إفراد الجمعة والسبت بصوم لمناسبة أو سبب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ورد النهي عن تخصيص يوم الجمعة بصيام نفل مطلق فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، إلّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ)، صحيح البخاري (١٩٨٥).
وأما يوم السبت فقد ورد فيه حديث مختلف في صحته وهو؛ (لا تصوموا يومَ السبتِ إلا فيما افتُرِضَ عليكم).
فمن أهل العلم من أعله باضطراب في السند ونكارة في المتن، ومنهم من حسنه، وصححه بعضهم ومنهم الألباني رحمه الله تعالى.
والأرجح أن الحديث صحيح ثابت، لأن مثل هذا الاضطراب في السند لا يضر، فالاضطراب في الصحابة رضي الله عنهم لا يضر، ولا نكارة في المتن لإمكان الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث التي ظاهرها المشروعية.
والنهي عن صيام يوم السبت هو نهي عن تخصيصه بنافلة مطلقة، فيجوز صوم السبت مع الجمعة، وذلك لما ورد في الصحيح من صوم يوم بعد الجمعة، واليوم الذي بعد الجمعة هو يوم السبت.
 النهي عن تخصيص يوم الجمعة ويوم السبت بصيام إنما هو نهي عن تخصيصهما بالنوافل المطلقة، وليس عن صيامهما منفردين لغرض آخر غيرهما كصوم يوم عرفة.
فالنهي عن تخصيصهما بصيام ليس على إطلاقه يقيناً، وذلك للأحاديث التي لا خلاف في صحتها التي تنص على مشروعية صيام داود عليه السلام، فمن صام يوماً وأفطر يوماً؛ فإنه يصوم يوم الجمعة منفرداً أسبوعاً والسبت منفرداً أسبوعاً.
فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: (أُخْبِرَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ أَنِّي أَقُولُ: واللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهارَ، ولَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ ما عِشْتُ فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتَ الذي تَقُولُ واللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهارَ ولَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ ما عِشْتُ قُلتُ: قدْ قُلتُهُ.
قالَ: إنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذلكَ، فَصُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعَشْرِ أَمْثالِها، وذلكَ مِثْلُ صِيامِ الدَّهْرِ.
فَقُلتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذلكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فَصُمْ يَوْمًا وأَفْطِرْ يَومَيْنِ.
قالَ: قُلتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذلكَ، قالَ: فَصُمْ يَوْمًا وأَفْطِرْ يَوْمًا، وذلكَ صِيامُ داوُدَ وهو أَعْدَلُ الصِّيامِ.
قُلتُ إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ منه يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: لا أَفْضَلَ مِن ذلكَ.)، أخرجه البخاري (٣٤١٨) واللفظ له، ومسلم (١١٥٩) .
ومما يدل على جواز إفراد يوم الجمعة بصوم لغرض آخر كصوم عرفة رواية مسلم: (وَلا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيامٍ مِن بَيْنِ الأيّامِ، إِلّا أَنْ يَكونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ)، صحيح مسلم (١١٤٤).
وفي النهي عن صيام يوم السبت والأمر بصيام يوم عرفة ونحوه تعارض بين عامين، وهما؛ عموم استحباب صوم يوم عرفة ونحوه، وعموم النهي عن صيام النفل يوم السبت.
فعموم النهي عن صوم يوم السبت يشمل يوم عرفة، وعموم الأمر بصوم يوم عرفة يشمل ما إذا كان يوم سبت، فتعارضا في هذه الصورة.
وقد تقرر في علم أصول الفقه عند تعارض عامين وجوب الترجيح بينهما، والراجح منهما يقدم ويخصص به عموم الآخر، كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله: وإن يك العموم من وجه ظهر ... فالحكم بالترجيح حتماً معتبر.
والعام المخصص أضعف من العام الذي لم يرد عليه تخصيص، وعموم النهي عن صوم يوم السبت خصص بصوم الفرض، وخصص بصوم يوم بعد الجمعة لكيلا تخص بصوم، وخصص بصومه منفرداً في الأسبوعين مرة لمن صام كصيام داود عليه السلام، فيترجح عموم صوم يوم عرفة ونحوه مما لم يدخله تخصيص، فبه يخصص عموم النهي عن صوم يوم السبت.
وعلى هذا يكون النهي عن صوم يوم السبت نهي عن إفراده بصوم لغير مناسبة أو سبب، كما أن النهي عن صوم يوم الجمعة هو نهي عن إفراده بصوم لغير مناسبة أو سبب.
وقد يكون النهي عن صوم يوم السبت لمصلحة مخالفة اليهود، فإن يوم السبت عندهم يوم راحة وعبادة، فإذا صام المسلم يوم السبت فإنه يضعف عن العمل ويترك ما اعتاده من أعمال فيكون في ذلك موافقة لليهود، والأمر بالمخالفة في المشترك بين المسلمين وغيرهم أمر على وجه الاستحباب كما نص على ذلك أهل العلم، والمستحب بقصد المخالفة أضعف من المستحب لذاته، فيترجح الأمر بصوم يوم عرفة ونحوه، وصوم يوم السبت لمناسبة أو سبب ليس فيه موافقة لليهود لأنه لا يتكرر كل أسبوع.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
السبت 2 ذوالحجة 1440ه، 3  أغسطس 2019م
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق