القدس والاحتلال الإسرائيلي

رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين، ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

لمحة تاريخية

أثناء الحكم العثماني لفلسطين وفي أواخر القرن التاسع عشر وقبل الهجرة الاستيطانية الحديثة لليهود الصهاينة كانت نسبة اليهود في فلسطين حوالي 3%، ظهرت ملامح الهجرة المنظمة لليهود إلى فلسطين أثناء الحكم العثماني، وتُرجع دراساتٌ الهجرة الاستيطانية الحديثة إلى عام 1855م، وذلك بشراء يهودي أرضاً خارج القدس أقام عليها حياً سكنياً لليهود عام 1857م، وقد سهلت سياسة العثمانيين في تمليك الأراضي على أثرياء اليهود الهجرة الاستيطانية[1]، ولكن أغلب اليهود كانوا يفضلون وقتها الهجرة إلى أمريكا، وكان كثيرٌ من اليهود فقراء وقتها بسبب الاضطهاد الكنسي لهم في روسيا والغرب.
في الفترة ما بين 1882م إلى 1903م ظهرت ملاح الهجرة المنظمة، وذلك بعد ظهور الحركة الصهيونية في أوروبا لإقامة دولة لليهود بأي ثمن كان على حساب السكان الأصليين، ووقع الاختيار على فلسطين، وبسبب أن المهاجرين الجدد يحملون الفكر الصهيوني ازدادت المواجهات بينهم وبين السكان الأصليين على مصادر الرزق والأراضي والسكن، قدم على إثرها وجهاء القدس احتجاجاً لدى السلطة العثمانية عام 1891م.
كانت فلسطين حتى عام 1914م ضمن حدود الإمبراطورية العثمانية، وقد حكمها المسلمون لمدة تزيد عن 1100 عام، عاش فيها المسملون والنصارى واليهود في أمن وسلام، وكانت نسبة المسلمين حوالي 85%، والنصارى حوالي 10%، واليهود حوالي 5%، ثم خسر العثمانيون كافة أراضيهم في البلاد العربية لصالح بريطانيا وفرنسا، وذلك بعد أن خاضوا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، وقعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بموجب اتفاقية سايكيسبيكو عام 1916م بين بريطانيا وفرنسا لتقاسم منطقة الهلال الخصيب بمساندة الإمبراطورية الروسية.
عام 1917م أعلنت بريطانيا التي كانت تحكم فلسطين تأييد إنشاء دولة لليهود في فلسطين فيما سمي بوعد بلفور، ازدادت بعدها حركة الاستيطان لليهود في فلسطين حتى وصلت نسبة اليهود في عام 1947م إلى 31%، ولكنهم كانوا يسيطرون على 8.8% فقط من أرض فلسطين، ومع ازدياد الاستيطان اليهودي في فلسطين ازدادت المواجهات بين الفلسطينيين والمليشيات اليهودية.
في عام 1947م وافقت الأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق؛ 56% لليهود، 43% للفلسطينيين العرب، و1% منطقة دولية وهي القدس، ووضعت القدس تحت الانتداب بإدارة دولية، قبلت إسرائيل هذا القرار، ورفضته كل الدول العربية وقتها، مما أدى إلى بداية المواجهات بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني ومع بداية عام 1948م سيطرت المليشيات الصهيونية على عشرات المدن والقرى الفلسطينية وطردوا سكانها الفلسطينيين، واستمرت علميات التهجير القسري منذ ذلك التاريخ تحت مرأى ومسمع العالم أجمع.
أنهت بريطانيا الانتداب البريطاني عام 1948م بضغط من الأمم المتحدة التي طالبتها بإنهائه، وكان ذلك في يوم 14 مايو، وفي 15 مايو 1948م أعلن المجلس اليهودي الصهيوني في تل أبيب قيام دولة إسرائيل مع الامتناع عن تحديد حدود الدولة المزعومة، بعد الإعلان ببضع دقائق أعلن الرئيس الأمريكي هاري ترومان الاعتراف بدولة إسرائيل، وأما الاتحاد السوفياتي فاعترف بالدولة المزعومة بعد ثلاثة أيام من إعلانها.
برفض الدول العربية للحدود التي أقرتها الأمم المتحدة، وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل وحتى اليوم، خاضت الدول العربية خمس حروب كبرى مع إسرائيل؛ 1948م، 1956م، 1967م، 1973م، و1982م، إضافة إلى هذه الحروب الكبرى فقد استمرت المواجهات بين الصهاينة والعرب، منها؛ حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية (1969م – 1970م)، والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، ودخول إسرائيل جنوب لبنان عام 1978م، وصراع نهر الأردن، إضافة إلى عشرات من العمليات العسكرية المحددة ذات التأثير الإستراتيجي، كقصف إسرائيل للمفاعل العراقى أوزيراك عام 1981م، ومئات العمليات التي قام بها فدائيون فلسطينيون ومنظمات مقاومة فلسطينية.

الحروب العربية الإسرائيلية

حرب 1948م؛ كان الهدف طرد المليشيات اليهودية من فلسطين، وشاركت فيها كل من المملكة المصرية، ومملكة الأردن، ومملكة العراق، وسوريا، ولبنان، والمملكة العربية السعودية.
عرفت حرب 1948م بالنكبة، وقد أدت إلى سيطرة الصهاينة على 78% بعد أن كانوا يسيطرون على 9% فقط من الأراضي العربية، فأصبح العرب يسيطرون فقط على الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، وعرفت بقية الأراضي التي احتلتها إسرائيل بأراضي 48.
بسبب النكبة قُتل أكثر من 15 ألف عربي، وارتَكبت قوات الاحتلال أكثر من 50 مذبحة، وطُهِّرت أكثر من 531 قرية ومدينة فلسطينية، وهُجِّر أكثر من 780 ألف فلسطيني الذين كان عددهم قبل النكبة حوالي 1.4 مليون، ودخل فلسطين خلال عشر سنوات تلت أكثر من 850 ألف يهودي.
حرب 1956م أو العدوان الثلاثي الإسرائيلي-البريطاني-الفرنسي على مصر، أسبابها؛ تأميم مصر شركة قناة السويس، وتوقيع مصر اتفاقية عسكرية مع الاتحاد السوفييتي، ودعم مصر للثورة الجزائرية.
كان هدف إسرائيل إضافة إلى ضمان نفوذ حلفائها على القناة؛ إضعاف القوات المصرية، وكان هدف بريطانيا إضافة إلى دعم إسرائيل استعادة نفوذها بموجب اتفاقية الجلاء التي نصت على تقديم الحُكومة المصرية التسهيلات للحكومة البريطانية لإعادة تشغيل القناة كقاعدة عسكرية إذا تعرضت أي دولة من دول التحالف لهجوم  من خارج تلك الدول، وكان هدف فرنسا التخلص ممن ساند ثورة الجزائر ونقل ملكية شركة قناة السويس من الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المصرية.
بدأ العدوان بمهاجمة إسرائيل الحدود، وتلا ذلك قصف بريطانيا وفرنسا مدينة بورسعيد على البحر المتوسط، نتائج العدوان؛ سيطرة إسرائيل على قطاع غزة وسيناء، واستيلاء فرنسا وبريطانيا على بورسعيد، ثم اضطرت الدول الثلاث إلى وقف العداون بسبب ضغوط دولية تمثلت في؛ قيام الدول العربية بمنع وصول النفط إلى بريطانيا وفرنسا، إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بوقف إطلاق النار وافقت مصر عليه ورفضته دول العدوان، حينها تدخل الاتحاد السوفييتي ووجه إنذاراً إلى بريطانيا وفرنسا، وأعلن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ  مساندة مصر.
بعد وقف القتال انسحبت القوات الفرنسية والبريطانية من بورسعيد، ثم انسحب جيش الاحتلال من قطاع غزة عام 1957م. تُعد هذه الحرب نصراً سياسياً لمصر رغم الهزمية العسكرية لعدم تحقيق العدوان أياً من أهدافه.
حرب 1967م بين إسرائيل من جهة ومصر وسوريا من جهة أخرى بمساندة لوجستيه من دول عربية من بينها؛ الأردن ولبنان والعراق والجزائر والسعودية والكويت، السبب المباشر للحرب؛ مطالبة مصر بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وحشد جيشها في سيناء، وإغلاقها مضايق تيران بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية، وانتهت الحرب في 6 أيام بانتصار الجيش الصهيوني واستيلائه على؛ قطاع غزة وسيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن بما في ذلك القدس الشرقية، ومرتفعات الجولان من سوريا.
في 22 نوفمبر 1967م صدر القرار رقم 242 من الأمم المتحدة، نصت بنوده على انسحاب القوات الصهيونية من الأراضي التي احتلتها تلك السنة، وإنهاء جميع حالات الحرب، واحترام سيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها سياسياً، وضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية في المنطقة، وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
حرب عام 1973م بدأت بهجوم مفاجيء سوري مصري على الجيش الصهيوني في أكتوبر بغرض استعادة الأراضي المحتلة، وشاركت دول أخرى بإرسال جنودهم للمساعدة ومنها: العراق والجزائر بشكل رئيسي وليبيا والأردن والمغرب والسعودية والسودان والكويت وتونس وباكستان وبنغلادش وكوبا.
أحرزت القوات المصرية السورية تقدماً في البداية إلا أن دخول أمريكا بجسر جوي لمساعدة الكيان الصهيوني أدى إلى تغيير موازين القوى، وبعد 10 أيام من الحرب قامت السعودية (الملك فيصل) والدول العربية بتخفيض إنتاجها من البترول للدول التى تساعد الكيان الصهيوني وعلى رأسها أمريكا.
نتائج حرب 1973م؛ إتفاقية هدنة لا تزال سارية مع سوريا، وتطورت اتفاقية الهدنة مع مصر إلى اتفاقية سلام شاملة "كامب ديفيد" عام 1979م استعادت مصر بموجبها سيناء.
اجتياح لبنان عام 1982م؛ بدأت بهجوم إسرائيلي على منظمة التحرير في جنوب لبنان إثر اغتيال سفيرها في بريطانيا، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربية، نفذت مذبحة صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين على يد؛ الجيش الإسرائيلي وحزب الكتائب اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي. نتائج حرب 82؛ إخلاء منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية مواقعها، انسحب جيش الاحتلال عام 1985م جزئياً من لبنان.

تغيُّر مسار القضية

انتفاضة 1987م؛ أعادت الانتفاضة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية بعد سنوات من الإهمال السياسي، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية من ضمن المنظمات التي أسهمت فيها.
مؤتمر مدريد عام 1991م؛ اعترفت منظمة التحرير الفسطينية بقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الذي تعتبره بعض المنظمات الفلسطينية مجحفاً لاعترافه بدولة إسرائيل.
إتفاقية أوسلو؛ بعد مؤتمر مدريد دخلت المنظمة في مفاوضات سرية مع إسرائيل استضافتها العاصمة النروجية أوسلو وانتهت بإعلان اتفاقية أوسلو عام 1993م.
الحكم الذاتي؛ تبعاً لاتفاقية أوسلو تم الترتيب لوجود حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مع تأجيل البت في القضايا المصيرية الحساسة مثل القدس واللاجئين والدولة والمياه والحدود.
 في مطلع عام 2006م فازت حماس بالانتخابات التشريعية في غزة، نشأ على إثرها صراع سياسي مع السلطة الفلسطينية، انتهى الأمر بسيطرة حماس على القطاع عام 2007م، ظلت غزة بعدها تحت حصار إسرائيلي، وقامت بعدها قوات الاحتلال بعدة اعتداءات على القطاع.
انتفاضة الأقصى؛ اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م عقب الزيارة الاستفزازية للمسجد الأقصى المبارك التي قام بها أرييل شارون المتورط في مجازر عدة بحق الشعب الفلسطيني من أشهرها مجزرة صبرا وشاتيلا.
مبادرة السلام العربية؛ في عام 2002م أصدرت جامعة الدول العربية إعلان بيروت، أكد الإعلان تبني مباردة السلام السعودية كمباردة عربية، وأكد القادة العرب في ضوء انتكاسة عملية السلام، التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل.
أهم بنود المبادرة العربية للسلام هي؛ أ- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967م، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان. ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967م في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، موقع الجزيرة نت » بنود مبادرة السلام العربية.

مقاطعة الكيان الصهيوني وحماية الأقصى المبارك

يبدو أن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل هو قرار أمريكا وليس قرار ترامب، وجاء توقيته مع كثرة الاضطرابات في الدول العربية، ومع هذا الإعلان الأمريكي تتأكد ضرورة عودة الدول التي عقدت اتفاقات أحادية مع إسرائيل إلى اتفاق الدول العربية على المقاطعة الكاملة، وذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية وجميع أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ومع المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة وإزكاء الصراعات فيها يجب على الجميع ألا ينسوا أكلت يوم أُكل الثور الأبيض، ولكن الصدق والإخلاص للقضية ليس بمجرد رفع الشعارات والاستنكار والإدانة، فلابد من الحزم والقوة من غير تهور، والحكمة والعقل من غير خور ولا ضعف، وحذار ممن يستغل القضية لمكاسب سياسية ضيقة لشخصه أو حزبه.
فمع ازدياد قوة إسرائيل والاضطرابات في ليبيا واليمن وسوريا، واحتلال الفرس الروافض للعراق وعبثهم في اليمن وسوريا ولبنان، فإن الدخول في حرب مع إسرائيل سيكون أسوأ من الحروب السابقة، وقد كانت نتائج الحروب السابقة كارثية؛ من احتلال إسرائيل ل 9% فقط إلى 78% بعد النكبة (حرب 48)، إلى احتلالها لكامل الأراضي الفلسطينية مع أراضٍ عربية أُخرى بعد النكسة (حرب 67)، وآخرها هزيمة حرب 73 قبل اجتياح لبنان وإبعاد منظمة التحرير منها.
وأما انتصار مصر في العدوان الثلاثي (حرب 56) فقد كان سياسياً بسبب تحالفات إقليمية ودولية، مما يؤكد ضرورة اعتبار موزاين القوى المحلية والإقليمية والدولية في الصراعات، فلا نصر من غير اتخاذ أسبابه وإعدادٍ وقوة، والقوة مع الضعف المادي لن تكون إلا بالإيمان، ولا إيمان من غير توحيد، والغاية يجب أن تكون حماية الدين بدءاً بالتوحيد والعقيدة.
والمسجد الأقصى أسس أربعين سنة بعد الكعبة لتوحيد الله تعالى وألا يتخذ الناس من دون الله وكيلاً يعني شريكاً، قال الله تعالى ذكرُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا}، وأسس أول بيت وضع للناس لنفي الشرك {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}، وجميع المساجد يجب أن تؤسس على أساس من التوحيد ودعاء الله عز وجل وحده، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأحد  22 محرم 1439هــ، 10 ديسمبر 2017م

المصادر

[1] مصدر هذه المعلومات وما بعدها مواقع فلسطينية وعربية.
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق