تشوَقة السودان رجاء لا تمني، وبالسعي الشرعي لها يحققها الله تعالى كلها أو بعضها أو يثيب المحتسب.
والتشوَقية هي صيغة شرعية للحكم المنتخب، وقد ظن بعضٌ أنها أماني وأحلام.
ولعل من أسباب هذا الظن أن الشرع ليس فيه غش وخداع مع اعتقاد كثيرين أنه لا سياسة بدون غش وخداع.
ومن أسبابه أيضاً أن الناس يعلمون أن معظم حكومات العالم عبر التاريخ البشري وإلى يومنا هذا حكومات جبرية مع اختلافها في شدة تحكمها.
فما من بلد ديمقراطي حزبي إلا وفيه تحكم خفي عبر لوبي سري، فكما أن للماسونية في الغرب وجه علني وآخر سري، فللأحزاب السياسية في الشرق والغرب وجه سري مبني على نظام الخلايا الهرمية، وفيها عضوية سرية.
ولا شك أن الشرع مبني على الصدق، ولكن الصدق يصحبه الرجاء وليس الأمنية والحلم.
فالحكم الجبري المتسلط (الدكتاتوري) عقوبة، ولن يرتفع إلا بارتفاع سببه.
قال النبي ﷺ: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم).
وفي أكثر العقوبات الدنيوية رحمة، فالشعوب التي استشرى فيها الظلم والقسوة لا يمكن حكمها بالعدل والرحمة.
ومع ذلك فإن السعي لحكم منتخب يمكن أن يكون صادقاً، فكما أن المريض يسعى للعلاج مع أنه يعلم أنه ابتلاء لتكفير الذنوب ورفع الدرجات، فكذلك السعي بطرق شرعية لحكم منتخب.
ولكن لابد من معرفة أن السعي لحكم منتخب لن يجدي بدون دعوة الناس إلى الرحمة ببعضهم والعدل فيما بينهم، فالجزاء من جنس العمل.
ومن موجبات الدعوة لحكم منتخب تأليف قلوب الناس لدعاة الشريعة، فالنفس البشرية الأبية مجبولة على حب الكرامة والنفور من القهر والظلم.
ولذا تستغل اللوبيات الحزبية هذه الفطرة السليمة.
والشعوب لا ينطلي عليها هذا الخداع، ولكنها تعلم أن المخادع مضطر لتحقيق بعض وعوده.
فالغالب من الشعوب الغربية والشرقية لا يهتمون كثيراً باستئثار بعضٍ بالسلطة لرغبتهم عنها، بل لا يهمهم كثيراً استئثار بعضٍ بالثروة إذا وجدوا اقتصاداً قوياً يجدون في ظله رواتب مجزية واستثمارات مغنية.
فالأثرة في الغرب واضحة لكل ذي عينين، بل قيل إن بضعاً وثمانين يملكون معظم ثروات العالم، وأن أغلبهم ينتمون للوبي المستأثر بالسلطة الحقيقية والثروة.
ولعلم الشعوب الغربية بالخدعة لا تزيد نسبة من يصوت منها عن ٥٥٪ غالباً، ومن يصوت فلغرض معين (أخف الضررين).
فإن قيل؛ ألا نسعى مثل الغرب لاقتصاد قوي بحكم ديمقراطي حزبي مدار؟ فجوابه بأمور منها التالي؛
١. أن الغش محرم.
ويُرجى بالسعي الشرعي أن يحقق الله تعالى للساعين شيئاً من أهدافهم، فإن لم يتحقق شيء فإنهم يؤجرون على عملهم وسعيهم.
وأما إذا سعى الناس بالخداع والغش فإنهم يأثمون وقد لا يحققون شيئاً مما يتمنون.
٢. أن ضعفنا يعين عدونا على استغلال تحزبنا (تفرقنا) السياسي وزيادته، وعلى رشوة ضعاف النفوس من قادة أحزابنا، فيزعزع استقرار وأمن أوطاننا.
ويستغل عدونا ضعفنا وتفرقنا لإفشال تكرار فوز من حقق نجاحات من أحزابنا بنحو الضغوط الاقتصادية، وفي شعوبنا ضعف في الإيمان وجهل بالشرع يحملانها على التصويت للعلمانيين والعملاء عندما تضيق معيشتها.
ويسهل النظام الحزبي لأعدائنا تشويه من لا يخدم مصالحهم من أحزابنا إعلامياً، وذلك لأنه لا يستقر بدون إدارة خفية، وتتم الإدارة الخفية بتمكين لوبي الحزب الفائز من مفاصل الدولة مما يوقعه في ظلم من لا ينتسب له.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق