إجازة الجمعة وتنظيم النوم والأوقات

رجوع إلى قسم إرشادات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إن تنظيم ساعات النوم والأوقات وترتيبها هو مفتاح النجاح في أعمال الدنيا والآخرة.
عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (وكانَ يَسْتَحِبُّ أنْ يُؤَخِّرَ العِشاءَ، الَّتي تَدْعُونَها العَتَمَةَ، وكانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَها، والحَدِيثَ بَعْدَها) [1].
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الَّلهمَّ باركْ لأمَّتي في بُكُورِها) [2].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قِيلُوا، فإنَّ الشياطينَ لا تُقِيلُ) [3].
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) [4].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) [5].
مما سبق من أحاديث فإن أفضل طريقة للنوم هي النوم بعد صلاة العشاء مباشرة وعدم النوم بعد صلاة الفجر لما في أول النهار من بركة ثم النوم وقت القائلة بعد الظهر لاحتياج الجسم إلى راحة قليلة وقتها.
والأرجح في القيلولة أنها بعد صلاة الظهر لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنهم كانوا لا يقيلون ولا يتغدون إلا بعد الجمعة، وأما ما ورد من آثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يقيلون قبل الظهر، فلعل ذلك في شدة الحر حيث يشرع الإبراد بالظهر وهو تأخيره إلى أن يبرد الجو.
مما يرجح أن القيلولة بعد الظهر أن كل أوقات الصلاة متقاربة عدا الفجر، فزمنه بعيد عن العشاء وعن الظهر، وما بين العشاء والفجر وقت نوم، وما بين الفجر والظهر وقت كسب، وأقل من ست ساعات في اليوم لا تكفي للتعلم والإنتاج، وتتعسر العودة للعمل بعد القيلولة، ومن حِكم تقارب الصلوات عدم الانقطاع عن العبادة.
ولعل الأفضل اتخاذ يوم الجمعة إجازة عن العمل للتفرغ للعبادة في أوله، فالساعة الأولى من ساعات التبكير للجمعة تبدأ على الأرجح من أقوال العلماء بعد حوالي خمس عشرة دقيقة من شروق الشمس، وفائدة إجازة الجمعة إضافة للعبادة فيه؛ كسر الملل وأخذ قسط من الراحة الأسبوعية.
وإذا نظم الإنسان نومه بهذه الطريقة فإنه يستطيع أن يستغل حوالي ست ساعات كل يوم قبل صلاة الظهر للكسب، فإذا  جُعلت أيام العمل في الأسبوع ست أيام كان مجموع عدد ساعات العمل في الأسبوع ست وثلاثون ساعة.
والست والثلاثون ساعة الأسبوعية بهذه الطريقة أفضل بكثيرٍ جداً من الأربعين ساعة المتبعة في النظام الغربي، لأن الانتاجية تقل بعد منتصف النهار، ولأن أول النهار مبارك، ولأن راحة القيلولة تفيد في استغلال بقية اليوم في أعمال نافعة مثل تربية العيال وصلة الأرحام.
وبركة أول النهار ناتجة من نشاط الجسم بعد راحة كافية في الليل، وسبب هذا النشاط ما يعرف طبياً بظاهرة الفجر أو تأثير الفجر، وهي ظاهرة زيادة نسبة الجلوكوز في الدم ما بين الرابعة إلى الثامنة صباحاً، والجلوكوز في الدم هو المصدر الأساسي لطاقة الجسم.
زيادة الجلوكوز في الدم هي بسبب إفراز هرمون الجلوكاجون فجراً من البنكرياس، ويعطي الجلوكاجون إشارة للكبد لتحويل الغليكوجين المخزن إلى جلوكوز وطرحه في مجرى الدم، ولضبط سريان الجلوكوز يفرز في نفس الوقت الإنسولين المضاد لعمل الجلوكاجون.
فائدة القيلولة استعادة طاقة الجسم براحة قليلة، وهذه الراحة القليلة لها أثر عظيم في استعادة نشاط الجسم.
هرمون الميلاتونين يسبب الشعور بالنعاس والنوم، ويزيد إفراز هرمون الميلاتونين من الغدة الصنوبرية في المخ مع قلة الضوء،  وإشارة الضوء تأتي من العينين، ولذا ينصح  المتخصصون بعدم استخدام الهاتف قبل النوم.
ونوم النهار لا يعوض نوم الليل بسبب هرمون الميلاتونين الذي يفرز في الظلام، وقد أجريت دراسات عديدة في النوم، منها دراسة أجريت على عينة من النساء يعملن بالليل وأخريات لا يعملن بالليل، فكانت نتيجة الدراسة أنَّ إصابة من يعملن بالليل بسرطان الثدي تزيد ثلاثين بالمائة على من لا يعملن ليلاً.
وفي دراسة أخرى تم تلقيح مائة وخمسة وعشرين شخصاً ضد التهاب الكبد الوبائي بي، وقد تبين من هذه الدراسة أن فعالية اللقاح في الذين ناموا أكثر من سبع ساعات بالليل كانت 12 مرة أكثر مقارنة بالذين ناموا أقل من ست ساعات بالليل، وقد أثر فقط عدد ساعات النوم وليس نوعيته في مقدار الأجسام المضادة التي أنتجها الجسم استجابة للقاح، وللمزيد حول الآثار السيئة لقلة النوم في الليل يمكن الرجوع إلى موقع؛ مؤسسة النوم.
فسبحان القائل جل ثناؤه: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)}، سورة غافر.
بقي أن أنبه إلى أن تغيير نمط الحياة صعبٌ، فمن تعود على النوم بعد صلاة الفجر مثلاً سيظل يشعر بتعب وحاجة إلى النوم بعد الفجر فترة لا تقل في أغلب الناس عن عشرين يوماً، وذلك لأن الساعة البيولوجية في الجسم تعمل على الإيقاع المعتاد، وتحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع لتعدل نفسها إلى إيقاع جديد.
ساعات التبكير لصلاة الجمعة هي الساعات المعروفة اليوم والتي تقدر بستين دقيقة، وساعات التبكير لصلاة الجمعة الخمس تقديرية باعتبار أقصر يوم، فما بين ارتفاع الشمس قيد رمح بعد الشروق إلى وقت الظهر لأقصر نهار في مكة خمس ساعات مقدار كلٍ 60 دقيقةً، ويزيد عددها إلى أن تصل ست ساعات في أطول نهار، فيكون طول كل ساعة من الخمس؛ 72 دقيقةً في أطول نهار في مكة.
وقد حسبت عدد ساعات التبكير لصلاة الجمعة ابتداءاً من مضي خمس عشرة دقيقة على شروق الشمس، وذلك لأن ما بين صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح في السماء وقت نهي عن الصلاة، وما بين شروق الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح في السماء حوالي خمس عشرة دقيقة.
قال ابن باز رحمه الله تعالى في بداية وقت التبكير لصلاة الجمعة: (فالأقرب والله أعلم والأحرى أنه يكون بعد ارتفاع الشمس، حتى إذا ذهب للمسجد يكون محل الصلاة والتعبد) [6].
معرفة أهل الحضارات القديمة بحساب الخسوف والكسوف تُرجح أن عدد ساعات اليوم معروف منذ القدم.
ومما يدل على أن عدد ساعات اليوم الأربع والعشرين كان معروفاً في عهد الرسالة قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ساعات نهار الجمعة: (يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)، صححه الألباني في صحيح النسائي ١٣٨٨.
وفي حديث ضعيف؛ (إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربع وعشرون ساعة) [7].
ومما يدل على أن الساعات المعروفة اليوم كانت معروفة منذ قرون قول ابن منظور رحمه الله: (والليل والنهار معاً أربع وعشرون ساعة، وإذا اعتدلا فكل واحد منهما ثنتا عشرة ساعة)[8].
وقال ابن تيمية رحمه الله: (والساعة المعتدلة هي ساعة من اثنتي عشر ساعة باللَّيل أو النهار إذا كان الليل والنهار متساويين) [9].
قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: (والنهار اثنتا عشرة ساعة كما في الصحيح، فهي ساعة بكاملها، وهي ستون دقيقة) [10].
هذا، والله أعلم، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأربعاء 16 شعبان 1440هـ، 19 يوليو 2019م

المصادر

[1] أخرجه البخاري (٥٤٧) واللفظ له، ومسلم (٦٤٧).
[2] الترمذي (١٢١٢)، وأبو داود (٢٦٠٦)، وابن ماجة (٢٢٣6)، وأحمد (١٥٤٨١)، والنسائي (٨٨٣٣)، وابن حبان (٤٧٥٤)، والطبراني (١٢/٣٧٥) (١٣٣٩٠)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (١٨٣٣).
[3] حسنه الألباني في صحيح الجامع (٤٤٣١) وفي السلسلة الصحيحة (١٦٤٧).
[4] صحيح البخاري ٦٢٤٨، صحيح مسلم ٨٥٩.
[5] أخرجه البخاري (٨٨١)، ومسلم (٨٥٠).
[6] الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز » الفتاوى » نور على الدرب » شرح حديث: (من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ..).
[7] مجمع الزوائد (ج٢/ص١٦٨)، قال الألباني رحمه الله تعالى: ضعيف جداً في؛ السلسلة الضعيفة » رقم ٥٠٦٧.
[8] لسان العرب لابن منظور (ج8/ص169)؛ ع » فصل السين المهملة.
[9] مجموع الفتاوى (ج٥/ص٤٦٨)، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
[10] شرح زاد المستقنع (ج71/ص13)، دروس صوتية، فرغها؛ موقع الشبكة الإسلامية، ورقم الجزء هو رقم الدرس.
pdf

رجوع إلى قسم إرشادات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق