جمل في النجاسات وأحكام الآنية

الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
١. الأصل في الأعيان الطهارة.
٢. كل الجمادات التي لم تنفصل من حي طاهرة، واختلفوا فيما لا يدخله الإحساس مما انفصل من حي أو ميت كالشعر والظفر.
٣. كل النباتات طاهرة، وكل ما يُستخرج منها طاهر بما فيها ما استحالت منه الخمر، وفي نجاسة الخمر خلاف.
وسبب الخلاف في الخمر هو الخلاف في المراد بوصفها بالرِجْس في القرآن هل الحسي أم المعنوي.
ويرى بعض العلماء أن مجرد تحريم الأكل والشرب لا يدل على نجاسة العين، كالنبات السام.
فليس كل ما حُرِّم أكله وشربه نجس عند بعض العلماء، ولكن كل ما جاز أكله وشربه فهو طاهر.
٤. النجاسات تعود إلى الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما انفصل من أحياء كاليد المنفصلة، وما يخرج من أحياء كبول الآدمي وقيئه ودم الحيض، وفي بعضها استثناءات وتفريعات في بعضها خلافات. 
الأصل في النجاسات آية وأحاديث مع اعتبار فهم الصحابة رضي الله عنهم وأقوال العلماء.
أما الآية فقد ورد فيها نجاسة ثلاثة أشياء، وهي قول الله تعالى ذكرُهُ: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}، والرِجْس هو النجس.
وأما الأحاديث فهي التي ورد فيها الأمر بالتنزه والتطهر من أشياء بعينها، وهي؛ ما يخرج من السبيلين والفرج والجوف من بول وغائط وودي ومذي ومني ودم حيض ونفاس واستحاضة، وفيما يخرج من الجوف ورد الوضوء من القيء.
وورد كذلك الأمرُ بِتطهير الإناء من سؤر الكلب.
١. الميتة
كل الميتات نجسة، عدا ميتة البحر والجراد، واختلفوا في ميتة الآدمي، وما ليس له دم سائل حكمه حكم الجراد في طهارة ميتته عند كثير من العلماء.
وكل ما بان من حي مما فيه إحساس فهو نجس، لأنه ميتة كما جاء في السنة.
عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أُبينَ من حَيٍّ، فهو مَيْتة)، شعيب الأرنؤوط؛ إسناده حسن [وله شواهد] [١].
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما قُطِعَ منَ البَهيمةِ وَهيَ حيَّةٌ فَهوَ مَيتةٌ)، قال الترمذي: حسن غريب، وصححه الألباني [٢].
ما بان من حي أو ميت مما لا يدخله الإحساس ليس بنجس عند كثيرٍ من العلماء، وذلك لأنه لا تدخله الحياة أصلاً فلا يموت؛ كالشعر والوبر والعظم والقرن والظفر والسن.
ومن العلماء من ذهب إلى أن إنْفِحَّةَ الميتة ولبنها طاهر، والإِنْفِحَّةُ (المُجبِّنة) هي شيء أصفر في وعاءٍ جلدي يُخرج من بطن الجدي والحمل الرضيع ويُستخدم في صناعة الجُبن، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم لَمَّا فتحوا بلادَ العراق أكَلوا جُبْنَ المجوس.
وذهب بعضهم إلى أن الجزارين في بلاد فارس كانوا أهل كتاب، وهذا يحتاج إلى إثبات إذ هو مستبعد في العادة.
جِلد ما ذُكي ذكاةً شرعية طاهر كسائر أجزائها، وذهب بعض العلماء إلى أن جلود كل الميتات بما فيها غير مأكولة اللحم تطهر بالدباغ للعموم الوارد في حديث طهارة الجلود بالدباغ، وورد في السنة النهي عن استعمال جلود السباع، وقد تكون الحكمة من ذلك سد ذريعة قتلها لأنَّ حياتها نافعة للبيئة.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّما إِهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ)، والإهاب هو الجلد، والحديث صححه الألباني [٣]، وأخرجه مسلم بلفظ؛ (إِذا دُبِغَ الإهابُ فقَدْ طَهُرَ) [٤].
الآدمي الميت طاهر عند بعض العلماء، لأن أصل الآية في تحريم أكل الميتة فهي عندهم في ميتة غير الآدمي، ومن العلماء من فرق بين المؤمن والكافر؛ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا}.
كل الأحياء طاهرة عند بعض العلماء، واستثنى بعضهم ما لا يؤكل لحمه، واستثنى بعضهم الخنزير والكلب فقط.
دليل من لم يستثن من الأحياء إلا الكلب والخنزير؛ أنه لم يرد دليل صريح في نجاسة الأحياء وأن الأصل في الأشياء الطهارة، وأما الكلب فقد اختلفوا في نجاسة سؤره، وأما لحم الخنزير فقد يكون المراد بالرجس في الآية نجاسة ما بان منه حياً أو ميتاً، وذلك لأنَّ أصل الآية في تحريم أكل لحم الخنزير.
الخنزير يُكثر من الاختلاط بالنجاسات، فقد يكون الخنزير الحي نجساً بما يحمله من نجاسات وإن لم يكن نجساً بعينه.
٢. الدم المسفوح
يرى بعض العلماء أنَّ الدم النجس هو المسفوح الكثير، لأن القيد لابد له من معنىً مُراد، ولذا فعند بعضهم دم البراغيث والقمل والسمك ليس بنجس عندهم.
ألحقَ العلماء الصديد والقيح بالدم لأنه مخالط له يخرج من مخرجه، وقيل بأنه مكون من مادة الدم.
٣. لحم الخنزير
لحم الخنزير وكل ما بان منه مما يدخله الإحساس نجس، واختلفوا فيما لا يدخله الإحساس كشعره، واختلفوا في جلده إذا دُبِغ.
٤. ما يخرج من السبيلين والفرج والجوف
الودي نجس كالبول لأنه يجري مجراه ويخرج عقِبه، وهو ماء أبيض.
واختلفوا في نجاسة القيء والخارج من المعدة، والقول بنجاسته هو قول الجمهور، ونجاسته ظاهرة بالنص والحس إذا خرج متغيِّراً.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ (أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قاءَ، فأفطَر فتَوضَّأَ، فلَقيتُ ثَوبانَ في مَسجدِ دمشقَ، فذَكرتُ ذلِكَ لَهُ، فقالَ: صَدقَ، أنا صَببتُ لَهُ وضوءَه)، صححه الألباني [٥].
وأما الدمع والمخاط واللعاب والعرق فكلها طاهرة، واختلفوا في بلغم المعدة، وهو طاهر بناءاً على أن الأصل في الأعيان الطهارة ما لم يتغير باختلاط بما في المعدة ونحو ذلك. 
بول وروث مأكول اللحم طاهر عند بعض العلماء، لما صح من أمر العرنيين بشرب أبوال الإبل، ولما صح من جواز الصلاة في مرابض الغنم.
القول بنجاسة المني هو بسبب ما ورد من التطهر منه مرفوعاً، وبفعل عائشة رضي الله عنها بغسله وفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يُفرك اليابس فدل على أن الرطب يُغسل.
ومنهم من قال بطهارة المني لأنه أصل الخلق، وليس في هذا دليل على طهارته، لأنَّ الطيب يخرج من الخبيث، فاللبن يخرج من بين فرث ودم بنص القرآن.
٥. سؤر الكلب
واختلفوا في سؤر الكلب، ومن يرى طهارته فهو بسبب تخصيص الإناء بالتطهير دون غيره، والتطهير في الحديث قد يكون لغوياً وهو التنظيف لإزالة وقتل الجراثيم.
٦. الاستحالة
كل نجس يطهر بالاستحالة على الأرجح، كالعذرة تستحيل رماداً، وكلحم الخنزير يسقط في مملحة فيصير ملحاً، للمزيد؛ مدونتي » أحكام » حكم الجلاتين ومضافات الأطعمة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأثنين ١٤ رجب ١٤٤١هـ، ٩ مارس ٢٠٢٠م.
أحكام الآنية
الأصل في الآنية الإباحة إلا لنص.
كل الآنية مباحة الاستعمال إلا آنية الذهب والفضة، وآنية جلود السباع، وما لم يغسل من آنية الكفار وما خالطه سؤر كلب أو نجاسة.
ولا بأس بالضبة اليسيرة ونحوها من الفضة، والضبة هي ما يربط ويشد به الإناء إذا انكسر.
ولا يشترط غسل المزادة ونحوها مما يغلب على الظن طهارته من آنية الكفار، والمزادة وعاء من الجلد يوضع فيه الماء.
آنية الذهب والفضة
روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: (لا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ والدِّيباجَ، فإنَّها لهمْ في الدُّنْيا ولَكُمْ في الآخِرَةِ) [٦].
وفي البخاري أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أنَّ قَدَحَ النبيِّ ﷺ انْكَسَرَ، فاتَّخَذَ مَكانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ، قالَ عاصِمٌ: رَأَيْتُ القَدَحَ وشَرِبْتُ فِيهِ) [٧].
آنية جلود السباع
عن أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه؛ (أن النبيَّ ﷺ نهى عن جلودِ السِّباعِ)، صححه الألباني رحمه الله تعالى [٨].
ولعل الحكمة من النهي عن استعمال جلود السباع؛ سد ذريعة قتلها لذلك، لأن في حياتها منفعة للبيئة، فقد دل عموم الطهارة بالدباغ على أنها ليست نجسة.
أ) غسل آنية الكفار
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَمّا ما ذَكَرْتَ أنَّكُمْ بأَرْضِ قَوْمٍ مِن أَهْلِ الكِتابِ تَأْكُلُونَ في آنِيَتِهِمْ، فإنْ وَجَدْتُمْ غيرَ آنِيَتِهِمْ، فلا تَأْكُلُوا فِيها، وإنْ لَمْ تَجِدُوا فاغْسِلُوها، ثُمَّ كُلُوا فِيها)، متفق عليه [٩].
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استقوا من مَزَادَتين لامرأة مشركة)؛ رواه البخاري في حديث طويل.
في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه دلالة على عدم وجوب غسل المزادة ونحوها مما يغلب على الظن طهارته من آنية الكفار.
ب) غسل ما خالطه سؤر كلب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طَهُورُ إناءِ أحَدِكُمْ إذا ولَغَ فيه الكَلْبُ، أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرّاتٍ أُولاهُنَّ بالتُّرابِ)، متفق عليه [١٠].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأثنين ٢ شعبان ١٤٤١هـ،  ٢٦ مارس ٢٠٢٠م.
لوند، السويد

المصادر

[١] تخريج زاد المعاد (ج٥/ص٦٦٩).
[٢] أخرجه الترمذي (١٤٨٠)، وانظر؛ صحيح ابن ماجة (٢٦٢٤).
[٣] صحيح الترمذي (١٧٢٨)، وصحيح النسائي (٤٢٥٢)، وصحيح ابن ماجه (٢٩٢٣)، وصحيح الجامع (٢٧١١).
[٤] صحيح مسلم (٣٦٦).
[٥] خرجه الترمذي (٨٧) واللفظ له، وأحمد (٥/١٩٥) وأبو داود (٢٣٨١)، وانظر؛ صحيح الترمذي (٨٧).
[٦] صحيح البخاري (٥٦٣٣).
[٧] صحيح البخاري (٣١٠٩).
[٨] صحيح النسائي (٤٢٦٤).
[٩] أخرجه البخاري (٥٤٨٨)، ومسلم (١٩٣٠).
[١٠] أخرجه البخاري (١٧٢)، ومسلم (٢٧٩) واللفظ له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق