الواجبات العينية ومُشابِهاتها

رجوع إلى قسم قواعد وأصول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين.
واجبات الإسلام العينية في باب العبادات لا تتعدى أركان الإسلام الخمسة، وما سوى ذلك من الواجبات العينية إما أنها تتعلق بأحكام المعاملات الدنيوية مثل النفقة على الأرحام، أو أنها تبع لغيرها.
للمزيد حول من تجب عليهم النفقة ومناقشتها بالأدلة؛ مدونتي » أحكام » من تجب على الرجل نفقتهم.
الواجبات العينية التي تعد تبعاً لغيرها من الواجبات العينية والكفائية هي التي لا تستقل بذاتها كطلب العلم العيني، وكوجوب حضور الجمعة والجماعة، وكوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بعض ما يطلق عليها واجبات هي في حقيقتها محرمات وليست واجبات كوجوب إعفاء اللحية فهو في حقيقته نهي عن حلقها، لأن الإعفاء ليس فعلاً حقيقةً، فالفعل الحقيقي هو الحلق، فالمسألة تتعلق بترك لا بفعل حقيقي.
والأصل في النهي سواء كان نهي تحريم أو كراهة أنه يتعلق بترك، والأصل في الأمر سواء كان للوجوب أو الندب أنه يتعلق بفعل.
وكوجوب تغطية المرأة سائر بدنها عدا ما ظهر من زينتها، فهو في حقيقته نهي عن التبرج لأنه ليس فيه تكليف زائد على وصف اللبس، فهو نهي في صيغة الأمر.
الأدلة على أن الواجبات الشعائرية التعبدية العينية لا تتعدى أركان الإسلام الخمسة كثيرة، منها؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ أعْرابِيًّا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولِ اللهِ، دُلَّنِي على عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وتُؤَدِّي الزَّكاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومُ رَمَضانَ، قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا أزِيدُ على هذا شيئًا أبَدًا، ولا أنْقُصُ منه، فَلَمّا ولّى قالَ النبيُّ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَن سَرَّهُ أنَّ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هذا)، متفق عليه واللفظ لمسلم؛ صحيح البخاري (١٣٩٧) و صحيح مسلم (١٤).
ولكن ما أكثر الواجبات الكفائية؟ ووجود مُشابهات الواجبات أكثره بسبب عدم حصول الكفاية، وما أكثر النقص في أداء فروض الكفايات!
ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يُستخرج منه أن فعل المشابهات التي تُشبه الواجب آكد من ترك الشبهات التي تشبه الحرام، وذلك لأنه حقق أن جنس فعل الواجبات أهم من جنس ترك المحرمات.
ولأن الورع المستحب والواجب هو ترك ما يُخشى أن يكون سبباً للذم والعقاب في الآخرة، والعقاب يترتب على ترك الواجب كما يترتب على فعل المحرم.
من أمثلة مشابهات الواجبات طلب العلم الشرعي الكفائي، فالكفاية لم تكتمل في العلم الشرعي، فالمُسلمون بحاجة إلى طالب علم كبير في كل مسجد وليس فقط في كل مدينة للتعليم والدعوة والإفتاء، فالمُفتي بحاجة إلى معرفة حال المُستفتي وليس فقط حال البلد.
و هذا لا يعني أن طلب العلم الشرعي الكفائي واجب على كل مسلم، فثمة واجبات كفائية أخرى كثيرة لم تحصل الكفاية بفعل بعض المسلمين لها، ومن الناس من يحسن غير ذلك من الكفائيات أكثر.
فالواجب حث الناس خاصة الشباب على أداء الكفائيات كلٌ حسب قدراته وما يتوفر له، ومن ذلك طلب العلم الشرعي، فمن باب أولى عدم صرف الناس عن هذا الواجب الكفائي بالزعم بأننا بحاجة إلى أطباء ومهندسين، علماً بأن كثيراً من الكفاءات العلمية الشرعية والدنيوية هاجرت من بلاد المسلمين بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي.
فيجب أن يسد كل مسلم ما يليه من ثغرات متعلقة بفروض الكفايات.
ومن تلك الواجبات التي فيها تقصيرٌ عظيم الإصلاح السياسي لأوضاع بلاد المسلمين، فيحرم صد الناس عن الإصلاح السياسي، بل هو إثم كبير وذنب عظيم، فهو من الفروض التي تحتاج إلى تفرغ ومتابعة ودراسة دقيقة.
فنحن في سفينة، إن تركنا بعضنا يخرق فيها خرقاً ولو كان من نصيبه هلكنا جميعاً، وإن أخذنا على يدهم نجونا جميعاً.
والشبهات هي ما كان أقرب إلى الحرام أو تساوى فيه الاحتمالان كما قال بذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى، ويدل عليه ما جاء في الحديث؛ (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).
ولهذا جاء في الحديث؛ (وبينهما أمور مشتبهات)، ثم قال: (فمن اتقى الشبهات)، لأن المشتبهات أوسع من الشبهات، فليس كل مشتبه شبهة واجبة الترك.
فالمشتبهات بحسبها، فإن كانت من الشبهات فإن تركها من الورع الواجب، وإن كانت مما هو أقرب إلى الحلال ففيها تفصيل؛ فإن كانت أقرب إلى الوسط مع كونها أقرب إلى الحلال فتركها من الورع المستحب، وإن كانت قريبة جداً من الحلال فإن تركها من التشدد المنهي عنه، وإن كانت بينهما فهي من المباحات.
وتجد الناس اليوم يسألون عن المشتبه الذي ليس من الشبهات (في الحديث ذِكر المشتبهات ثم الأمر بترك الشبهات) ولا يسألون عن مقاربات الواجبات.
وتجد الناس يسألون عن نسبة واحد من الألف من الكحول في الأدوية ونحوها ولا يسألون عما يشبه الواجبات من فروض الكفايات ولا يلقون لها بالاً، علماً بأن هذه النسبة من الكحول موجودة في عصير الفواكه الطبيعي، وللمزيد حول هذه النسب القليلة؛ مدونتي » أحكام » حُكم الجلاتين ومضافات الأطعمة.
والعلماء مجمعون على أن مسائل الشرع منها ما هو يقيني ومنها ما هو ظني، ومجمعون على جواز  العمل بغالب الظن.
واطمئنان النفس في عدم وجوب ترك المشتبهات التي ليست بشبهات لا يستلزم اليقين، فمثل هذه المسائل الخفية أكثرها ظنية (بغالب الظن)، ولو كان اليقين شرطاً لما جاز الاجتهاد، إذ لا يقين إلا في النصوص والإجماع الثابت، وأما آراء العلماء فهي تحتمل الخطأ.
ويُرجى حول درجات المشتبهات الرجوع إلى جواب على سؤال في؛ مدونتي » أجوبة » استفت قلبك.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء ١٢ جمادى الأول ١٤٤١هـ، ٧ يناير ٢٠٢٠م
pdf
رجوع إلى قسم قواعد وأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق