك أصغر، وكذلك الغالب في جماعة التبليغ.
وكذا جماعة الطالبان، وقد قال الملا عمر عن نفسه بأنه صوفي ماتوريدي حنفي، فمع حرب طالبان للمعاهد السلفية في كونر وغيرها واستبدالها بالعقيدة الماتوريدية إلا أنهم ليسوا مثل غيرهم في الشرك الأكبر، ومعلوم أنهم كسروا صنم بوذا، وبلغنا أنهم هدموا الأضرحة والقباب التي تعبد من دون الله عز وجل.
وعوام الصوفية وفقهاؤهم ليسوا في الغالب مثل زهادهم "الفقراء"، فكثير ممن يتسمون بالفقراء كفار يقعون في كل أنواع الكفر ويعتقدون أن التكاليف سقطت عنهم أو سحرة كفرة يلقون المصحف في القاذورات ونحو ذلك من الكفر البين، والعامة يجهلون حقيقة أمرهم.
وكثير من فقهاء الصوفية لا ينكر هذا الشرك والكفر البين خوفاً من العامة، وبعضهم يبرر لهذه الكفريات ويتأول لها، ومن أمثلة من لم يكن ينكر الشركيات ممن كان ينتسب إلى التيجانية في مدينة الأبيض التي ولدتُ وعشتُ فيها أيام الصغر؛ الشيخ موسى عبد المجيد رحمه الله تعالى، ولكنه كان يُسرُّ لبعض الشباب الذين انتموا إلى أنصار السنة بأنهم على حق، وكان يدرس الفقه في الجامع الكبير، وقال عنه الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله بأنه محدث.
فلاشك أن عامة الصوفية مسلمون، وفيهم من هو من أهل السنة والجماعة في العموم لأن بعضهم قد لا تتجاوز بدعتهم البدع المكروهة كراهة تحريم.
ولكن لا ينبغي الاستهانة بالبدع المكروهة مع الحكمة والتدرج في إنكار المنكرات.
وفي نقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الأئمة الذين ذموا المتصوفة نظر، والحق وسط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المتصوفة: (تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله) [٢].
فقوله: (ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف) فيه نقدٌ للأئمة الذين ذموا المتصوفة أول ظهورهم، ومعلوم ما نقل عن الأئمة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله في ذم التصوف والمتصوفة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق) [٣].
الصحيح هو أن موقف ابن تيمية رحمه الله من المتصوفة صحيح في وقته، وموقف السلف صحيح في وقتهم، وذلك لأن ذم المبتدع يختلف باختلاف الأزمان وحال المبتدع ما بين جاهل وعالم وبين من أحدث البدعة ومن هو تبع.
فمن افتتح باب ضلالة أشد إثماً لأن له أوزار من تبعه إلى يوم القيامة، ولظهور العلم بسبب القرب من عهد الرسالة وتوافر العلماء، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه لمن ابتدع بدعة مكروهة كراهة تحريم: (هؤلاء صحابة نبيكم ﷺ متوافرون)، وقال: (وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر)، وشد عليهم في النكير فقال: (أم مفتتحوا باب ضلالة؟).
وما سبق دليل على فقه الصحابة رضي الله عنهم، ومن فوائد ذلك أن إنكار البدع المكروهة في زماننا يجب أن يكون برفق لغلبة الجهل، وفي الأثر دليل على أن البدع تبدأ صغيرة فتكبر، فهؤلاء كانت بدعتهم مكروهة كراهة تحريم فكبرت حتى صاروا من الخوارج الذين هم كلاب النار وشر الخلق والخليقة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، منقول من؛ مدونتي » شبهات » التزام عدد في الذكر المطلق.
ولا ينبغي جعل كلام العلماء مثل كلام الله عز وجل وكلام رسوله ﷺ، فالإمام قد يقول القول وهو غافل عن لازمه الباطل، وقد تعلمنا من شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم تقديم الحق على أقوال الأئمة والعلماء، والحق أحب إلى أهل الحق.
 فالأصل في المتصوفة الذم مع إعذار بعضهم، ولا يقال أنهم مثل غيرهم من المجتهدين في طاعة الله من أهل السنة، ففي عبارات ابن تيمية رحمه الله تساهل غير مقصود، فهو من صدع ببيان بدع المتصوفة وغيرهم.
والصوفي نسبة للصوف على الأرجح، لأن النسبة للصفَّة صُفِّي، والنسبة للصفاء صفائي، والنسبة للصفا صفوي.
ولبس الصوف زهد مبتدع، وكذا تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر، وهو من أسباب انحطاط المسلمين، لأن طلب الفقر يؤدي إلى ضعف الاقتصاد.
وقد بدأ التصوف بزهد مبتدع، فظهرت فيهم أحوال مبتدعة ثم تميزوا بلبس الصوف باعتبار أنه زهد.
وأقوال الأئمة الأوائل في التصوف والمتصوفة فيها رد على من زعم أن ذمهم خطأ من دعاة لم يتلقوه عن علماء، فقد اقتدى هؤلاء الدعاة بعلماء من السلف والخلف، وممن كتب من الخلف الشيخ عبدالرحمن الوكيل رحمه الله، وتبعه في كتابه القيم الشيخ اليوسف رحمه الله.
قال الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف رحمه الله: (التصوف دين يختلف في أصوله وفروعه اختلافاً جذرياً عن الإسلام) [٤]، والكلام هنا عن التصوف وليس عن المتصوفة، والمقصود به ما تميز به المتصوفة عن سائر المسلمين من فروع وأصول.
وقال أيضاً: (فإن أعظم فتنة ابتلي بها المسلمون قديماً وحديثاً هي فتنة التصوف، هذه الفتنة التي تلبست للمسلمين برداء الطهر والعفة والزهد والإخلاص، وأبطنت كل أنواع الكفر والمروق والزندقة) [٥].
وقال أيضاً: (لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الأمة الإسلامية، ومن هو أول متصوف، وإن كان الإمام الشافعي رحمه الله عندما دخل مصر قال: تركت بغداد وقد أحدث الزنادقة فيها شيئاً يسمونه السماع) [٦].
وأود التنبيه إلى ما على الشيخ اليوسف من ملاحظات تسببت في خلافات [٧]، وإلى أن بعض من ينتسب إلى نهج السلف جهلوا وأهملوا الزهد المستحب [٨].
فيجب حرب التصوف كله مع التدرج وتقديم الأولى، لأن معظم النار من مستصغر الشرر، والتصوف بدأ ببدع صغيرة حتى وصل بهم الحال إلى الشرك الأكبر، وببعضهم إلى الخروج عن الملة.
وكذلك يجب حرب الفكر القسري الذي أوصل  بعضاً إلى استحلال الدماء والأموال والأعراض وألحقهم بالخوارج، من غير غلو في تصنيف جميع آحادهم وأفرادهم، والمقصود بالفكر القسري الذي يعقد الولاء والبراء والتكتلات والتحزبات على آرائهم القسريَّة، ويجعلون أصل دعوتهم أو يجعلون بعض تلك الآراء التوحيد ويهملون التوحيد الذي جاءت به الرسل.

تعليقات

كتب أحد المشايخ: الحقيقة أن أنصار المهدي لا يكادون يختلفون عن عامة الصوفية في باب الكفر والشرك، فدعاء المهدي وخليفته شائع جداً عند عوامهم ودهمائهم، وغلوهم في المهدي وآله غلواً يصل في صور كثيرة حد العبادة كالتبرك بذواتهم وآثارهم وطاعتهم طاعة مطلقة كطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم، فضلاً عن جملة من العقائد الكفرية التي أصل لها المهدي نفسه كزعمه أن الأنبياء لو بعثوا لاتبعوه بدون المطالبة بدليله، وكثيراً ما يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يقظة وأمره ونهاه وعلمه وبشره، وكان الخليفة التعايشي بعده مثله وأسوأ؛ كان يزعم أن الخضر جاءه في الحضرة وقال له وأمره ونهاه، وقصارى كلامه أنه يوحى إليه كما يوحى إلى سلفه.
وكل ما نسبته إلى الرجلين ثابت في مجموع الوثائق الكاملة للمهدية الذي جمعه البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم رحمه الله مدير دار الوثائق السودانية، وأغلب ظني أن المهدي كانت تلبس عليه الشياطين، أما الخليفة فكان دجالاً ممخرقاً يكذب ويعرف أنه يكذب.
فكتبتُ: ما أعرفه في أنصار المهدي قديماً قبل أكثر من خمس وعشرين سنة أن فيهم بدع محرمة وشرك أصغر، فلعل الأمر يختلف من مدينة إلى أخرى، أو لعل البدع المحرمة والشرك الأصغر أدى بهم إلى الشرك الأكبر، والشرك الأصغر أكبر من كل الكبائر وهو أقرب الطرق إلى الأكبر، ولذا لا ينبغى الاستهانة بالبدع مهما بدت صغيرة، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
وكتب أحد المشايخ: وأنبه إلى أن المسائل الكبيرة والمشهورة عند السلف تراعى في تبديع المخالف مثل العلو والاستواء والقرآن، وكان شيخنا محمد أمان رحمه الله يقول: لو كان خلاف الأشاعرة في تأويل الغضب والمحبة لكان أهون، ولأنهم غالباً يردونها إلى صفة الإرادة، ولكن المشكلة في مسائل عظيمة ما كان السلف يترددون في تبديع المخالف فيها (ذكرتها سابقاً)، بل كانوا يكفرون المخالف فيها تكفير إطلاق أو تكفير أعيان إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع عنه.
ومناط ذلك راجع إلى أن من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة والمتواترة وإجماع المسلمين فهو مبتدع، على أنه قد يُتأنى في حالتين فيما يظهر لي؛ 1/ العبارات المجملة عن بعض الأكابر. 2/ الأخطاء التي وقع فيها بعض الأكابر وهم على أصول سلفية سنية.
فكتبتُ: جزاكم الله خيراً، وقد كتبتُ مثل هذا سابقاً، وقسمتُ المسائل إلى؛ معلومة من الدين بالضرورة وظاهرة وخفية، وذكرتُ أن الظهور والخفاء نسبي حسب الزمان والمكان، وأن التبديع بالمسائل الجزئية التي لا تعود على أصل بناقض التي اشتهرت من مذهب أهل السنة وارد، مثل؛ الغسل من التقاء الختانين وربا الفضل والخروج على الحاكم المسلم الظالم الفاسق فسقاً دون ترك الصلاة، إضافة إلى إلحاق من يستحل الدماء والأموال والأعراض بسببها بأهل البدع كالخوارج، والله تعالى أعلم، وقد كتبتُ في الغلو في التبديع في؛ مدونتي » إصلاح » الموجزُ اليسير حول شبهات في الجهاد والتكفير » الغلو في التبديع.
أحد الإخوة: السلام عليك أبوأنس، لعلك طيب، من هم المتلونون؟ ولتقريب الفهم هات أمثلة من السودان، ومن خارجه السعودية...مصر.
فكتبتُ: لا شك في وجود متلونيين في كل بلد، فالتلون عادة أهل البدع، ولهذا السحرة لا يقولون للناس الحجاب (التميمة) فيه سحر وإنما يقولون فيه آيات من كتاب الله عز وجل، والتلون هو طريقة كل من يخاف على مصالحه أو على نفسه أو حرمه وعياله.
كلامي عام، ولا أعين متلوناً يستحل الدماء والأموال والأعراض، وقد ذكرت الوصف الجامع للفكر القسري وهو في حقيقته فكر إخواني مع اختلاف بين هؤلاء وأولئك في بعض المسائل الفقهية والعقدية كما أشرتُ إلى ذلك في مقال؛ التحزبية والقسرية واليوسف، وبعضهم إخوان منظمون لأن في تنظيم الإخوان من يختلف عنهم في الموقف من الروافض ونحو ذلك منذ النشأة وإلى يومنا هذا.
وكتب أحد الإخوة: كيف يستفاد من انتقادات بعض الصوفية ربما الأقل ضلالاً للصوفية الأكثر غلواً من باب شهد شاهد من أهلها؟ ومثل ذلك الاستشهاد ببعض تقسيمات التوحيد عند بعض الأشعرية للرد على من يرد تقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية وأسماء وصفات.
فكتبتُ: من هذا الباب إضافة إلى تأليف العامة ممن لهم علاقات رحم أو صداقة أو زمالة مع الأخف شراً، ولتحييد الأخف شراً، أو كسب تأييدهم لتكثير سواد أهل الحق، ولما أمر الله تعالى به من العدل مع المخالف، ولأن فيهم المتأول أو الجاهل ممن يرجى هدايته من أهل الخير، ولأن الجاهل قد يكون عنده من الخير ما قد يجعله في مقام كريم يوم القيامة.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" ما معناه: (بعض من يقع في بعض البدع المكروهة حاله أفضل من حال بعض من ينهى عن البدع لما فيه من زهد وعبادة أكثر) أو نحواً من هذا.
وتقدم أنه ليس في البدع مكروه كراهة تنزيه، وأن المقصود بالكراهة هنا كراهة التحريم، وتقدم أن العذر في زماننا لأمثال هؤلاء وارد للبعد عن زمن النبوة وما فيه من الخير والهدى والعلم.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن من يحتفل بالمولد قد يؤجر على نيته بتعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل الفقي رحمه الله تعالى أخطأ في رده قول ابن تيمية رحمه الله تعالى في تحقيقه كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مستدلاً بحديث؛ (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فلم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه يؤجر على عمله وإنما قال على نيته.
يدل على صحة كلام ابن تيمية حديث الشاك في قدرة الله تعالى فأدخله الله الجنة، فأجره لم يكن على مخالفة هدي الأنبياء والمرسلين في الدفن، ولا على بدعة حرق الجثمان، وإنما كان على نيته ومخافته مقام ربه، والله تعالى ذكرُه قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}.
هذا مع الانتباه إلى أنَّ المعرض عن الحق يُزيَّن له عمله، فيأثم ولا يؤجر، والانتباه إلى أن أهل البدع يتلونون عند ظهور السنة، فيظهرون بدعاً تبدو صغيرة ويخفون أخرى، مكراً بأهل السنة واستعطافاً للعامة، وهذا ما يفعله الجفري كفى الله المسلمين شره.
فيجب التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، فمن لم تبلغه الحجة من الكفار الأصليين لا نحكم عليه بالنار ونعامله في أحكام الدنيا معاملة الكفار، وكذلك حكم المبتدع في الدنيا غير حكمه في الآخرة، إضافة إلى اعتبار الزمان والمكان، وما يترتب على ذلك من أحكام الهجر والتأليف، وتقديم الأنفع ودفع الأضر.
فمع عدم التساهل في أمر البدع مهما بدت صغيرة، لأن معظم النار من مستصغر الشرر، ومع التزام القسط الذي أمرنا الله تعالى به، ومراعاة الزمان والمكان، وتقديم الأصلح ودفع الأفسد، وتأليف العامة، وتكثير سواد أهل الحق، يجب الحذر من المفتونين بالبدع مهما كان حجمها.
ومن فقِه الفرق بين أحكام الدنيا والآخرة، وبين من زُيِّن له عمله ومن لم تبلغه الحجة، وبين الحذر من المتلونين وعذر الجاهلين، كان قوياً في الحق رحيماً بالخلق فقيهاً في دعوته وأمره ونهيه.
ولعل هذا يشرح ما استشكله بعض الأفاضل من قولي عن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المتصوفة: (والصواب أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين) أن فيه ترهل غير مقصود.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الخميس 18 ذو القعدة 1438هـ، الموافق 10 أغسطس 2017م

المصادر


رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق